![]() |
![]() |
|
بسم الله الرحمن الرحيم شبح الطلاق .. !! لبنى شرف / الأردن أستغرب من المفهوم السائد عند بعض المسلمين عن الطلاق و كأنه شبح مخيف ينبغي عدم الاقتراب منه أو إيقاعه ، مع أن من المفروض أن يكون الطلاق وسيلة علاج و حلاً لمشكلة ، لا أن يكون هو مشكلة في حد ذاته !! ، فالإسلام ابتداءً ينظر للبيت المسلم على أنه (( مثابة و سكن ، في ظله تلتقي النفوس على المودة و الرحمة و التعاطف و الستر و التجمل و الحصانة و الطهر ، و في كنفه تنبت الطفولة ، و تدرج الحداثة ، و منه تمتد وشائج الرحمة و أواصر التكافل )) . و الأصل في الرابطة الزوجية الاستقرار و الاستمرار ، و الإسلام يحيط هذه الرابطة بكل الضمانات التي تكفل استقرارها و استمرارها ، و لا يسرع إلى فصم هذه الرابطة لأول وهلة ، و لا لأول بادرة خلاف ، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام ، بل إنه يشد عليها بقوة ، و لا يدعها تفلت إلا بعد المحاولة و اليأس ، فإذا تبين بعد الصبر و التجمل و المحاولة و الرجاء أن الحياة غير مستطاعة ، و أنه لا بد من الانفصال ، فعندئذ يحسن أن ينصرف كل من الزوجين إلى التماس شريك جديد ، لوجود فساد أصيل في حياتهما الزوجية . و الحياة الواقعية للبشر تثبت أن هناك حالات تتعذر معها الحياة الزوجية على الرغم من جميع الضمانات و التوجيهات ، و تعصف بالبيت المسلم رياح لا يستقر معها سكن و لا طمأنينة ، و لا تصلح معها تربية و لا إعداد للناشئين في المحضن الأسري ، فإمساك الزوجية على هذا الوضع إنما هو محاولة فاشلة ، يزيدها الضغط فشلاً ، و عبث لا يقوم على أساس ، و من الحكمة إنهاء هذه الحياة ، لأنها لو استمرت فإما أن تكون حياة بليدة و جافة ، و إما أن يصاب الزوجان و الأولاد بالعقد و الأمراض النفسية و العصبية ، و إما أن ينتحر أحد الزوجين أو كلاهما !! ، إذن فمن الأفضل أن تُفك عقدة النكاح ، و أن يحاول كل من الزوجين أن يبدأ حياة زوجية جديدة مع شخص جديد ، فذلك أكرم لهما و أعف و أصون ، و أروح و أجدى ، و أقرب إلى العدل و الجد في هذه العلاقة التي أراد الله بها امتداد الحياة لا تجميدها . و من المهم كذلك أن ننظر في قضية الطلاق إلى واقع النفس البشرية ، و واقع الحياة العملية ، لا أن نهوم في رؤى ليست لها أقدام تثبت بها على الأرض في عالم الحياة !! . يقول الأستاذ سيد قطب – يرحمه الله - : (( إن الإسلام يشرع لناس من البشر ، لا لجماعة من الملائكة ، و لا لأطياف مهومة في الرؤى المجنحة ! و من ثم لا ينسى – و هو يرفعهم إلى جو العبادة بتشريعاته و توجيهاته – أنهم بشر ، و أنها عبادة من بشر .. بشر فيهم ميول و نزعات ، و فيهم نقص و ضعف ، و فيهم ضرورات و انفعالات ، و لهم عواطف و مشاعر ، و إشراقات و كثافات .. و الإسلام يلاحظها كلها ، و يقودها جملة في طريق العبادة النظيف ، إلى مشرق النور الوضيء ، في غير ما تعسف و لا اصطناع ، و يقيم نظامه كله على أساس أن هذا الإنسان إنسان ! و من ثم يقرر الإسلام الطلاق و يشرّع له ، و ينظم أحكامه و مخلفاته ، في الوقت الذي يبذل كل ذلك الجهد لتوطيد كل أركان البيت ، و توثيق أواصر الأسرة ، و رفع هذه الرابطة إلى مستوى العبادة .. إنه التوازن الذي يجعل مثاليات هذا النظام كلها مثاليات واقعية رفيعة ، في طاقة الإنسان ، و مقصود بها هذا الإنسان . إنه التيسير على الفطرة ، التيسير الحكيم على الرجل و المرأة على السواء ، إذا لم يقدر لتلك المنشأة العظيمة النجاح ، و إذا لم تستمتع تلك الخلية