تَدَاوُلُ القُوى في الكون - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

موضوع مغلق
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 08-09-2012, 05:33 PM
  #1
شكوى حبيب
موقوف
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 212
شكوى حبيب غير متصل  
تَدَاوُلُ القُوى في الكون

(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَاْنٍ ، و يَبْقَىْ وَجْهُ رَبِّكَ ذُوُ اْلجَلَالَ وَ اْلإِكْرَاَمِ) ، (كُلُّ يَوْمٍ هُوَ فِيْ شَأنٍ)

خالقُ الأشياءِ لا يفنى و لا يبيد . و الأشياء لا تساوي خالقها في صفاتها المصيرية و لا غيرها.

فنَقْصُ المخلوقُ يعني كمالَ الخالق ، و فناءُ الموجودِ يعني دوامَ المُوجِد سبحانه و تعالى.

قال لبيد:
ألا كلُ شيء ما خلا اللهَ باطلُ............ و كلُ نعيمٍ لا -محالة- زائلُ

لكل كائنٍ أجلٌ تتوقف عنده ساعته الزمنية . و يُخلِدُ بعد الحركة إلى السكون .

فلا يكاد يقتربُ من الكمال إلا و يكبو مُعلناً تراجعه و عجزه عن إتمام الكمال ، و كأنه يقول بلسان حاله "و ما كان لبشرٍ من قبلك الخُلْد" ، مهما بلغ من القُدْرَة و العِلم فهما محدودتان لأنه محدودُ الخلق و الوجود و الفناء.


(الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )

و لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول الله تعالى (اليوم أكملتُ لكم دينكم ، و أتممتُ عليكم نعمتي) قال: "و الله ما بعد الكمال إلا النقصان".

هي السنة الربانية التي لا تسمحُ لمخلوق أن يقترب من مراتب الكمال إلا و تحرقه نار الكمال و غروره فيتلاشى عائداً أدراجه الضعيفة الناقصة. لأن هذه الدار وسيلةٌ ، و الآخرة هي الغاية.
و كمال الوسيلة مع دوامها يقضي على غرض الغاية مما يعطلها عن وجودها و هو محالٌ .

تجتمع الطاقاتُ و القُدُراتُ و العقول البشريةُ فتكوِّنُ حضارةً و تاريخاً ، و تتفاوت تلك الحضاراتُ في السمو و الدنو ، لأنها مخلوقةٌ و المخلوق لا يفعل ما يشاء كما يشاء .

فلا تتدرج تلك الحضاراتُ في العلو و مراقي الكمال و القوة إلا و تحمل بين أسباب قوتها أسبابَ ضعفها و سقوطها.

فتُعَمَّرُ ما شاء الله لها أن تُعمَّر ثم تبدأ بالتدرج الطبيعي للمخلوق (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) و ما بعد المشيب إلا التراب.
و قديما قالوا : "ما طار طير وارتفع إلا و كما ارتفع وقع"

لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ......... فلا يُغّرُّ بطيب العيش إنسانُ

كانت ناقةُ رسول الله صلى الله عليه و سلم "العضباء" لا تُسْبَقُ فجاء أعرابيٌ بناقةٍ له فسبقتها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه و سلم ( إنه حقٌ على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ) أخرجه البخاري
فهو وعدٌ و حقٌ التزم به رب العزة و الجلال و هو (لا يخلف الميعاد).
و الناظر في سبب حديث (حق على الله...) الخ. يتضح له جلياً ، أن الضعيف لا يظل ضعيفاً و أن القوي لا يظل قوياً سواء كانت دولةً أو فرداً أو جماعات.

فلا تحزن لطول حزنك أو ضعفك فغداً تأخذ قسطك من القوة و التعويض . إلا ما شاء ربك
و لا تفرح لطول فرحك و قوتك فغداً تأخذ قسطك من الضعف و العدل. إلا ما شاء ربك

و هو عين الحكمة و قلبها ، لأن تسلٌّط أي حضارة أو دولة أو جماعة أو فرد و تفرده بالكمال على وجه الدوام يناقض العدل و يقضي على روح التنافس و يقتل الهمم ، ما يفضي إلى اختلال عمارة الأرض و خلافتها على الوجه الصحيح العادل.

و لما كان الخالق سبحانه هو الحَكَمُ العدلُ ، فإن الضعيفَ لا يبقى ضعيفاً على الدوام ، فإنه إما أن يرحل إلى غير رجعة فيكون في عِدادِ المعدومين ، و إما أن يكون محلاً لمساعدة الظروف و الأقدار فتُمكِّنه من العلو في الأرض بتسخير أسباب القوة و القيادة من حيث لا يدري ولا يشعر.
و حينها تكون قد بدأت ولادة حضارة جديدة بقدراتٍ و طاقاتٍ كانت ضعيفة مهزومة ، ليتجلى مظهر التداول و توزيع القُوَى و القُدراتِ و الحضاراتِ في أروعِ الصُّوَرِ و أعدلها.
فكم في تقلُّب الزمان على من سبق من الحضارات و الأفراد و المجتمعات من عبرة لكل عاقل.
(الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا )
فقد أصبحوا خبرا من الأخبار ، و عبرة لذوي الأفهام و الابصار.
بلغت الدولة الأموية بعد الخلافة الراشدة ما بلغت من الفتوحات الإسلامية و القوة ، ثم جرت عليها سنة التداول ، فاستبدلتها سُنَّةُ التداول للقُوى بالخلافة العباسية ، فبلغت مبلغها من القوة و العلم و الرفعة ، ثم سقطت ... و هكذا...
حتى على مستوى الدول العربية المصغرة ... فمنها من كان يرزح تحت الجوع و الفقر و المرض و الجهل و الخوف ، بينما كان من يساويها من المجاورين يرفلون في النعم و رغد العيش و الأمان، فتبدلت تلك الأحوال تبعا لسنة التداول و التوازن التي ضربها الله على البشر كسنة عادلة حكيمة.

فيا طامعاً في دوام الحال أو كماله أرح نفسك فإنك تطلب المُحال. فما بعد الكمال إلا النقصان.

قديم 10-09-2012, 04:05 AM
  #2
أم خالد.
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 3,950
أم خالد. غير متصل  
رد : تَدَاوُلُ القُوى في الكون

جميل جدا
كلمات تبعث على الأمل
اخ شكوى .. تملك قلم بارع في الكتابة
ماشاء الله و بلمسات إيمانية رائعة
بارك الله لك في علمِك و نفعك بِه ،
اسأل الله ان يبدل احوال المسلمين الى افضل حال
سلمَت يمينك
__________________

الوعي هو الملاذ ..


أستغفر الله العظيم ؛
( الفردوس غايتي )
قديم 10-09-2012, 04:10 AM
  #3
شكوى حبيب
موقوف
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 212
شكوى حبيب غير متصل  
رد : تَدَاوُلُ القُوى في الكون

شهادتك مجروحة ايتها الفردوس.

فلسانك لم يزل غضا بطيب الاخلاق و جبر الخواطر .

لذا ؛ سأعتبر مرورك و مدحك تشجيعا لأمثالي .
موضوع مغلق

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:48 PM.


images