وتحيا فلسطين إلى الابد...جزء 1 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

موضوع مغلق
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 28-01-2008, 03:52 PM
  #1
alseem
قلم مبدع
 الصورة الرمزية alseem
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 653
alseem غير متصل  
وتحيا فلسطين إلى الابد...جزء 1

هذه القصة من عدة سنين وانا اكتبها لكي اقدمها لهذا المنتدى العزيز

اشرقت شمس الصباح على قرية الحزنونة التي تقع شمال مدينه نابلس الى اليمين من بيارات الامل ، اشرقت ومحت اثار الظلام ، في حين استيقظت اشجار التين والزيتون من سبات قصير ورفعت اغصانها الى السماء , وايقظت معها بيارات البرتقال والليمون التي ما فتئت ان ركلت قطرات الندى عن اوراقها وارتعشت رعشه قوية نتاجها ان التصقت جزيئات رائحتها الزكية بانفاس وهواء قرية الحزنونة النقي ، والذي بدوره ارسلها بكل اتجاه والى كل ناحية بل والى كل شبر في فلسطين والى اقصى مدى يمكن ان يصله ولو بقي معه ذرة واحدة من تلك الرائحة ، ولكن يعود من جديد الى بيارات الحزنونة ويتشبع ويحمل اقصى حمولة ممكنة ويكمل عمله يطير ويلقي حمولته هنا وهناك .
استيقظ الناس في القرية ولا يزال ابو فرج – سعيد القاسم- مستيقظ يمسك بغصن صلب قديم من شجرة لوز ، يمسكه بكل ما أوتي من قوة ويضرب به على رجليه , ويمشي بسرعة هنا وهناك امام داره او ان صح التعبير امام غرفته ، ويقف خارجا معه ولده فرج ذو الثلاثة اعوام وابنته امال ذات العامين ، وفجأة سمع الزغاريد ، واتبعها خروج الداية ام الامين بسرعة من داره وتقول : الي الحلوان اجاك ولد زي القمر . حينها ارتسمت على وجه ابي فرج ضحكة فرزت تجاعيد وجهه وقال : الحمد لله . اراد حينها لو يجمع الدنيا بيديه ويضمها الى صدره مثلما يضم زوجته. دخل بسرعة على زوجته وقبل جبينها المتعرق وامسك بيدها واخذ الطفل من على صدرها وقبله ورفعه الى الاعلى وصرخ بأعلى صوت هو يحيى السعيد ، اسماه يحيى لان زوجته تريد هذا الاسم وكأنها تؤمل على القدر ان يجعله يحيا لاطول فترة بسعادة وهناء بعدها اخذ ابو فرج يسابق الريح الى المدينة (اي نابلس) ليحضر الحلاوة والملبس, ليعطي كل من يعرف ومن لا يعرف ليعبر عن مدى فرحته.
مرت هذه الليلة وما اجملها من ليلة لهذه العائلة البسيطة. بعد نوم الطفلان جلس ابو فرج على عتبة داره واشعل سيجارة واطلق عنان بصره الى السماء والى النجوم دون ان يبدي اي حركة ثم مالبثت لاحلامه ان قطعتها زوجته بلمسة على كتفه وهمست " مالك في ايش بتفكر يا عمري" ، نظر اليها بابتسامة الحب وكأن الدموع فاضت من داخله ولكنه حبسها ، وقال : لا ما في اشي . ولكن بعد الحاح زوجته الطيبة التي رضيت به مع انه لم يكن يملك سوى غرفة ورثها من والديه وبالطبع اضف اليها اراضي الاجداد ، بل في قلبها رأت انها ملكت الدنيا كلها بأخذها قلب زوجها الحنون، اخبرها انه كان قد تذكر حنان المرحومة عليه لانه كان اصغر اخوته وقوة وطيبة المرحوم وقساوة الحياة .
عند بزوغ الفجر ايقظت ام الفرج زوجها وابنها فرج كالعادة وقد حضرت لهما رغيفان من الخبز وحبا ت زيتون ووضعتها في قطعة قماش ليأخذاها معهما الى العمل اي الى الحصيدة والارض.
مرت السنين وكأنها رمشة عين افاقت لرؤية يحيى وقد التحق بمدرسة الغد في قرية البينونة في جنوب مدينة نابلس وكان قد اكمل دراسته الابتدائية في قريته وكان الاول في مدرسته وبلغ الان من العمر العشرة اعوام وعليه الان الذهاب الى تلك القرية مع اقرانه من قريته والاعتماد على نفسه ، ولكن يحيى لديه القوة التي اكتسبها من والديه ، ولديه الحب والامل .
هو يحيى ويحب الحياة لوجود والديه واخوته ، برغم قسوة الحياة وبرغم فقرهم وبساطتهم . كل يوم كان يحيى يقطع مسافة كبيرة يمر خلالها من جبال وهضاب ووديان بملابسه ذات العشرة رقع التي عاصرت كل الفصول الى ان يصل الى مدرسته ، كانت امه تقيظه كل يوم عند الفجر مع والده واخوه ، وكانت تحضر له نصف رغيف من الخبز المشبع بالزيت والمملح لياخذه معه الى مدرسته حتى اذا ما جاع في رحلته , وقبل خروجه اعتاد تقبيل يد والده وانجذابه الى حضن امه واخذه القبلة ، بحيث يشعر بعدها وكأنه ولد من جديد ويطير الى مدرسته بكل قوة وارادة وتصميم ، وعند عودته واقترابه من قريته يكون قد انهكت قواه وتورمت قدماه ، حينها يصب الماء من جسده سواء في الصيف او الشتاء وحينها يراوده شعور الحيرة وخيبة الامل واوهام الحسد من من يراه افضل حال سواء في مدرسته او قريته ، ولكن سرعان ما تتبدد هذه الاحاسيس والهواجس حين يجد نفسه ملقى في حضن امه ووصوله لبيته ، عندما تحدثه امه ينسى معنى الظلم والتعب ويحب الحياة.
