مع انتصاف الليل اتصلت بي قناة الجزيرة من الدوحة وطلبوا مني توجيه مناشدتي, كان إبراهيم يتنفس في هذه الأثناء, وعندما انهيت مناشدتي لم أعد أسمع صوت تنفسه, ظننت انه قد غفى أو نام, وناديت عليه اسأله كالعادة إن كان يشعر بالبرد!!ولم يجب..وضعت يدي على جبهته وكانت دافئة,,ومن ثم وضعت كفي بمواجهة فمه ولم أشعر بنفسه , وكانت منطقة,,,,, باردة, أيقنت أنه قضى..ذهب إبراهيم..ذهب عباس يا ولداه ...ذهب الاثنان ..الأول ملقي في الطريق والثاني على مقعد السيارة الأمامي ,
اتصل بي كثير من الأفراد والإذاعات والمؤسسات , فقلت لهم جميعا " أنا وما أنا بخير من أبناء, إن حقوقنا للانسان هنا غير موجودة, البرد سوف أموت من البرد وما عاد يهمني الموت في حد ذاته لأنني لست أفضل من أبنائي الذين ماتوا أمامي , إن الألم الذي أعانيه أقسى من الموت بحد ذاته..أموت وأستريح"
صرخت في الجنود, وكانوا قد نزلوا من المنزل الذي يحتلونه , كانوا قرابة الثلاثين جندي بكامل عتادهم, غابوا حوالي الساعة وعادوا , ومن ثم صرخت
" لماذا تبقون عليً؟؟أجهزوا علي, أريحوني هيا, مجرد طلقة لن تكلفكم سوى ضغطة واحدة على الزناد..إفعلها يا جبان " لم يعرني أحدهم اهتماما, ولم يعد يعنيهم ما أقول وقد فعلوا ما فعلوا وعلى مرأى منهم جثث أبنائي, فأيقنوا أنهم قد حققوا الهدف..قتلوا أبنائي!!قتلوا الشباب..قتلوا الوطن..
أعود للمشهد .. في تلك الساعات ربما الأولى من صباح السبت 17/1/ 2009م لم أعد أطلب المسعفين ولم أعد أتعجل( 101 ) أو غيره.
بل كنت أتعجل اللحاق بأولادي سواء بسبب النزف أو بسبب أو من البرد، لست أكرم ولا أخير من أولادي وما عدت أتصل بأحد ولكني كنت فقط مستقبل وأجيب على الذين يتصلون بي لا أريد إسعاف كنت أنادي لا أريد إسعافات أريد فقط نقل جثث الموتى أريد فقط القصاص من الذين قتلوا أبنائي.
ظلام كبير كنت أقول حقا وأعرف أنه لا مقدم ولا مؤخر إنما لأنني ربما كنت أهذي ، فلا عتب على من فقد ولديه بين يديه، جلست مع نفسي أسند رأسي على ظهر المقعد الذي أجلست عليه ولدي إبراهيم أنادي على إبراهيم وإبراهيم لا يجيب أعلم انه لن يجيب أعلم أن إبراهيم ذهب ولن يعود، إذن وحيث ما زلت لم أغِب عن الوعي رأيت أن الأفضل أن أرتب الخطوات وكيف حصل ما حصل قلت:
1-خرجت في وقت أعلن فيه أن هدنة ووقف لإطلاق النار .
2-كنت في سيارة مدنية ركابها من المدنيين .
3-كنت أقود بسرعة لا تتعدى 30 كلم/ساعة .
4-مررت عن موقع ترقد فيه دبابة ولم يطلب مني العودة أو تعترضني .
5-على مبعدة بسيطة من موقع الدبابة أطلقت نحوي في ضرب مركز ومباشر بداية نحو السائق ولم أفطن إلى أن ما يطلق عليَّ هو الرصاص إلا بعد أن اخترقت رصاصات الزجاج .
6-طلبت من أبنائي الانحناء للأسف واستمر الضرب من أعلى من على سقف السيارة وباتجاه الركاب الغرض هو القتل وإذن .
