صيام عاشوراء، دلالات وعبر - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

المواضيع المنقولة قسم تنقل فيه المواضيع المكررة والمخالفة لقوانين المنتدى ويتم تنبيه الاعضاء على ذلك من خلال الموضوع ذاته

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 30-10-2014, 08:28 PM
  #1
ابن عمر محمد
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 335
ابن عمر محمد غير متصل  
صيام عاشوراء، دلالات وعبر

صيام عاشوراء، دلالات وعبر
د. عمر بن عبد الله المقبل

الحمد لله العلي الكبير، المتفرد بالخلق والتدبير، الذي أعز أولياءه بنصره، وأذلّ أعداءه بخذله، نعم المولى ربنا ونعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير،صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً([1])، أما بعد:

فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله تعالى.

أيها المسلمون: إن تذكر أيامِ الله التي نصر فيها أنبياءَه وأتباعَهم، وخَذَل فيها أعداء الرسل وأشياعهم؛ موجِبٌ للشكر، وحمدِ الله تعالى على ذلك، وإن كان ذلك النصر قد مضى زمانه، وانقضى أوانه؛ لأن المسلم يشعر برابطة بينه وبين كل من أطاع الله تعالى، ولو كان ذلك المطيع من أمةٍ سابقة، وهذا من أسرار التوحيد التي قد يغفل عنها بعض الناس، ولذا كان من دعاء عباد الله الصالحين: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]، فالمؤمن يدعو الله أن يُسَلّمَ قلبه من الغلِّ ولو كان على مؤمن من أتباع نوح أو موسى أو عيسى عليهم الصلاة والسلام.

أيها الإخوة: في هذا الشهر الحرام كانت نجاة نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم وقومِه، وهلاكُ فرعونَ وقومِه بعد أحداث كثيرة وغريبة، لم يُبدِ القرآن ويعيد مثل ما أبدى في هذه القصة وأعاد؛ وما ذاك إلا لكثرة العبر والدروس العظيمة لأهل الإيمان التي تؤخذ من هذه القصة، والتي لو استعرضها الإنسان استعراضاً فقط لطال به المقام، وإن عِلْم الكثير منا بتفاصيل القصة ليغني عن سردها، لننتقل إلى المهم فيها، وهو بعض ما يستفاد من قصته صلى الله عليه وسلم، والتي منها:

1/ أن الأمر كله لله جل وعلا، فالقضاء قضاؤه، والمشيئة مشيئته، مهما دبّر البشرُ وكادوا .

فها هو موسى عليه الصلاة والسلام ينشأ في قصر فرعون، وأين؟ في حضانته! وعند زوجته أيضاً، وليس بيد أحدٍ آخر من جواريّ القصر الفرعوني!

فرعون الذي أصدر مرسومَه بقتل كل مولود ذكر -بعد أن حُذِّر من غلام يولد، ستكون نهاية ملكه على يد هذا الغلام- هذا هو المرسوم الفرعوني، لكن القضاء الرباني له شأن آخر، فينشأ ويترعرع هذا الغلام بقدرة الله؛ الذي سبق في علمه سبحانه أن هذا الغلام سيكون أعدى أعدائه في مستقبل الأيام..

وتتوالى الأيام، والقدر يمضي لما سبق في علم الله، حتى يموت هذا الطاغية -الذي كان يدّعي أنه الرب الأعلى- في البحر، فأراد ربنا سبحانه أن يميته بهذه الطريقة، وينزله من كبريائه وعلّوه المزعوم؛ ليوقن هو -وكلَّ من تسول له نفسه من الطواغيت الذين يأتون بعده- أن الرب الأعلى هو الله فقط!

وأن هذا الطاغية الذي كان يفتخر بجريان الماء من تحته لم يمت أيَّ ميتةٍ! بل حتى جرى الماءُ مِن فوقه!

ومن آيات الله في هذه القصة: أن فرعون لم يكتف بخروج بني إسرائيل من مصر، بل يمضي قدرُ الله ويتم ما أراده ربنا سبحانه، ففرعون لو كان عنده ذرة عقل أو ذرة ربوبية وعلم؛ لفرح بخروج موسى ومن معه، لتخلو أرضُ مصر ممن يرى أنهم أعداؤه، ولكن الله يريد، والعبد يريد، ولا يتم إلا ما يريده ربُّ العبيد سبحانه وتعالى.

فيخرج فرعون بطوعه واختياره، ومعه آلُه وأعوانُه، ليتم أمرُ الله فيهم، فسبحان من هذا أمرُه، وتلك حكمته!

2/ ومن عِبَر هذه القصة العظيمة: أن المؤمن لا يشك في وعد الله ونصره أبداً، ولا ييأس مهما ادلهمت الخطوب، متى ما قام بالأسباب المشروعة، فإن الله تعالى يسخر له مخلوقاته؛ كيف لا وهو الذي له جنود السماوات والأرض:

فهذا طاغيةٌ جبار، معه قوة الرجال والسلاح، ورهبة السلطان والملك، خرج في طلب جماعةٍ قليلي العدة والعدد، لكن الله معهم بنصره وتأييده، وفي لحظة حاسمة تتحطم قوة الباطل على صخرة الحق، وبضربة من عصا على حجر قاس تتفتح أبوابُ الفرج..