وبالطبع لكل فرد من هذه العائلة عمل يقوم به ، حيث ابو الفرج وولده فرج يعشقان الارض وتعشقهما اشجار الزيتون ، وام الفرج تجيد الخياطة والتطريز بالاضافة الى اهتمامها بشؤون بيتها وعائلتها بمساعدة ابنتها امال ، ومع ان امال وفرج اكملا فقط المرحلة الابتدائية من دراستهم في قريتهم ولم يتمكنوا من اكمال الدراسة بسبب ظروفهم التي تحتم فقط الدراسة لفرد واحد ، الا انهم يشعرون بالفرح لانهم ضحوا ومكنوا يحيى من الدراسة وحيث ان كل الامال تقع على عاتق يحيى فهو مصمم على التقدم والانتقام من الظروف.
وبعد عدة اشهر كان ابو الفرج وفرج عادا بعد يوم دافىء جميل هادىء شاق والبسمة مرسومة على وجههما من ارضهم وكانا قد باعا من محصول الزيتون وقبضا الثمن ، حينها اخبر ابو الفرج عائلته ان يطلبوا منه امنية اي لكل فرد منهم امنية يطلبها منه ، وسوف يحضرها في اليوم التالي لانه سيذهب الى نابلس . امنية.... كلمة جميلة وما اجمل تحققها ولكن لهذه العائلة هي اماني بسيطة لانهم يعلمون الظروف وقدرة ابوالفرج ، طلبت ام الفرج من زوجها اليانس ( اي المنديل) مصحوب بعصبة الرأس ، وطلب فرج فخة لصيد الطيور ، وطلبت امال دمية احلامها ،دمية من الاسفنج وكأنها تريد اعطاء ما تملكه من حنان الطفولة لهذة الدمية ، وطلب يحيى من والده دفتر جميل ليريه الى اصدقائه في المدرسة وكان قد طلب من امه ايضا قبل ايام ان تصنع له لفحة مكتوب عليها ومطرز" تحيا فلسطين الى الابد" لكي يضعها على رقبته لتدفئه.
نام الاطفال ونامت معهم احلامهم البريئة بعد ليلة جميلة ومازال ابو الفرج مستيقظ وينظر الى اطفاله النائمين ببسمة غريبة وماتزال ام الفرج مستيقظة وتطرز لفحة ابنها يحيى، وفجأة نظر ابوالفرج لزوجته وقال : تعلمين كم احبك وسأظل احبك الى الابد وحتى لومت ستبقى روحي الى جانبك . ثم قطعت ام الفرج كلام زوجها وقالت : بعيد الشر عنك ليش بتحكي هيك يا عمري واتبعتها بنظرة باسمة الى عيون زوجها ، حينها احب ابوالفرج الحياة لان هناك من يهتم لامره، وقالت زوجته : صحيح طلبنا جميعنا امنيات وبقيت انت ماهي امنيتك؟ اجاب زوجها: امنيتي ان اعيش واحقق لكم امانيكم التي حرمتم منها منذ زواجنا والى الان ثم خرجت كلمة احبك من فمه ببساطة وكان قد نام وكأنها في حلمه .
عند الفجر ارادت ايقاظ زوجها واطفالها واذا الجميع مستيقظ وسأل يحيى امه اذا ما اكملت لفحته ليلبسها ولكن اخبرته انه عند عودته ستكون جاهزة ، قبل خروجه ضمته امه وقبلته كالعادة ويومها قبل اخوته لانهم مستيقظين ينتظرون هداياهم وقبل يد والده ولكن يومها قال له والده : اعتني بنفسك ودراستك بحيث تقدم شيئا لاهلك و لقريتك ووطنك ، لم يفكر حينها لماذا جاء هذا الشعور الى والده ، اكد قبل خروجه على والده ان لا ينسى احضار دفتره ، وحين خرج نظر الى السماء ولكنه شاهد جوا غائما كئيبا صامتا ، وتابع طريقه الى مدرسته .
ثم خرج ابو الفرج الى نابلس ليحضر ما وعد به عائلته وليحضر بعض المونة لبيته ، وكان فرج ينتظر بلهفة فخته لكي يتمكن اليوم من اصطياد ولو طير واحد وكانت امال تنتظر دميتها الصغيرة وكانت ام الفرج قد شارفت على اتمام خياطة لفحة يحيى وحينها كانت تنتظر بلهفة زوجها وابنها وحينها شعرت بخوف شديد وكأن القدر يريد ان يخبرها بشىء ولكنه يستحي ما يخبرها ويستحي من مواجهة هذا القلب الطيب الذي ما كره او حمل اي حقد منذ خلقه .
مر الوقت ببطىء شديد وفجأة عاد الاب الى بيته وعلى وجهه رسم الخوف ويحمل امنيات اطفاله بيديه واعطى كلا منهم ما طلب وبقي دفتر يحيى الذي اخذته اخته لتخبئه لحين عودته ، لبست ام الفرج منديلها الجديد ولفت عصبتها الجديدة واخذت امال دميتها وضمتها الى صدرها واخذ فرج فخته واراد الخروج لنصبها ولكن قال له والده بفزع : لا . قالت زوجته ما الامر . قال : لقد شاهدت في طريق عودتي دوريات اليهود وكأنها متجهة الى قريتنا . قالت زوجته وقد اكملت خياطة لفحة فلذة كبدها : الله يسترنا ان شاء الله ما بيجوا هان ، وحال انهاء كلامها سمعت العائلة صراخ في الخارج يقول : اهربوا اجوا اليهود .... يهود....يهود طوقوا البلد .
خرج ابوالفرج ونظر من الباب ورأى دوريات كثيرة وطائرة تحلق في سماء القرية وهلع وصراخ في الخارج وعاصفة قوية قال لزوجته : خبئي فرج وامال في خزانة صغيرة قديمة . فوضعت طفليها في الخزانة وفجأة كسر الباب واطلت بنادق جديدة وانقض الجنود واخرجو ابوالفرج وزوجته الى الخارج ولا تزال ام الفرج تمسك باللفحة، واذا بالجنود منتشرين في القرية ويجمعوا كل ما يمكنهم جمعه من الناس ثم وضعوهم في صفوف ، كان هناك الكثير من اليهود المدججين بالسلاح لا يمكن عدهم ، ثم احاطوا باهل القرية وصوبوا البنادق الى رؤوسهم وفجأة اقدم رجل ببزة عسكرية يسمى دخيل الغريب ويحمل الكثير من الرسوم والاوسمة على صدره ويحمل مسدس على جنبه ويلبس نظارة سوداء ويتكلم بجهاز اسود طويل يحمله،