7-طلبت الجنود الذين كانوا يضربون النار من أكثر من موقع من على الأرض ومن شبابيك الطابق فوق الأرضي ومن على السطح ومن أكثر من اتجاه طلب الجنود منا وبلغة عربية مكسرة أن ننزل من السيارة مع السباب الفاحش .
8-استمر الضرب على من نزل من السيارة وضرب مباشرة من الصدر ولدي كساب طالما نزل .
9-الأهم أننا لم نُنذَر ولم نُحذّر أعني" أن يقول لنا أحدهم ممنوع ".. أو يطلق على العجلات بعض الطلقات لإيقاف السيارة أو في الهواء لنعرف أن هناك منع للمرور في شارع عمومي مسفلت ونعبر من الشوارع الرئيسية الموجودة في المنطقة .
10-كان الضرب الناري بقصد القتل والدليل أن عدد الطلقات التي وجهت إلى السائق عبر الزجاج الأمامي عددها يزيد على العشرين رصاصة والتي أطلقت من مستوى أعلى من مكان الضرب إلى سقف السيارة .
11-السائق وهو أبو الشباب أصيب إصابة سطحية والأبناء قتلوا , ولم يتوقف الضرب إلا بعد أن أيقنوا أنهم قتلوا واحداً على الفور وأصابوا الآخر والسائق معاً .
12-وَرَدني من خلال أحد الشهود الذين كانوا محتجَزين في البيت الذي كان الجيش الإسرائيلي ينصب فيه كميناً أنه فهم لغة الضابط "العبرية " أثناء حديثه مع الجنود أنهم يعرفون أنها سيارة مدنية ومع ذلك صدر الأمر من الضابط إلى الجنود بتصفية ركاب السيارة .
13-كان بالوحدة المتخفية داخل البيت طبيبان طلبا من الضابط أن يسعفا المصابين إلا أن الضابط رفض بدعوى أنهم لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية حين يُكتشف أن الأمر لا يتعلق بمحاربين إنما قتل للمدنيين و ذلك يسبب حرجاً لمؤسستهم الحضارية.
- الضابط قال للطبيب: دعهم ما داموا غير مسلحين وسوف نبرر ما فعلنا بأننا نجهل الأمر.
... من أين لي هذه المعلومات الأخيرة
- ليقرأ كل من يعنيه الأمر.
كان العامل الذي يعمل عندي أحد المحتجزين تحفظيا كرهائن في المنزل الذي يحتمي به الجنود ضمن حوالي 40 شخص من رجل وامرأة محصورون في غرفة واحدة وكان من بين المحجوزين شخص (أعرف اسمه) ويفهم العبرية و هو الشاهد الذي سبق الحديث عنه و هو نفسه الذي أخبر العامل بما جرى من حديث ، ثم نقل لي العامل مجريات الحوار بين الأطباء والضابط لاحقا عندما أُخلي سبيله.
لقد نُقل إليّ أن الضابط رفض القيام بأية عملية إسعاف، لعدم الرغبة في تحمل المسؤولية حالما تُكتشف أن المسألة ليست عملية ضمن عمليات الحروب.
الأهم – القيادة العسكرية في إسرائيل؛ لماذا رفضت التصريح أو عمل تنسيق عبر الصليب الأحمر لأية إسعافات منذ الساعات الأولى بنقل المصابين.
وقد كان الجيش الإسرائيلي من خلال الاتصالات والمناشدات يعلم و يرى ويشاهد كل شيء، ذلك هو السؤال، ذلك هو مفتاح الحل إذا ما رغب أحد في الدنيا كلها بالحل ...
مجريات هذه الأحداث جرت ما بين الساعة الواحدة ظهرا يوم الجمعة 16 يناير 2009 ، حتى وصول سيارة الإسعاف في اليوم التالي السبت الساعة الحادية عشر صباحا.
---------------------
محمد كساب شراب
فجر يوم الاثنين،19يناير2009