يأتي موسى البحر، فيتسرب القلقُ إلى كثير ممن كان معه؛ فالبحر أمامهم، وفرعونُ خلفهم! فيقول لهم موسى بكل ثقة ويقين بوعد الله ونصره: ﴿كَلاَّ﴾ أي لستم بمدركين، لماذا يا موسى، وما هذه الثقة؟ ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ فيأتي الفرج ممن بيده مفاتيح الفرج، ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ ـ بإذن الله تعالى اثني عشر طريقاً ـ ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾[الشعراء: 63]، صار هذا الماء السيال بين تلك الطرق ثابتاً كأطواد الجبال، فدخل موسى وقومُه يمشون بين جبال الماء في طرق يابسة أيبسها الله في لحظةٍ واحدة، آمنين، فلما تكاملوا خارجين، وتكامل فرعونُ وقومُه داخلين؛ أمر اللهُ البحرَ أن يعود إلى حاله، فنجّى الله المؤمنين، وغرّق الله الكافرين، فأين الموقنون؟!

فهل نعي هذا الدرس جيداً، ونحن نعيش ما نعيش من آلام وشدائد تمرُّ بها الأمة منذ عقودٍ طويلة؟

يجب أن نوقن -أيها الواثقون بوعد الله- أن طريق النصر ليس مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو: إيمان وجهاد، ومحنة وابتلاء، وصبر وثبات، وتوجُّهٌ إلى الله وحده، ثم يجيء النصر، وهذا ما يُرجَى لإخواننا الصادقين في كل مكان! ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[غافر: 51، 52].

إخوة الإسلام: لقد كان يوم نجاة يوم موسى من فرعون في يوم عاشوراء من محرم، فصامه موسى بعد ذلك شكراً لله على هذه النعمة العظيمة، وتبعه اليهود، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومونه، فلما علم سبب صيامه قال صلى الله عليه وسلم كلمته المشهورة: ((نحن أحق وأولى بموسى منكم))، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه، وأخبر بأجر من صامه -كما في الصحيح- فقال: ((يكفر السنة التي قبله))، وبقي نبينا صلى الله عليه وسلم على صيامه منفرداً، حتى قيل له: يا رسول الله! إنه يوم تعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا التاسع)) قال ابن عباس: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم([2]).

إن في هذه النية النبوية على صيام التاسع لدرساً عظيماً، ألا و هو:

3/ أن مخالفة الكفار -وخاصة أهل الكتاب- من مقاصد الشريعة -كما يقول ابن تيمية رحمه الله([3])-.

وفي ترك إفراد عاشوراء بالصوم درسٌ عظيم، فإنه مع فضل صوم ذلك اليوم، وحثِّ النبي صلى الله عليه وسلم على صومه، وكونه كفارة سنة ماضية .. إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود فيه، وعزم على ضم التاسع إليه، فوقعت المخالفةُ في صفة ذلك العمل، مع أن صوم عاشوراء مشروعٌ في الشريعتين، أو أنه مشروع لنا وهم يفعلونه، فكيف بما كان دون ذلك من المباح أو المحرم وما كان من شعائر دينهم؟!

فليتق الله مسلمٌ يتشبه بأعداء الله في صغير أو كبير، فإن الأمر كلَّه كبير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((من تشبه بقوم فهو منهم)).([4])

4/ من الدروس العظيمة التي تبرز في صيام هذا اليوم الأغر: حقيقة الانتماء، نعم أيها الأحبة في الله، فإن اليهود علَّلوا صيامهم عاشوراء بمتابعتهم موسى صلى الله عليه وسلم حين صامه شكراً لله على إنجائه له من فرعون، وهاهنا سؤال: هل يكفي صيامهم عاشوراء برهاناً للمتابعة وسبباً للأولوية بموسى؟ والجواب الذي لا شك فيه: لا؛ لأن أحقية الشخص بآخر إنما هي بحسب تمام المتابعة والتزام المنهج، قال تعالى: ﴿إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبرَاهيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 68]، ولذا كان نبيُّ هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وأتباعه أوْلى بنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام من الأمة الغضبية، فقال: ((نحن أحق وأوْلى بموسى منكم)).


وهـكذا تتوحد المشاعر، وترتبط القلوب وإن طال العهد الزماني، أو تباعدت الأماكن، فيكون المؤمنون حزباً واحداً هو حزب الله عز وجل؛ فهم أمة واحدة، من وراء الأجيال والقرون، ومن وراء المكان والأوطان .. لا يحول دون الانتماء إليها أصلُ الإنسان أو لونُه أو لغتُه أو طبقتُه .. إنما هو شرط واحد لا يتبدل، وهو تحقيق الإيمان، ولذا استحقت هذه الأمة ولاية موسى دون اليهود المغضوبِ عليهم.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة خير أنبيائه، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم.




([1]) اقتباس من خطب شيخنا العثيمين رحمه الله (707).
([2]) ينظر في الأحاديث الماضية: صحيح مسلم 2/796 ح(1130)، 2/798 ح (1134)، 2/819 ح(1162).
([3]) اقتضاء الصراط المستقيم: 1/199.
([4]) أخرجه أبو داود ح(4031)، وجود إسناده شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 268). [/RIGHT]

التعديل الأخير تم بواسطة مارد الجنوب ; 31-10-2014 الساعة 12:54 PM
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] معطلة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:11 PM.


images