يتبع.....
__________________
إذا ضاقت الدنيا وأصبح لك هم كبير لا تقل ياربي لي هم كبير بل قل ياهم لي رب كبير

قمة التحدي أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة
قديم 28-01-2008, 06:22 PM
  #2
أبو أحمد
عضو نشيط جدا
 الصورة الرمزية أبو أحمد
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 4,618
أبو أحمد غير متصل  
أين البقية يا أخي

فقوانين المنتدى لا تسمح بالتجزيئ

هيا يا راجل
قديم 28-01-2008, 06:33 PM
  #3
alseem
قلم مبدع
 الصورة الرمزية alseem
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 653
alseem غير متصل  
نظر اليه جنوده وضحكوا وهمس جندي لرفيقه : يتحدث الرئيس الى صديقته ويسألها عن ما اعدت له على الغداء . تقدم قائد الفرقة ونظر الى الناس وقال : انكم مجانين الم نخبركم ايها العرب ان تخلوا القرية . فجأة قطع حديثه شيخ القرية المسن ابومحمد وقال : لن نترك ارضنا ايها الدخيل ولو على جثثنا ، لم يكمل الشيخ كلامه حتى وبسرعة اخرج دخيل مسدسه واطلق كل ما عبىء به مسدسه الى صدر الشيخ الذي ماتحمل هذا الكم من الرصاصات وسرعان ما سقط ولقد تلونت دشداشته البيضاء باللون الاحمر وصرخت النساء والناس وصرخ دخيل اصمتوا جميعا واطلق جندي رصاصة في الهواء اشعل دخيل سيجارة ونظر ولمح وجه جميل واذا به ينظر الى ام الفرج واقترب منها واخبرها ماذا تحمل بيدها وان تذهب معه لكنها بصقت في وجهه وقبل رفع يده ليلمسها واذا بابو الفرج يضربه ضربة قوية على وجهه بيد خشنة جعلت نظارة دخيل تسقط بعيدا وكأنها اشلاء وسال الدم من فم دخيل واذا بجندي من الخلف يضرب ابوالفرج على رأسه ببندقيته ضربة جعلت ابوفرج يفقد وعيه ويسقط ارضا وامسكت ام الفرج وهي تبكي بيد زوجها وضمته ، حينها رجع دخيل الى الخلف وقال : ايها الجبناء انتم لا تفهمون الا القوة ، واطلق اشارة الى الجنود باصبعه واذا بالجنود صوبوا بنادقهم وامطروا ما يملكون من ذخيرة الى صدور عارية لا تملك ما تدافع به عن نفسها حينها تسابقت القلوب الممزقة ايها يخرج دمائه قبل الاخر ليروي ارضه ووطنه دفاعا عنها وايفاء بالوعود بعدم التخلي عنهاالا بالموت ، عندما سمع فرج اطلاق النار خرج من الخزانة وطلب من اخته التي مازالت تبكي وترجف وهي تضم دميتها الصغيرة الى صدرها بكل قوة ان تبقى في مكانها، واخرج حجران من الصوان وكأنهما سكاكين كان قد خبئهما في بيته وخرج الى الخارج نظر والدموع تسيل من عينيه لم يجد سوى جثث ممدة وجنود مبتسمين ، وصرخ دخيل اهرب ايها الصغير قبل ان اغير رأيي واقتلك، اقدم وبكل ما اوتي من قوة اكتسبها بفعل الظروف والعمل ضرب الحجر الاول وكأنه سكين جرحت وجه جندي وسال دم من وجهه وانفه، اراد فرج ان يتبعه بالحجر الاخر لكن الرصاصة سبقت وخرقت رأسه ، فجرت ونشرت دماغه الصغيرة التي تحمل احلام صغيرة وافكار بريئة طفولية وتجهل الكثير عن الحياة وعن الاسباب .
ثم اخذت طائرة العدو تقصف بيوتا صغيرة وبسيطة وكأنها بيوت من ورق، تناثرت اشلاء ودماء وحبات زيتون . هدمت بيوت كثيرة منها بيت ابوالفرج بيت الحب والسعادة والبساطة والطفولة.
غادرت الوحوش بعدما تشبعت اياديها بالدماء واخذت حصص من ارواح ، وانتزعت احلام وهدمت اي مظهر للفرح الجزئي غادرت وتركت خلفها قرية مظلمة صامتة لكن هناك الكثير من شهود العيان على هذه الجريمة هناك اشجار وتراب وهواء ومياه لا يمكنهم قتلها، ولا يمكنهم اسكاتها، بل اخذت اشجار الزيتون تضم الى صدرها الموتى وتعانقهم وارادت الارض ان تواري ابنائها داخلها والمياه ارادت غسل الدماء واعادته الى امهم واقسم الهواء على ان يبقي انفاسهم داخله انفاس عربية حرة .
في هذه الاثناء كان يحيى في طريق عودته من المدرسة بعد يوم جميل امضاه في المدرسة ، وكأنه فرح بعد ان باع ابوه المحصول ، اخذ بالركض في السهول والقفز يمنة ويسرة بكل فرح وسرور وهو يغني ، حيث غدا يوم اجازة من المدرسة وسيمضي هذه الليلة مع اهله واليوم التالي بطوله، اقترب من القرية ..... واقترب اكثر واكثر ....... اخذ يركض اكثر فاكثر ، ولا يرى امامه الا عائلته وحضن امه التي اعتاد عليه عند رجوعه ، ويفكر ما هو شكل الدفتر الذي احضره له والده وكم هو جميل ، وما هو مظهر اللفحة بعد ان اكملتها امه ، واشتاق الى طعام امه وخبزها لشعوره بجوع شديد ، اقترب واقترب بدأت سرعته تنقص شيئا فشيئا لما لاحظه من هدوء تام ، لم يسمع سوى انين الريح وخشخشة اوراق الشجر، دخل القرية ولم يجد من اناس يستقبلونه ، شعر وكأنه دخل مكانا خاطئا ، او ان اهل القرية قد رحلوا ولم يخبروه ، نظر الى الاراضي عن اليمين وعن الشمال وكأنها عطشى خاوية على عروشها ، والى البيوت مهدمة وكأنها مهجورة منذ زمن بعيد والى الاشجار واذا بها مطئطئة اغصانها الى الاسفل ، حينها شعر بخوف شديد احس خلاله انه تائه في صحراء ، حاول تجاهل هذه الاشياء ، وركض باقصى سرعته متجها الى بيته وهو متيقين ان اهله في انتظاره ، اقترب من ارضه ونظر من تلة يقف دائما عليها حين عودته ويرى من عليها بيته ، ولكنه لم يرى سوى اطفال و رجال ونساء ممددين ظن انهم نائمون ، وركض نحوهم ، وصل اخيرا ولم يقع نظره الا على امه وابوه واخوه وبادىء الامر لم يبدي اية