من البلاغة في قول الله تعالى : (إياك نعبُد) - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

موضوع مغلق
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 06-09-2012, 04:44 AM
  #1
شكوى حبيب
موقوف
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 212
شكوى حبيب غير متصل  
من البلاغة في قول الله تعالى : (إياك نعبُد)

تقديمُ ما حقُّه التأخيرُ يفيدُ الحصرَ و القصْرَ.

في العربية -تحديد- (فنِ البيان) بابٌ بإسم : تقديمُ مَا حَقُّه التأخير.

سأدخل في الغرض من هذه المقالة من غير إسهاب :

الأصل في ترتيب مفردات الجُمَل الكلامية : (الفعل ثم الفاعل ثم المفعول) مثل: شكرَ سعيدٌ محمداَ ، حدَّثْتُكَ (حدَّث : فعل /تُ : ضمير في محل فاعل /الكاف (ــكَ): ضميرٌ يمثِّل المفعولَ به .

و لا تُخِلُّ العربُ بهذا التسلسلِ الكلاميِ إلا عند إرادةِ غرَضٍ بلاغيٍ خاصٍ.

فتًقَدِّم مثلا المفعول به عن موقعه الثالثِ من الجُمْلةِ (لأن : الفعل أولا ، ثم الفاعل ثانياً ، ثم المفعول به ثالثاً) فتقول :

*النَّحوَ ذاكرتُ:

تريدُ أن تقول في هذا المثال : ذاكرتُ ماَّدةَ النحوِ فقط دون ما عداها. فهو حصرٌ لنطاقِ الفعل هنا و هي "المذاكرة" بأنها في "مادة النحو" فقط دون غيرها من المواد ، و قَصْرٌ لنطاقِ الفعل في كتاب النحو فقط ، يعني اقتصر في المذاكرة على مادة النحو دون سواها.

لاحظ أنك : لو أردتَ معنى القصْرِ و الحَصْرِ في هذا المثال بشكل مفصَّل من غير اللجوء إلى الاسلوب البلاغي فإنك ستقول : "ذاكرتُ النحوَ دونَ غيره من المواد " أو "ذاكرتُ النحو فقط".

ستلاحظ أن مفردات الجملة زادت ، مع أن التعبيرين (في المثال البلاغي ، و في المثال الخالي من البلاغة) أدَّيا نفس الغرض تقريباً.

فقط : الفرق في القدرة البلاغية و اختصار الكلام.

بل هو زيادة في معنى الحصر و القصر على ما لو كان الكلام بالتفصيل و اقترن بصيغ الحصر و القصر الطبيعية مثل (دون غيره ، دون ما سواه ، فقط) كما في الشرح أعلاه.

و لما كان القرءان قد نزل بلغة العرب الفصحاء البلغاء ، فإنه قد اشتمل على كل فنون العرب اللسانية ، فأتى بالعجب ، فكان من أفصح الكتب و أبلغها على الإطلاق. فهو نزل (بلسانٍ عربي مبين)

الهدفُ -هنا- من هذا المقال هو : قول المولى تبارك و تعالى في سورة الفاتحة : (إياكَ نعبُدُ ، و إياك نستعينُ).
التسلسل الطبيعي : "نعبُدك دون ما سواك " ، "نستعين بك دون ما سواك".

(إياكَ نعبُدُ ، و إياك نستعينُ) : نعبُدك وحدك دون غيرك ، و نستعين بك وحدك دون غيرك.

فيها حصرٌ و قصرٌ للعبادة و الاستعانة بأنها لله و بالله دون غيره من الخلق.

فلو أنه قال : نعبدك ، و نستعين بك. فإنه تعبيرٌ لا يحمل معنى المنع من عبادة غيره و من الإستعانة بغيره سبحانه و تعالى ]مع أن المنع واردٌ من طريق نصوصٍ أخرى، فقط نتكلم على هتين الجملتين من السورة[

و لما كانت (إياكَ نعبُدُ ، و إياك نستعينُ) تعني الدين كله ، و تعني الروح و الجسد في الخطاب ، ألَّفَ في شرحها العلماء الكتب الكثيرة ، و من ذلك (مدارج السالكين في منازل إياك نعبدُ و إياك نستعين) لابن القيم.

و بهذه المناسبة أذكر قصةً طريفة و معبِّرة جداً –للأسف بحثتُ عنها في النت ليتم توثقيها لكم ، و لكني لم أجدها- حدثتْ لشيخ المفسرين ابن جرير الطبري. "صاحب كتاب التفسير" الذي اعتمد عليه ابن كثير في تفسيره كثيرا كثيرا. و يكاد يكون مختصرا له.