الأولى بالاستقرار ، فالله الخبير البصير ، الذي يعلم من أمر الناس ما لا يعلمون ، لم يرد أن يجعل هذه الرابطة بين الجنسين قيداً و سجناً لا سبيل إلى الفكاك منه ، مهما اختنقت فيه الأنفاس ، و نبت فيه الشوك ، و غشاه الظلام ، لقد أرادها مثابة و سكناً ، فإذا لم تتحقق هذه الغاية – بسبب ما هو واقع من أمر الفطر و الطبائع – فأولى بهما أن يتفرقا ، و أن يحاولا هذه المحاولة مرة أخرى ، و ذلك بعد استنفاد جميع الوسائل لإنقاذ هذه المؤسسة الكريمة ، و مع إيجاد الضمانات التشريعية و الشعورية كي لا يضار زوج و لا زوجة ، و لا رضيع و لا جنين .. و هذا من النظام الرباني الذي يشرعه الله للإنسان )) . إن الإسلام يراعي جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس ، و يراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها ، و لا يقسر الزوج و لا الزوجة على حياة ينفران منها ، و مما يدل على هذا أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! ثابت بن قيس ، أما إني ما أعيب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم ، قال رسول الله : " اقبل الحديقة و طلقها تطليقة " [ صحيح ، الألباني – صحيح النسائي : 3463 ] . هذه حالة قبلها رسول الله – صلى الله عليه و آله و سلم - ، (( و واجهها مواجهة من يدرك أنها حالة قاهرة لا جدوى من استنكارها و قسر المرأة على العشرة ، و أن لا خير في عشرة هذه المشاعر تسودها ، فاختار لها الحل من المنهج الرباني الذي يواجه الفطرة البشرية مواجهة صريحة عملية واقعية ، و يعامل النفس الإنسانية معاملة المدرك لما يعتمل فيها من مشاعر حقيقية )) . و أما حديث " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " الشائع بين المسلمين ، فقد ضعفه جمع من العلماء الأثبات ، و النقاد الحفاظ ، و لكن هذا لا يعني التساهل و العبثية في إيقاع الطلاق . و العقيدة الإيمانية هي وحدها التي ترتقي بالنفوس و بالاهتمامات و بالحياة الإنسانية ، و تقوى الله هي الضمان و الضابط في حالات الطلاق و التفريق بين الزوجين ، فمجال الاحتيال و التلاعب و المضارّة واسع فيها ، و ألوان العنت التي يمكن أن يسببها كل من الزوجين للآخر لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع ، فبوجود التقوى في النفوس يسود المعروف و الجميل و الحسنى جو الحياة الزوجية ، سواء اتصلت حبالها أو انفصمت عراها ، و لا يمكن أن تكون نية الإيذاء و الإعنات عنصراً من عناصرها .. (( و لا يحقق هذا المستوى الرفيع من السماحة في حالة الانفصال و الطلاق التي تتأزم فيها النفوس ، إلا عنصر أعلى من ملابسات الحياة الأرضية ، عنصر يرفع النفوس عن الإحن و الضغن ، و يوسع من آفاق الحياة و يمدها وراء الحاضر الواقع الصغير .. هو عنصر الإيمان بالله و الإيمان باليوم الآخر .. و استحضار تقوى الله ، و الرجاء في العوض منه عن الزوجية الفاشلة و النفقة الضائعة ..)) . و آيات الله في العشرة و الطلاق واضحة و جادة ، كقوله تعالى : ﴿ .. فأمْسِكوهُنَّ بِمعْروفٍ أو سَرِّحوهنَّ بمعروفٍ و لا تُمْسِكوهنَّ ضِراراً لِّتعْتدوا ..﴾..{ البقرة : 231 } ، و ﴿ .. و لا تُضآرّوهُنَّ لِتُضَيِّقوا عليهِنَّ ..﴾..{ الطلاق : 6 } ، و ﴿ .. و أن تعفوا أقربُ للتقوى و لا تَنْسَوُا الفضلَ بينكمْ ..﴾..{ البقرة : 237 } ، و ﴿ .. لا تُضآرُّ والدةٌ بوَلَدِها و لا موْلودٌ لّه بِوَلَدِهِ ..﴾..