على الآباء أن يراعوا حق الله في أبنائهم فهم سيسألون أمام الله عنهم وأدعوهم إلى أن يقرءوا كلام ابن القيم الذي اقتبسته خصيصاً من كتابه " تحفة المودود بأحكام المولود " والذي أدعو الجميع إلى قراءته لما فيه من نفع كبير، يقول ابن القيم : " ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوماً ما ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً . وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد الولي أن يعطي شيئاً أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم . ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز فمستقل ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام فإن الخسارة في هذه الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فساداً يعز عليه بعده صلاحه وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره أو عشرة من يخشى فساده أو كلامه له أو الأخذ في يده فإن ذلك الهلاك كله ومتى سهل عليه ذلك فقد استسهل الدياثة ولا يدخل الجنة ديوث فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء ويجنبه لبس الحرير فإنه مفسد له ومخنث لطبيعته كما يخنثه اللواط وشرب الخمر والسرقة والكذب وقد قال النبي يحرم الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم والصبي وإن لم يكن مكلفاً فوليه مكلف لا يحل له تمكينه من المحرم فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه وهذا أصح قولي العلماء واحتج من لم يره حراماً عليه بأنه غير مكلف فلم يحرم لبسه للحرير كالدابة وهذا من أفسد القياس فإن الصبي وإن لم يكن مكلفاً فإنه مستعد للتكليف ولهذا لا يمكن من الصلاة بغير وضوء ولا من الصلاة عرياناً ونجساً ولا من شرب الخمر والقمار واللواط ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذوناً فيه شرعاً فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ له فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعياً فهذه من علامات قبوله وتهيئه للعلم لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعداً لها قابلاً لها وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه فإن ذلك ميسر على كل أحد لتقوم حجة الله على العبد فإن له على عباد الحجة البالغة كما له عليهم النعمة السابغة والله أعلم وأضيف هنا بعض الأمور الأخرى التي أود التنبيه إليها : - 1) يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تكون على أساس الخشية من الله وليس من الأباء فقط فالابن الذي تدرب وتعلم وتربى على الخوف من الله لن يرتكب ذنبا أو معصية سواء كان ذلك في حضور الأب أم في غيابه . 2) يقرر الإسلام بأن يكون هناك حوار دائم بين الأباء وأبناءهم في كافة الأمور وأن يكون الإقناع هو السبيل الوحيد للحوار والنقاش لا الإلزام مع ضرورة أن لا توضع الحواجز بين الأباء وأبناءهم والتي من شأنها لجوء الأبناء إلى غير آباءهم للسؤال عن أمور يتعرضون إليها ويكون من نتيجة ذلك الضلال خاصة عندما يكون السؤال موجها إلى جماعة من الفسقه وما أكثرهم في هذا الزمان . 3) يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تأخذ منحنى في التدرج وأن تتناسب التربية المرحلة التي يمر بها الأبناء فتربية ذوي السبع سنيين ليست كتربية ذوي العشر سنين ولعل ذلك ملاحظ في قوله صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " فلعلنا نلاحظ تغير أسلوب التربية حيث كان الأمر بالصلاة على سبع سنين ثم إن لم يطبق وينفذ الأمر يكون الضرب غير المبرح ولكن لعشر سنين فتغيرت التربية بتغير المرحلة التي يمر بها الابن كما أن تربية الابن ليست كتربية البنت نظرا لما بينهما من اختلاف وهذا من جميل وعظيم أمر الإسلام . ثالثاً : إلى المجتمع برمته أدعوهم فيها إلى أن يصلحوا ولا يفسدوا ، ويبنوا ولا يهدموا ، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، وأن يرفعوا من شأن الطائعين بينهم ويسقطوا من شأن العصاة بينهم ، وأن يكثروا من ذكر الخير حتى ينتشر ويكفوا عن ذكر الباطل حتى يندثر، وأدعوهم إلى أن يحفظوا أبناء غيرهم حتى يحفظهم الله في أبنائهم ، وأن يصون أعراض غيرهم حتى يصون الله أعراضهم ، وليعلم الجميع أن الفتنة إذا انتشرت لا تصيب من عنده الفتنة فقط بل تكون كالنار المشتعلة التي إذا لم يسعى الناس إلى إطفاءها فإنها ستصيبهم جميعاً ، فعلى الجميع أن يتحركوا لنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته خفاقة وهذا لن يتأتى إلا بالعودة الصادقة إلى تحكيم شرع الله بيننا والإقتداء بحبيبنا قولاً وعملاً وفهم الدين بفهم سلفنا رضوان عليهم ، فتلك هي غايتنا وهذا هو مقصودنا وبالله التوفيق . |
مواقع النشر |
![]() |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|