ذكروا أنه ألف كتابه العظيم "التفسير" ، و كان فوق أربعين مجلداَ -تقريباً- فأراد أن يساعده أحد الوزراء في نسخه إلى نسخ متعددة لأنه لا يستطيع أن يمول النَّسْخَ لضعف إمكانياته المالية ، فقرر أن يرحل إلى أحد الوزراء عبر البحر ، و قد حمل التفسير معه فوق السفينة ، فعرفه أحدُ العامَّة الصُّلحاءِ من الرُّكَّاب . فسأله : أ أنت ابن جرير الطبري ؟ فقال : نعم ، قال : أ أنت المُفسِّر الشهير ؟ قال نعم .
قال فإلى أين أنت ذاهب ؟ ، فحدثه عن سبب رحلته ، فأراد العاميُ الصالحُ أن يُعلِّم هذا المفسر الكبيرَ تفسيراً و بُعْداً آخر من أبعاد التفسير العملي ، فقال له : و ماذا قلتَ في قول الله تعالى : (إياك نعبدُ و إياك نستعين)؟ فأطرق ابن جرير الطبري رأسه ، و سكتْ ، ثم طلب من القبطان أن ينزل من السفينة و يترك الرحلة. و يتمثَّل –عملياً- بـ (إياك نستعين). و رجع. فسخر الله له من نسخ تفسيره و انتشر بين الخلق و كتب الله له القبول فيه ، و لا يزال العلماء ينهلون منه و يختصرونه و يقتبسون منه إلى اللحظة.

و في خصوص : (إياك نستعين) : كان بعضُ السلف لا يستعين بأحد حتى و لو كان على راحلته و سقط سوطه أو شيء من أشيائه إلى الأرض فإنه ينزل و يأخذه (إياك نستعين).
و منهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه و أرضاه ، فقد كان يعاتبه الناس على أنه يقوم بكل شئونه بنفسه فيرد عليهم بقوله : (أوصاني خليلي صلى الله عليه و اله و سلم أن لا أسأل الناس شيئاً)
و هو خلق الصابرين و سلوك العصاميين.

و الإستعانة و الإستغاثة عملان بدنيان و قلبيان .
و دخول (الإلف و السين و التاء –أستعين ، أستغيث - ) على الفعل الأصلي لغرض الطلب. يعني : طلب العون و طلب الغوث.
و الفرق بينهما أن :

الإستعانة : طلب العون من غير لهفة و ضائقة.

الإستغاثة : طلب العون مع لهفة و ضائقة .

و منه قول الله تعالى عن المؤمنين في غزوة بدر (إذ تستغيثون ربكم ) .

و منه دعاء الكرب المشهور : (يا حّيُّ يا قَيُّومُ برحمَتِكَ أستغيث)

و لاحظ هذا الدعاء الأنيق فإنه يحمل نفس الغرض البلاغي :
(برحمتك أستغيث) .. قدم الجار و المجرور الواقعان موقع المفعول به ليفيد الحصر و القصر. أي: أطلب الغوث من رحمتك دون رحمة عبادك ، فأنت المغيث الحقيقي و ما سواك فغوثه قاصرٌ و معونته محدودة . لأنك ذو الرحمة الواسعة و ما عداك فذو رحمةٍ محدودة و ناقصة.

لهذا كان هذا الدعاء من أنجح الأدعية للمكروب ، و من أنفعها في التنفيس عن الملهوف.

دعوةٌ من كريم منكم تكفيني عن التعقيب أو الشكر .

اللهم اكتب لي بها أجراً ، و اعطني بها خيرَ ما أؤمل و أكفني بها شر ما أخاف و أحاذر و كل من قرأها فانتفع أو بلغها فنفع و كل المسلمين ... آمين
قديم 06-09-2012, 08:37 AM
  #2
Bushra~
عضو مميز
 الصورة الرمزية Bushra~
تاريخ التسجيل: Jul 2011
المشاركات: 1,079
Bushra~ غير متصل  
رد : من البلاغة في قول الله تعالى : (إياك نعبُد)



"نعبُدك دون ما سواك " ، "نستعين بك دون ما سواك"
الله يجزآك كل خير ...
__________________
جزيتم خيرا ع المنتدى الرائع واخوة رائعين، فترة جميلة جدا كانت معاكم، دعواتكم
قديم 06-09-2012, 01:15 PM
  #3
شكوى حبيب
موقوف
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 212
شكوى حبيب غير متصل  
رد : من البلاغة في قول الله تعالى : (إياك نعبُد)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Bushra~ مشاهدة المشاركة

"نعبُدك دون ما سواك " ، "نستعين بك دون ما سواك"
الله يجزآك كل خير ...
مرورٌ مشكور ... و أنتِ جزاك الله خيرا
موضوع مغلق

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:21 AM.


images