حركة، وقف امامهم وصرخ : مرحبا، لقد عدت ، لكن ما من اجابة ، صرخ وهو يصب دموعه مرة اخرى : امي حبيبتي لقد عدت ، لكن لم تجبه لانها في سبات عميق ، اعمق من ان يمكنها من سماعه، ثم القى نفسه لا شعوريا الى حضنها لكنها لم ترفع ذراعيها ولاول مرة لم تحضنه ولم تقبله ، فرفع ذراعها ونزل تحتها ، لكن دون جدوى ، اخذ يبكي ويصرخ بصوت دوى في الفضاء، وركض الى اقرب شجرة وهوى تحتها يبكي ويضرب رأسه بالتراب وكأنه يريد ايقاظ نفسه من حلم لا يعلم انه حقيقة ، ومن شدة بكاءه وحزنه وخوفه تلك الليلة ارادت اشجار الزيتون لو انها تتحرك و تضمه واخذت تبكي لكنها توقن انه لا احد يسمعها ، حتى يحيى لانه في حينها لا يشعر باحد من حوله ولا حتى بالدنيا . بعد فترة توقف فجأة عن البكاء وفرك عينيه بقوة واخذ بالسير بقدمين ما عاداتا قادرتان على حمله وتقدم، نظر من جديد لعله كان في احلام وتهيئات ، نظر اليهم فوجدهم جميعهم قد تغسلوا بالدماء ، امه تحمل في يدها لفحته المعطرة باللون الاحمر وقد وضعتها الى صدرها ويدها الاخرى تمسك بيد زوجها الحبيب ووجهها بهيئتين ، نصفه حزن واثر لدموع على خديها لخوفها على اطفالها وحبها لهم ،والنصف الاخر ضحكة مرسومة ، ربما لانها ماتت بقرب زوجها الحبيب الذي كان يخبرها انه سيظل يحبها حتى لو مات وستظل روحه الى جانبها، ووالده يمسك بقوة باليد الاخرى حفنة تراب ، واخوه يمسك بحجر احمر ، حينها احتار ماذا يفعل هل يبكي او يقتل نفسه ، لم يقدر عقله الصغير ان يفسر الاسباب او النتيجة ، لم يصدق ما يخبره به عقله انهم قد ماتوا جميعا وتركوه وحيدا ، وفكر انه لا بد له ان يقتل نفسه . لكن تذكر شخصا يحبه لم يره معهم ربما سيخبره انه في حلم ، امال اخته العزيزة ، بحث هنا وهناك لكن لم يجدها ، نظر الى مكان بيته ولم يعد يتعرف الى بيته ، ولكن راى شجرة زيتون كان قد زرعها مع ابوه امام بيته فعرفه ، اقترب منه ورأى فقط حجارة متناثرة ، بحث وبحث ، فجأة رأى يدا صغيرة غضة تخرج من بين الركام ، ركض نحوها وازال جميع الحجارة واذا بامال تحتضن دميتها الصغيرة ودفتره الجديد والدموع لا تزال على خديها الرطبين ، هزها هزة قوية وصرخ امال ......امال .... بكى وبكى...... واذا بالدمية تسقط وهي تبكي وامال لا تبدي اية حركة .... هي ميتة .... هذا ما ادركه .... كلهم ميتون .....حمل اخته ودميتها ووضعهم الى جانب عائلته ، وسجد على ركبتيه منهكا يبكي ويأن ويحمل تراب ويلقيه على رأسه ، ويصرخ : لماذا لم تأخذوني معكم، اني اكرهكم، لماذا لم تنتظروني حتى اعود ؟ امي ارجوكي استيقظي اني ابكي ، اني متعب ، اسألك بالله لا تتركيني . هذا كلمات يعرف انها تهز قلب امه ولا تقدر على تجاهلها ....... لكن ما من اجابة ..... وفجأة سقط بينهم مغشي عليه .... من شدة التعب ، والحزن والخوف بل الجنون ، لم يستطيع عقله الطفولي استيعاب كل هذه الاحداث ففضل ان ينقذ الطفل المسكين ويجعله ينام. نام يحيى ، نام كعادته بين افراد عائلته ، وبقرب امه الحبيبة ، ولكن هذه المرة لن يقظه احد ، بل ليته لا يستقيظ من جديد ليشاهد مأساة حقيقية ، ماذا يمكن تخيل شعور طفل يجد نفسه مجرد من كل ما هو طبيعي ، بل قد جرد من الحياة .
استيقظ يحيى وقد طلعت الشمس ونظر من جديد حينها فقط اكتشف انه لم يكن يحلم ، جلس على حجر بالقرب من الضحايا ، واخذ يتأمل وينظر اليهم الواحد تلو الاخر ، وبعد فترة كان الخبر قد وصل الى كل القرى بل الى كل فلسطين ، واذا بجماهير من الناس تاتي من كل صوب ، الى منطقة الجريمة ، سمع يحيى وهو جالس لا يبدي اية حركة اناس يصرخون : لا اله الا الله ، الله اكبر على الظالم . واناس يبكون وهم يتفقدون الجثث لعلهم يجدون امل في حياة ، ونساء يصرخن ، وسمع شيخ بلحية بيضاء يقول: وحدوا الله يا ناس ، الله يرحمهم انهم شهداء، وجاء الواحد تلو الاخر الى يحيى يقبله ويحدثه : حمدا لله على سلامتك ، وكلا منهم يريد ان ياخذه ليعتني به ، لكن رفض ان يحرك ساكنا ، الى ان وصل الكثير من اقاربه وقد انقضوا عليه يقبلوه وهم يبكون لم يعلم حينها ما سبب بكائهم ، ونساء كل واحدة تضمه الى صدرها لكنه لم يشعر باية ضمة، ولا يبدل كل الاحضان مجتمعة بل الدنيا بأسرها بلمسة من امه ، ثم رأى اقاربه يتشاورون وكلا منهم يريد اخذه ، ولكن اصر عمه ابومحمود ان يأخذه واقنعهم بان عائلته صغيرة هو وزوجته وابنة واحدة ، اراد ابو محمود بعد ان امسك يد يحيى ان يأخذه ويبعده عن هذه المنطقة ، لكن طلب يحيى من عمه طلبا ان يودع عائلته ، واراد الناس ان يدفنوا الشهداء ، فركض يحيى وصرخ توقفوا ، توقف كل الرجال ، واذا به يقبل عائلته فردا فردا ويودعهم وهو يبكي وكأنه يريد ان يأخذ ذكرى منهم ، وهمس بأذن امه الميتة : امي حبيبتي هل تسمحي لي ان اخذ اللفحة ،نظر وشعر وكأنها تبسمت، فسحب اللفحة برفق من يدها ، واخذ الدمية الصغيرة ودفتره من يدي امال بعد ان قبلها وهو يبكي ويرجف ، واراد ان يفتح يد والده ليأخذ حفنة التراب من يده لكنه لم يتمكن من فتح يد ضخمة قوية مجعدة بينها وبين التراب رابطة قوية اقوى من ان يتمكن اي احد ان ينزع هذا التلاصق ، وبعد
__________________
إذا ضاقت الدنيا وأصبح لك هم كبير لا تقل ياربي لي هم كبير بل قل ياهم لي رب كبير

