وهل كان يمكن أن نعيش طفولتنا دون تلك الأحلام وتلك الخيالات؟
في طفولتي كنت أعيش أكثر من حلم وأنغمس في أكثر من خيال.
فتارةً كنت أجمع إخوتي وأبناء خالاتي الأصغر مني سناً .. وأجلسهم صفاً واحداً لأمارس عليهم دور المعلمة ذات القلم الأحمر.
وتارةً كنت أنفرد بلعبة الأدوات الطبية وأمارس دور الطبيبة التي تفحص وتقيس الحرارة وتستخدم السماعة وتعطي الإبرة.
(ظللت أنتظر حصولي على هذه اللعبة فترة طويلة .. وبسبب تأخر والدتي في شرائها ـ أو ربما عدم حماسها ـ كنت أمارس شقاوتي في أي عيادة أذهب إليها مع أمي .. فكنت آخذ إبرة من هنا وقطعة شاش من هنا ودفتر وصفات طبية من هناك .. وأعود إلى البيت فرحة سعيدة بالغنيمة التي اقتنصتها لأباشر تقمص دور الطبيبة)
أما الحلم الأكبر والخيال الأوسع فكان في عالم القلم .. وأذكر إنني كلما وقعت بيني يدي ورقة بيضاء فإنني أبداً في الشخبطة عليها .. وكانت شخبطتي مرتبة ومنمقة تبدو للبعيد وكأنها كلمات بالفعل.
والمضحك أنني كنت أشخبط من اليسار إلى اليمين وكأنني أكتب باللغة الإنجليزية

.. ولم يحدث أبداً أن شخبطت من اليمين إلى اليسار!
وخلال طفولتي لم أصادف أبداً من استهان بحلم من أحلامي أو حاول وأدها .. بل كنت دائماً أرى ابتسامة تشجيع ورضا من كل من حولي .. وكأن ذاك الحلم الذي تمارسه طفولتي هو بشرى لما سيكون عليه مستقبلي فيما بعد.
والحقيقة أن بعض تلك الأحلام وُلد في طفولتي المبكرة ثم تلاشى بعد ذلك عندما كبرت قليلاً .. إلا حلم القلم الذي لم يفارق سنوات طفولتي ومراهقتي وشبابي .. حيث تحولت الشخبطة المنمقة إلى كلمات حقيقية .. ولكن باللغة العربية وليس الإنجليزية

.. وأزعم أن الحلم أصبح واقعاً إن لم يكن على صعيد التخصص فعلى الأقل على صعيد الهواية.