الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
وأشهد إلا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله
نشهد بالله أنه قد بلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد
فتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده صلى الله عليه وسلم إلا هالك ... أما بعد
أخواني الناظر في حال المجتمعات الإسلامية اليوم يرى عجباً فمن تفكك أُسري ومشاكُل عائلية وزواج ويتبعه طلاق
فها هي يا أخواني رسالة من شاب وفتاة إلى آباءهم خاصة وإليكم عامة
وأسمعوا إلى هذا الشاب وهو يروي قصته ومعاناته مع الحياة عندما دخل السجن في قضية زنا مع فتاة وهو يعض أصابع الندم فيقول مخاطباً والده :
أسمع يا أبي قصتي فليست من نسج الخيال ولا من روائع المقال
بدأت قصتي بعدما بلغت سن المراهقة ولم أجد في رحاب بيتنا صدراً حانيا ولا لساناً مرشدا
وجدت ما حرمة منه عن أصدقاء السوء فمن مصيبة إلى كارثة إلى أن تطورت بي المصائب حتى أروي لك قصتي من خلف قضبان السجن
ألم تسمع قول الله تعالى (وانكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) .
قال الإمام القرطبي تفسير هذه الآية (زوجوا من لا زوج له منكم فإنه طريق التعفف)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وُلد له ولد فليحسن اسمه ، وأدبه ، فإذا بلغ فليزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثماً فإنما إثمه على أبيه) .
ويقول ابن قدامه في المغني (ويلزم الرجل إعفاف ابنه إذا احتاج إلى النكاح وهذا ظاهر مذهب الشافعي )
فالمسوؤلية لا تقع عليك وحدك يا أبي فالمجتمع بأسره ساعدني على انحرافي فالدش في البيت تتلاعب به أصابعنا والنساء كاسيات عاريات في الشوارع والطرق بلا رقيب ولا حسيب والمغالاة في المهور شيء لا يطاق فوالله يا أبي كم تمنيت أن أشرفك بنجاحي أو زواجي ولكن قدر الله وما شاء فعل .
عباد الله يقول الشيخ عبدالرحمن المباركفوري في شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))
فقال حفظه الله [وذلك لأنكم إن لم تزوجوها إلا من ذي مال أو جاه ربما يبقى أكثر نساءكم بلا أزواج وأكثر رجالكم بلا نساء ، فيكثر الافتنان بالزنا وربما يلحق الأولياء عار فتهيج الفتن والفساد ويترتب عليه قطع النسب وقلة الصلاح والعفة ]
والله صدق يا عباد الله فكم من شاب يدعو على والده بالويل والثبور من عدم تزويجه إياه وكم من فتاة تلعن والدها لأنه حرمها من الذرية الزوج الصالح بحجة الحفاظ على مالها فكانت عند كالبقرة الحلوب التي تدر عليه الأموال الطائلة من غير أن يعلفها بل ويأخذ راتبها ويحرمها من الأمومة التي هي أعز عندها من مال الدنيا
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي طلب منه أن يزوجه بامرأة قد وهبت نفيها للنبي (أذهب فالتمس ولو خاتما من حديد) ولم يقل ذهباً أو غيره فاتقوا الله يا أيها الآباء في والدكم وبناتكم فأعظم النساء بركة أيسره مؤنة
ولنستمع إلى قول عمر بن الخطاب وهو يقول (ألا لا تغلوا في مهور النساء ؟ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ما علمت رسول الله نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية)
والأوقية تعادل 132 ريالاً سعودياً !
وهذا يعني أن المهر الذي قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه وأخذه على بناته 1584 ريالاً
فسبحان الله من يعطي العقول أُناس ويحرمها آخرين وسبحان جعلوا بناتهم سلعة باع وتشترى ويتزايد عليها السائمون
ومع ذلك كأنه جارية يريد بيعها وكأنها لم تكن في يوم من الأيام فلذة كبده وثمرة فؤاده ولم يعلم هذا المسكين أن من عال بنتين أو ثلاثة وأحسن إليهن حتى زوجهن كان رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
ومع هذا ليس للأب أن يأخذ من مهر ابنته غير ما طابت به نفسها وبرضها لأن الله أضاف المهر للنساء بقوله (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قال بعض المفسرين أنها نزلت لمنع أولياء البنت من أن يأخذوا من مهرها .
روى الأمام البخاري في صحيحه عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها .
وكذا ما رواه الأمام ابن ماجه عن بريدة رضي الله عنه قال : جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ((إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع بي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء)) وهذا من حرص الإسلام على تأسيس الأسرة على أسس ثابتة .
وقد قال الشعبي رحمه الله (من زوج كريمته من فاجر فقد قطع رحمها) .
فيا أيها الآباء يسروا في مهور بناتكم وزوجوا أولادكم في هذه الأزمنة كلما تلاحظون قد رفعت الفتنة رأسها وأعلنت الحرب على الإسلام
فكيف بكم إذا أتى يوم القيامة وقد حُمل أولادكم أو بناتكم أزواراً كثيرة لا تطليقها الجبال الرواسي من المعاصي والذنوب فهم في هذه الأزمنة ما بين مكالمات هاتفية وسهرات ليلة وقد هيأتم لهم سبل الراحة كما تزعمون
والله لقد وضعتم الوقود بجانب النار وتريدون منه إلا يحترق فوضعتم له الدشوش في البيت يجوب العالم بأنامله وأعطيتموهم سيارة فارهة وأموال طائلة فكيف بهم لا ينحرفون وكيف بهم لا يقون في أوحال المعاصي والذنوب
يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة )
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته) ويقول الشاعر :
رموه في اليم مكتوف اليدين وقالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء
فهذه نصائح قد جمعنها لعل الله أن ينفع بها السامع والقائل ولعلها أن تجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية
(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشد قسوة )
فمن وعى هذا الأحاديث بقلبه قبل سمعه فقد نجى من عقاب القوي العزيز الذي هو أقوى مني ومنك ومن جميع خلقه أجمعين
فربما دعوة تطلقها فتاة أو شاب في جوف الليل وهي من مظلوم وفي وقت إجابة ويأخذها الله عز وجل ليس بينها وبينه حجاب ويقول وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين .
08-08-2004, 04:10 PM
ولقد دفعت الثمن
ضوابط المشاركة
العرض العادي