قمة التحدي أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة
قديم 28-01-2008, 06:35 PM
  #4
alseem
قلم مبدع
 الصورة الرمزية alseem
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 653
alseem غير متصل  
ان قبل اخوه نظر اليه وهو يمسك الحجر بقوة ونظرة الانتقام مرسومة على وجهه ، لكن يحيى خجل ان يفتح يد اخوه ليأخذ ذكرى دمائه، حتى يبقي الحجر مع اخوه وفي قبره ، فجأة اخذ يحيى يصرخ بكاء وسقط مغشي عليه . لم يستيقظ من اثرها الى ان وجد نفسه في بيئة هادئة وكأنها بيته لكن حين دقق النظر عرف انه ليس بيته ولكن اين هو لا يعرف ، ونظر الى جانبه فوجد اللفحة فرفعها واذا بها مطرز عليها" تحيا فلسطين الى الابد" معطرة برائحة امه ودمائها ، وايضا دمية اخته ودفتره الملطخ بدماء اخته ممزوجا برائحة ابيه ، فضمها الى صدره ، وفجأة دخل عليه ابومحمود وزوجته ، اخبروه انه الان في بيته الجديد وبين عائلته الجديدة ، وقالت ام محمود : استيقظت يا بني ، نحن من الان وصاعدا عائلتك ، لا تحزن يا بني ان عائلتك في الجنة ، هيىء نفسك سوف احضر لك الفطور . نظر اليهما ولكنه لم يبدي اي تعبير ولم يقل ولا كلمة ، ونظر فشاهد ابنة عمه حنان التي تبلغ السبع سنين تقف خلفهم وتنظر اليه بخجل وخوف ، وكأنه يحدث نفسه : هم عائلتي الجديدة ، ولكن كيف ، لم يخلقوا ليكونو عائلتي ، هو عمي وهذه زوجته وتلك ابنة عمي واحبهم ولكن لا يمكن تغيير الزمان او تبديل الادوار.
استمر يحيى ثلاثة ايام متواصلة دون ان يضع الطعام في فمه وكأنه نسي معنى الجوع بل نسي انه مازال على قيد الحياة ، مع ان ابومحمود وزوجته استخدما كل الطرق لاقناعه بان يأكل لكن دون جدوى .
وفي اليوم الرابع بعد احداث المجزرة ، ولا يزال يحيى بصورة جديدة ، لا يأكل ولا يتكلم بوجهه الجميل الذي حفر عليه اثار الحزن والخوف والحيرة ، الى ان سمعت حنان امها وهي تخبر زوجها ان يحيى لا يريد الطعام ، حينها جاء الى حنان الطفلة الخجولة قوة وشجاعة مكنتها من اخذ قطعة من الخبز وبرتقالة وحبات زيتون وتسير بكل شجاعة نحو يحيى الذي يجلس على صخرة في ارض ابي محمود امام البيت ، واذا بحنان تقف امامه وتقدم له الطعام بنظرة فيها الابتسام ، نظر اليها يحيى فوجد معنى البراءة ، واذا به يأخذ الطعام منها ، ولكن دون ان يتفوه باية كلمة ، ونظر اليها واذا الابتسامة خطت على وجهها ولكنه لم يبادلها الابتسامة ، وكأنه اقسم على نفسه الا يبتسم ، او بالاحرى حاول الابتسام لكنه لم يتمكن ، ولو بامكانه الابتسام لابتسم في وجه الطفلة.
وبمرور الوقت حاول ابومحمود وزوجته جعل يحيى ينسى ماحصل وجعله يتكيف مع عائلته الجديدة وليكمل حياته من جديد ، ارسلوه الى المدرسة ليتابع ، ولكن يحيى يذهب الى المدرسة بدون همة وبدون امل او تفاؤل ، لم يعد كما في السابق ، مع انه كان الاول في مدرسته ، وكان المعلمون ومدير المدرسة يشهدون لابيه بذكاءه وتفوقه ، ومع انه حاول استعادة الامل الا انه لم يستطيع ، هناك من حال بينه وبين حبه للحياة ، بل هناك من انهك واستنزف كل قدراته ومواهبه ، لم يقدر على متابعة الدراسة فقرر ان يترك المدرسة وان يساعد عمه في العمل ، رفض ابومحمود وزوجته ما يريده يحيى في بداية الامر ، الا ان يحيى اخذ بالتهرب من المدرسة الا ان اجبر عائلته الجديدة على موافقته الرأي .
تابع يحيى حياته ، واحب عائلته الجديدة واعتاد عليها ، واعتاد على العمل في الارض مع عمه ، وكانت حنان تكمل دراستها ، وكان ابومحمود ويحيى يحاولان ان يوفرا لحنان كل ماتطلبه وكل ما يلزمها للمدرسة ، وكان يحيى يوصل حنان الى مدرستها كل يوم ويرجعها .
كانت حنان تأخذ الطعام الى ابيها وابن عمها عند عودتها من المدرسة ، وكان يتخللها شعور غريب تجاه هذا الشاب الجميل ذو القلب الطيب الذي يكبرها بخمسة اعوام ، هذا الشاب الذي يبلغ الان الثامنة عشرة من عمره ، واوصافه الان هي ابيض البشرة كالثلج ، طويل القامة ، نحيف الجسد ، بعينين خضراوتين ، وشعر اسود كالحرير، يلبس لفحة على عنقه لم يزلها منذ وفاة امه ، ويملك دفتر معطر برائحة من احب كتب فيه كل ذكرياته وكل شيء حصل معه منذ طفولته الى الان ، ودمية خبئها بحيث كلما اشتاق الى اخته قبل الدمية وضمها .
وبينما ذات يوم وقد كان يحيى يجلس في ارض عمه لستريح قليلا من العمل ، وكان قد شرد ذهنه الى كوكب اخر والدموع تنزل على خديه ، فجأة اقتربت حنان وبيديها تحمل الطعام وتمشي بحياء وتقترب قليلا قليلا، وقفت جانبه ، ولكنه لم يدرك ولم يحس باحد ، قالت حنان بصوت منخفض خجول : الله يعطيك العافية ، نظر يحيى فرأها فهب واقفا ومسح دموعه وقال: الله يعافيكي ، شكرا لك – وقد أخذ الطعام منها- ثم جلس ووضع الطعام ، وقال لها : سيعود ابوكي بعد قليل لقد ذهب الى ارضنا في قرية الحزنونة . وطلب منها ان تشاركه الطعام، فجلست برهبة شديدة وقد احمر وجهها ، وبدأ العرق يصب من على وجه يحيى خجلا ايضا ، فأخذ رغيف من الخبز ومشى قليلا الى الامام وهو يأكل ، وبدأت حنان تأكل وحال انتهائها وقفت ومشت نحوه وهمست : ممكن اسألك سؤال ، اجاب يحيى : بالطبع ، قالت : لماذا انت بهذه الغرابة ولم أراك خلال العشرة اعوام يوما واحدا تبتسم فيه او تضحك ، وكنت اشاهدك دائما تبكي وتفكر لوحدك. جلس يحيى على صخرة وتنهد ثم اطلق بصره الى السماء وقال : ااه ، ماذا اخبرك ، انا لست انسانا غريبا ، بل نحن في وطن يحيط بنا الغرباء من كل ناحية ، بل لم نعد نميز بين الغريب والقريب، ولقد اقسم علي القدر الا ابتسم ، بل لااعرف كيف بامكاني الابتسام ، احاول لكن لا اعرف كيف ومتى؟ يا حنان اني اشعر دائما بوجود امي وابي واخوتي حولي ولا يراهم احد سواي ، واتحدث معهم ويتحدثوا الي ، وانا لا افكر بل اشعر بهم فلا ارى احد سواهم ولا اشعر بمن حولي ، وعندما ابكي ، فانا ابكي معاتبا اياهم لانهم تركوني وحيدا ، حتى انهم لم يودعوني ، حتى امي لم تقبلني قبل رحيلها ، ولكنها الى الان تأتي دائما لزيارتي وتقبلني واستشيرها في اي امر اريد ان افعله ، وابكي ايضا لاني لم انفذ وصية والدي الى الان، قالت حنان والدموع تنزل من عينيها : وما هي وصية والدك . قال : في يوم الرحيل اخبرني ابي يومها قبل ذهابي الى المدرسة وكأنه كان يشعر بأنها اخر لحظة سيراني فيها ، بان اعتني بنفسي ودراستي ، بحيث اقدم شيئا لاهلي ولقريتي ولوطني . ولكنهم رحلوا فكيف سوف اقدم لهم ولو شيئا بسيطا . وبكى يحيى ..........................وضحك المتفرجون ...............وضحك القدر...............