{ البقرة : 233 } ، و غيرها من الآيات الكريمة ، كلها تستجيش شعور التقوى و مراقبة الله ، و شعور السماحة و التفضل ، ليسود التجمل و التفضل و المعروف جو هذه العلاقة ، ناجحة كانت أم خائبة ، و لتبقى القلوب نقية خالصة صافية ، موصولة بالله في كل حال . و الآيات المذكورة في سورة الطلاق تشير بشكل واضح و جلي إلى علاقة التقوى بحالات الطلاق ، فالله تعالى يقول : ﴿ .. و مَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً ﴾ ، و ﴿ .. و مَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ ، و ﴿ .. و مَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ و يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾.. { الطلاق : 2،4،5 } ، فمجال الكيد و التلاعب في قضايا الطلاق واسع ، و لا يقف دونه إلا تقوى الله . إن المتتبع لأحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية يجد بأنها لا تدع من البيت المتهدم لا أنقاضاً و لا غباراً يملأ النفوس و يغشى القلوب ، و لا تترك عقابيل غير مستريحة بعلاج ، و لا قلاقل تثير الاضطراب ، و لا وساوس أو هواجس تمنع القلوب من السماحة و التيسير و التفضل . و حتى المطلقة قد أُشير إليها في قوله تعالى : ﴿ و المُطَلَّقـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلـٰثَةَ قُروءٍ ..﴾..{ البقرة : 228 } ، و التعبير القرآني في كلمة " يتربصن " تعبير لطيف و دقيق ، يصف حالة نفسية عند المطلقة ، فهي تنتظر انقضاء عدتها ، و لكن مع تحفز و توفز لاستئناف حياة زوجية جديدة ناجحة ، تعوضها عن إخفاقها في حياتها الزوجية الأولى ، و هذه حالة طبيعية ، فليس بالضرورة أن يعني إخفاقها في حياة زوجية عجزها عن أن تنشئ حياة زوجية أخرى ناجحة ، و لا ينبغي أن ينظر لها المجتمع المسلم هذه النظرة السوداوية القاتمة و الجائرة ، و كأنها كائن شرير ينبغي الاحتراز منه ، كما هي النظرة اليوم عند بعض المسلمين و للأسف ! . هذه قضية الطلاق كما أراها في ضوء شرعنا الحكيم بكل يسر و واقعية ، و بلا تعقيد أو مثاليات مستحيلة ، و لقد طبق الصحابة – رضي الله عنهم - هذه الأحكام الواردة في الطلاق عندما عمرت التقوى قلوبهم ، و كانت الآخرة همهم ، و لم يتعلقوا بمتعلقات أرضية فانية ، و لم تتلوث عقولهم بمفاهيم غربية دخيلة ، فعاشوا في مجتمع مسلم في أرقى و أصفى صوره . و لكن المتأمل اليوم في واقع المسلمين ، يجد أن معيار التقوى قد نقص عند البعض ، و غاب عند آخرين ! فضاعت الحقوق ، و أصبحت لذلك قضية الطلاق تعني مأساة و طامة تقع على الزوج و الزوجة و الأولاد ، و من أراد أن يعرف حجم المأساة فليذهب إلى المحاكم لينظر كم هي كثيرة قضايا الطلاق و طلب التفريق ، و ليرى كيف أن كلا الزوجين يكايد صاحبه حتى تنفقئ مرارته .. و لا حول و لا قوة إلا بالله !!! . اللهم يسر لنا ما نخاف عسره ، و سهل لنا ما نخاف حزونته ، و فرج عنا ما نخاف ضيقه ، و نفس عنا ما نخاف غمه ، و فرج عنا ما نخاف كربه ، يا أرحم الراحمين ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين . المصدر : صيد الفوائد . / منقول للفائدة / |
||
![]() |
![]() |
الطلاق بداية انطلاق للحياة قادمة مليئة بالتفاؤل
وجزاك الله الف خير وربي يسعدك وصدقواالطلاق موشبح ربماانة في بعض الاحيان صدمة بس الحمدلله على كل حاال والمؤمن مبتلى والف الحمدلله بعدكل انطلاق اتقرب من ربي اكثر والحمدلله تحققت امنياتي وان شاءالله ربي يعوضني باللي يستاهلنا وجميع المنطلقات |
مواقع النشر |
![]() |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|