واستمرت الحياة وبلغ يحيى العشرين من عمره ، ومازالت الحياة قاسية عليه كما كانت ، ولا يزال شعوره بالحب اللاارادي يزداد ويتعاظم تجاه ابنة عمه حنان التي يختلجها نفس الشعور ، كلاهما يحب الاخر حبا لاارادي ، ولكن كلاهما يخجل من الاخر خجلا اكبر من الحب ولا يتفوهان باية كلمة تدل عما يجول في كونهم الداخلي ، ربما هو الحب ولكن ما اصعب المجهول وما اصعب تداخل الاحلام مع الواقع ، بل هل يمكن فصل دور الوجود باللاوجود وربط الخوف والرؤيا بالحقيقة.
في يوم من الايام ذهبت حنان وحدها الى المدرسة لان يحيى قد تأخر في نومه من شدة التعب الذي يعانيه في حياته العفوية، وحين استيقظ هرع ليلحق بابنة عمه ، اقترب من الشارع القديم في مدينة نابلس، فوجد ابنة عمه تبكي وقد تعرض لها المستوطنون اليهود، ومنعوها من العبور، فنظر يحيى واذا بهم يضحكون ويحيط بهم الجنود وقد حاولوا تمزيق ملابس حنان، حينها لم يدع لعقله من التفكير ولو للحظة، او لسؤال من يحبها اكثر مما يحب نفسه، بل هي ما تبقى لقلبه ، ولا يمكن لقلبه ان يفرط بمن يشعره بوجوده ويدخل السعادة التي يفتقدها عليه، انقض على اليهود وكأنه اسد اراد ان ينقض على فرائسه، اخرج سكينته من جيبه واذا به يمزق الاجساد بها يمنة ويسرة بيده الطويلة التي كادت ان تحيط بالعشرات ودموعه تتطاير مع الرياح ، انها دموع الظلم ودموع الجنون ودموع الغربة ودموع الحيرة . لا يمكن لاي انسان ان يوقف هذا الجسد في هجومه ، اخذت الفئران بالهروب في كل جهة وناحية ، واخذ الجنود باطلاق النار على يحيى فاصابوه في قدميه بعدة رصاصات ، اخذ الجنود يحيى بدوريتهم ورحلوا ..... رحلوا..... ومن يعرف الى اين؟ بكت حنان وبكت وبكت.......... وهل هناك من يسمع بكائها، لعل هناك من يسمع بكائها وانين قلبها !!!!! ...............
بمرور الوقت من البحث على يحيى لدى سجون الاحتلال ، تبين انه في سجن الظلام في مدينة يافا، وبعد عدة محاولات سمح لعائلة ابي محمود بزيارة يحيى بعد عامين من اسره، حينها رأى يحيى عمه وزوجته وابنتهم حنان لنصف ساعة ومن وراء القضبان، طلب من حبيبته حنان ان تحضر له دفتره الحبيب الذي يحمل كل ذكرياته وكل حياته ، خرجت حنان وهي تبكي وتأن وكأنها تضع كل اللوم على نفسها، وكأنها هي من تسبب في اسر من تحب ، تحبه ولكن في قلبها ومن يمكنه ان يعرف مافي قلبها من اسرار واحلام وقصص رومنسيه ، احضرت له دفتره وبعد عناد طويل وتعب حتى تمكنت من زيارته بعد اشهر ، حتى سمح لها من اليهود، نظر يحيى الى ابنة عمه ولم يحرك عينيه اللتين يركزهما الى عيني من يحب فرأى في عينيها دموع غزيرة ولكنها تحبسهما ورجفة في يديها وكأنها تريد ان تحطم القضبان بيديها وتخرجه ، وحنان تنظر الى عينيه فترى فيهما العجب، الحزن والفرح والحيرة، ولكن الاهم رأت في عينيه الحب وكأنهما تريدان ان تصرخان بحبها وشوقهما لها، وتريدان ان ترويان لها قصص وروايات بالعشق ولا تتوقفا ، اخذ يحيى دفتره الذي سيكمل فيه كتاباته ، ضمه الى صدره لقد فرح بدفتره العزيز، دفتره الذي كان والده يريد ان يهديه اياه، ولكن هناك من حال بين حصول ذلك، بل هناك من اراد ان ياخذ يحيى دفتره على حساب ارواح وياله من حساب باهظ الثمن . منظر جميل لشاب
__________________
إذا ضاقت الدنيا وأصبح لك هم كبير لا تقل ياربي لي هم كبير بل قل ياهم لي رب كبير

قمة التحدي أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة
قديم 28-01-2008, 06:37 PM
  #5
alseem
قلم مبدع
 الصورة الرمزية alseem
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 653
alseem غير متصل  
جميل من داخل القضبان وفتاة حنونة من خارج القضبان لا يبديان اية حركة وكأنهما قد تجمدا ، وفجأة فصل هذا الاتصال الروحي والمنظر الجميل الجنود اليهود بصراخهم لاعلان انتهاء الزيارة , ولكنهما لم يعيران اي انتباه لصراخهم ، تقدم الجنود واخذوا حنان ، صرخ يحيى احبك ..احبك ..سوف اتزوجك حين خروجي .... ابعدت عنه بالقوة، صرخ قولي احبك، اريد ان اسمعها منك، ولكنها خجلت من قولها وحين اخرجت ، قالت بصوت منخفض : احبك ..احبك .. ولكنه لم يسمعها ..... وليتها اسمعته تلك الكلمة التي حرم منها منذ زمن طويل ، وليتها شعرت بحاجته الشديدة لتلك الكلمة،حتي ربما لم ولن يحلم بها من جديد، وطيلة طريق عودتها وهي تؤمل انه قد سمعها، وتقنع نفسها انه قد سمعها .... وكانت تلك اخر مرة رأى يحيى فيها حبيبته .
مرت الايام ، وبدأ عد الزمن التنازلي ، لينذر بقرب خروج يحيى من الاسر بعد مرور ثمان سنوات من اسره ، خلالها لم يميز يحيى الليل من النهار، ولم يعد يميز الراحة من التعب او الحب من الكره او الاحساس من اللاشعور او الانسانية من اللانسانية حتى لم يعد يفرق الموت من الحياة .
خرج يحيى من السجن، واوصافه كما هي طويل القامة، نحيف الجسد، ابيض البشرة، بعينين خضراويين، وشعر اسود، ويوجد على كتفيه اللفحة القديمة التي لم يزلها منذ صغره، ولكن صفته الجديدة ان قلبه اصبح كالمجرة يحوي الاف الكواكب واعماق بعيدة لا نهائية. توجه بالسرعة القصوى الى بيت عمه ولكنه لم يجده، وكأن القرية قد تغيرت سأل وسأل وتبين انهم قد رحلوا من قريتهم او بالاصح قد هربوا مع اهل القرية، بسبب اليهود، للوهلة الاولى وقف يحيى وعادت به ذاكرته الى الماضي وتذكر الموقف ذاته حين عاد من مدرسته ولم يجد اهله، بل وجدهم ولكنهم كانو قد تركو هذا العالم وتوجهو الى عالم اخر، عالم مجهول لا يمكنه ادراكه.
لم يبكي يحيى هذه المرة مع ان حبيبته واهلها المتبقين له قد رحلوا واصبحو لاجئين في بقعة ما من الارض، نظر الى الاعلى وتذكر بعض الشباب المقاومين الذين تعرف عليهم داخل السجن وقد خرجوا، توجه لهم ، من بينهم شاب يدعى فدائي ، انضم يحيى لهم وبدأ يتدرب ويتدرب في صفوف المقاومة...........
بمرور الوقت احس يحيى انه حان وقت الوفاء بالوعود ، اتفق مع رجال المقاومة على ان يجعل من جسده قنبلة موقوتة يفجرها في الاعداء وينتقم ولو بشكل بسيط كما هي حياته ، ينتقم لامه ولوالده،لاخوته، لحبيبته وعائلتها، لقريته، لاهله في فلسطين كلها، جهز يحيى حزاما ناسفا ليكون الغد هو يوم الرحيل، راقب وراقب ، وجد مكان دخيل الغريب المسؤول عن قتل عائلته وعن المجزرة في قريته، واذا به في يافا في مركز امني يقال له الهوموسايد ، فرح يحيى بعد عثوره على دخيل الغريب.
رن منبه الساعة ليعلن بداية يوم جديد، ولا يزال يحيى لا يميز بين بداية يوم او نهايته، ولا تزال عيناه متيقظتان ولا يعرف السبب، ولا يزال قلبه ينبض، لا يعرف كم يبلغ من العمر، او كم تبقى لهذه النبضات، الان هو جالس وحده لا يبدي اية حركة ينتظر الموعد.................هذا كل ما يعرفه.
حانت لحظة الوداع، كل الايام التي عاشها مرت، كل يوم فيها كل ما يفعله هو تناول الطعام بما يكفي لبقاءه على قيد الحياة، او ربما لم يكن يعرف موعد الطعام لولا ابنة عمه وحبيبته، لم يكن يفكر الا في مواعيد واحلام.
مع انه حاول ان يبدأ حياته من جديد، ولكنه كان يكتشف انه منهك القوى، استنفذ كل ما يملك من تفكير او من ذاكرة، وحتى استنفذ كل الاحاسيس والمشاعر.، لا يملك اي شيء الان لاي انسان، حتى لو اراد النسيان او اراد ان يدخل في غريزة الحب، سرعان ما يفشل مكره، لانه لا يملك اية مؤثرات حقيقية، هو فقط ينتظر ذلك الشخص الذي اخذ منه كل ما هو ملكه، اخذ كل مشاعر او حنان او انسانية، بل اخذ منه كل مجرات واساطير وروايات الحب وانتزعها من قلبه ، يريد ان يعرف السبب، كان ينتظر فقط ساعة من العمر ، ان يدخل حفنة من الرحمة بل ذرات الى قلب ذلك الشخص، وتشعره انه اخطأ اذا سلب ما هو ليس ملكه، وان ياتي بكل قوة ويعيد كل ما اخذه ، بل يكفيه ان يعيد له فتات قليل من ما اخذه، فقط ليكمل ما تبقى من لحظات عمره........ ولكن هيهات، وان يعيد صيانة عقله وقلبه، وان يجمع اشلاء الفرحة والحب والحنان ويلصقها ويحبسها داخل قلبه، وان يتمكن من فتح صمامات قلبه التي اغلقت من زمن بعيد وحبست كل ما تملكه من نبضات حقيقية وحب واحاسيس وحبست نهرها الذي اروى الكثير من العطشى في زمن كانت تغذيته وفيرة ومستمرة دون انقطاع، ولكنها لم تحبس الان نهرها بخلا او انانية ، انما حبسته لتبقي فقط ما يكفي لاكمال نبضات حية، لم يعد يملك مصدر للتروية، لم يعد هناك امطار تغذي قلبه، لذا هو يعيش عصر من الجفاف، .......ولكنه يتسائل , لعصور الجفاف نهايتان..... فاي منهما سيلاقيه....... هو في حيرة، ولا يملك زمام الامور.......ولكنه ينتظر الاجابة..... وينتظر المصير .
وقف يحيى بسرعة وبقوة ، ولف الحزام الناسف ، وكل المتفجرات تحيط بجسده ، اكمل اخر ملاحظته في دفتره الحبيب وكانت اخر عباراته: "حبيبتي سامحيني لاني لم اودعك، فانا احبك، مع اني لا اعرف ماهو الحب ، ولكن كل ما اعرف اني احبك، كثيرا ، اكبر من حجم الاحزان والجروح في قلبي ، اعمق من ان اتمكن من الوصول الى نهايته في قلبي، اجمل من الحياة،ارق من العشق ، اجن من اعلى مراتب الجنون، اعذب من نهر عيوني، اطول من اللانهاية ، ابعد حدودا من اللاوعي ،اكثر بقاءا من الخلد، وكنت لا اريد الا ان نعيش معا، ولكن لم تعيشي الا في قلبي فقط،لان هناك من حال بيني وبينك، بل هناك من حال بيني وبين الحياة ...... حبيبتي سامحيني، فلم احظى بكلمة وداعا طيلة الحياة......سامحيني"......... وتوجه الى قبور عائلته ليودعهم، وقف امام القبو روصرخ : اني قادم امي حبيبتي ابي الحنون اخوتي ، اني قادم لكم ، ابي سانفذ وصيتك الان ، توجه يحيى الى يافا والى مركز الهموسايد الامني اليهودي ، انتظر من بعيد الى ان خرج دخيل الغريب ، تقدم يحيى ولا تزال لفحة امه الحبيبة على رقبته مطرز عليها " وتحيا فلسطين الى الابد" تقدم يحيى، وللمرة الاولى بعد تلك الحادثة ظهرت البسمة على وجهه التي فقدت منذ زمن طويل طويل جدا ، تقدم وتقدم انتبه الجنود اليهود ، صرخو توقف، لم يسمع يحيى بل كان يتقدم وشريط ذكريات الماضي امامه، امه وقبلتها، خبز امه ، حضنها ، بسمتها، صرخ جندي والسلاح بيده توقف ، ويحيى يبتسم ويتذكر حنان والده وقسوة الحياة الجميلة ووصية والده يوم الوداع : اعتني بنفسك ودراستك بحيث تقدم شيئا لاهلك و لقريتك ووطنك ، ويردد عبارات ، اخوه فرج ونظرة الانتقام التي رأها على وجهه بعد موته، اخته الصغيرة ودميتها، اطلق النار على يحيى لم يعير اي انتباه او خوف والضحكة تتعاظم وتكبر على وجهه، اصابت رصاصات جسده ولم يشعر بها ، اطلق المزيد الى قلبه ، ولكن هيهات ان يتوقف الان قلبه ، قلبه الذي تحمل كل هذه السنين وكل الاحزان والمواجع ، وما هي تلك الرصاصات ، واخذ قلب يحيى يضحك معه ويردد المزيد من الرصاصات انكم اغبياء بعد كل ما تحملت لن اتوقف الان، الدماء تسيل ويحيى يتقدم ببطىء اقترب من دخيل ، صرخ بفرح امي ابي اخوتي اني قادم الوصية الان انفذها لم اجد شيئا لاهلي ولقريتي ولوطني سوى روحي وجسدي فهل يكفي ، هما كل ما املك ولا املك اغلى منهما، وقال يحيى : اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله ، وصرخ : وتحيا فلسطين الى الابد وضغط الزناد ............. لم يسمع سوى انفجار عظيم دوى في كل فلسطين ، وشوهد اشلاء تطايرت وتناثرت دماء في كل مكان ، وتهدم في المركز اليهودي، قتل الكثير الكثير من اليهود الجبناء ومن بينهم الاهم القاتل المجرم اليهودي دخيل الغريب الذي لم يعثر الا على اشلاء جسده المتعفن.
شوهد ايضا قطع من جسد الشهيد يحيى ، وشوهد جزء من وجهه مرسوم عليه ضحكة كبيرة لم يتم حصرها، لقد اكمل الان الالوان جميعها ، عينيه الخضراوين، وجسده الابيض، وشعره الاسود ، والدماء الحمراء الطاهرة المعطرة، لقد اكمل الالوان الان يحيى ، لم يبقى يحيى، بل عفوا بقي ، بقي في فلسطين ، ولم يدفن في مكان معين، بل ما اجمل ان تحوي الارض كلها جسده وروحه لتصبح فلسطين كلها حاضنة جسده الطاهر، جسده تناثر في كل شبر من فلسطين ، والى الان لا يوجد له قبر معين، ومن يشتاق له يأخذ حفنة تراب من اي بقعة من فلسطين ويقبلها فيشم رائحته الزكية ويسمع صوت ضحكته الطفولية يا الهي كم هي جميلة،نعم لم يتبقى من يحيى ذكرى محسوسة سوى دفتر مذكراته و اللفحة القديمة ذكرى من امه والتي لم يزلها عن عنقه الا بموته و التي شوهدت معلقة بقرب موقع الانفجار وفي مكان مرتفع جدا، وترف والهواء يحركها،وهي مشبعة بدماء قديمة واخرى جديدة مكتوب عليها : " وتحيا فلسطين الى الابد"................ ............ .................. .. ... .... .... وتحيا فلسطين الى الابد.



اخوكم السيم
__________________
إذا ضاقت الدنيا وأصبح لك هم كبير لا تقل ياربي لي هم كبير بل قل ياهم لي رب كبير

قمة التحدي أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة
قديم 28-01-2008, 06:40 PM
  #6
fleur
عضو مميز ومثالي
 الصورة الرمزية fleur
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 2,317
fleur غير متصل  
اللهم انصر اخواننا في فلسطين والعراق وكل بلاد المسلمين على كفرة الصهاينة

القصة المؤثرة فلتحي فلسطين

جزاك الله خيرا على المجهود الكبير
__________________
ربي لا تدرني فردا وانت خير الوارتيين

التعديل الأخير تم بواسطة fleur ; 28-01-2008 الساعة 07:02 PM
قديم 29-01-2008, 09:21 PM
  #7
alseem
قلم مبدع
 الصورة الرمزية alseem
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 653
alseem غير متصل  
مشكورة اختي fleur عالمشاركة
__________________
إذا ضاقت الدنيا وأصبح لك هم كبير لا تقل ياربي لي هم كبير بل قل ياهم لي رب كبير

قمة التحدي أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة
قديم 29-01-2008, 10:54 PM
  #8
(العربي)
قلب المنتدى النابض
 الصورة الرمزية (العربي)
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 2,748
(العربي) غير متصل  
قصه من فلسطين

وهناك من كل قريه في فلسطين قصه

ومن كل بلده فيها بطوله...ومن كل زاويه فيها فداء

اللهم وحد صف اخواننا في فلسطين ...وارفع الظلم عن اهلها

وارحم اهل غزة هاشم(قاهرة الغزاه)

اللهم عليك باليهود.....اللهم امين

مجهود رائع اخي الكريم ...بارك الله فيك
__________________
العربي ابو محمد
قديم 31-01-2008, 04:24 PM
  #9
alseem
قلم مبدع
 الصورة الرمزية alseem
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 653
alseem غير متصل  
مشكور اخي العزيز العربي عالمشاركة والدعاء جزاك الله كل الخير
__________________
إذا ضاقت الدنيا وأصبح لك هم كبير لا تقل ياربي لي هم كبير بل قل ياهم لي رب كبير

قمة التحدي أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة
موضوع مغلق

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:29 AM.


images