** قصة وعبرة
وإليك هذه القصة التي تشيب لها الرؤوس وتندى لها الأفئدة: كان والد الفتاه الموظفة يمنع كل من يأتي لخطبتها لسبب أو لأخر ،حتى مضى قطار العمر ودخلت في سن قد لايرغب بالزواج منها الشباب فمرضت من جراء ظلم والدها ورفضه المستمر بسبب أو بدون سبب فأدخلت المستشفى وبقيت فتره من الزمن حتى حضرتها الوفاة فاستدعت والدها، وقالت :ياأبي قل آمين فقال :آمين ،قالت :قل :آمين ،فقال :آمين فكررتها ثلاث مرات، ثم قالت: أسأل الله أن يحرمك الجنة ،كما أحرمتني الزواج .ثم فارقت الحياة .إنا لله وإنا إليه راجعون.
فما الفائدة التي جناها ذلك الأب القاسي ؟وهل ستعيد له الأموال تلك البريئة الجريحة ؟
يقول الله تعالى في حق الظالمين : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) [غافر 18 ].
وقال تعالى : ( إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ابراهيم 22 ]
وقال صلى الله عليه وسلم :{ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ،ثم قرأ قوله تعالى: ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [هود 112 ] ( متفق عليه )، وقال صلى الله عليه وسلم : { استوصوا بالنساء خيرا } ( متفق عليه ).
وقال صلى الله عليه وسلم : [ إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ] ( متفق عليه ). فلا تحسب أنك بأكلك للمال الحرام ستخلد في هذه الدنيا، أم أن العذاب عنك بعيد، فكم من أناس انتفخت بطونهم من الحرام والنار لهم بالمرصاد، فهم حطب لها وحصب، قال تعالى : { والذي كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم } ( محمد12 )، وكل جسد نبت من السحت أي الحرام فالنار أولى به.
وقال صلى الله عليه وسلم : [ من عال جاريتين ـ أي بنتين وقام عليهما بالمؤونة والتربية ـ حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ] وضم أصابعه ( رواه مسلم ).
وقال صلى الله عليه وسلم : [ من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ] ( متفق عليه )، فهل أحسنت إلى ابنتك أنت ؟ أم أهنتها وأذقتها المرارة ؟ وجرعتها كأس الحرمان من الزواج من أجل تلك الوظيفة والعقبة الدنيئة، قال صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة ] ( رواه النسائي وغيره وحسن سنده شعيب الأرنؤوط )، ومعنى أحرج حق الضعيفين : أي أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً.
وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم ] ( متفق عليه ) ومعنى الحطمة : العنيف برعاية الإبل، فقد ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لوالي السوء، الذي يظلم من تحت ولا يته من أهل وغيرهم، وما فيه من قسوة وجلافة، وعدم رحمة، وبعده عن الرفق والشفقة.
وهذا حال كثير من الآباء اليوم ـ نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
** السؤال يوم القيامة: فأي اتباع لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء والأولياء يحرمون بناتهم وأخواتهم ومن ولاهم الله عليهن من الزواج لأجل متاع زائل ووسخ من أوساخ الدنيا من أجل مال مايلبث أن يموت صاحبه ويتركه وراء ظهره يستمتع به الورثة من بعده ثم يحاسب هو عليه من أين اكتسبه وفيما أنفقه ،وسيطول به الحساب عند شديد العقاب.
فيا ولي الأمر ! إذا سئلت عن مال ابنتك من أين اكتسبته فماذا سيكون جوابك ؟
هل ستقول :يا رب ظلمتها وحرمتها من الزواج من أجل أكل راتبها بغير وجه حق فالويل لك ثم الويل لك ،عند شديد العذاب وسريع العقاب.
فلا إله إلا الله ما أشد العقاب وما أقسى العذاب .فاتق النار ولو بشق تمرة فنار جهنم لو ألقيت فيها الجبال الراسيات لذابت من شدة حرها.
** الوصية بتربية البنات
لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتربية البنات وأنه إذا أحسن تربيتهن كن له بإذن الله حجاباً ودرعاً من النار، فأين أنت أيها الولي من ذلك الحديث لقد خنت الأمانة وضيعت الولاية فكانت الخاتمة سيئة وتبدلت الجنة بالنار.
** رفقاً بالبنات
أيها الأب الحنون : يجب عليك أن تحسن إلى موليتك وتكرمها، وتحرص على إعفافها وإحصانها، وإخراجها من الضيق إلى السعة، ومن العنوسة إلى حياة الزوجية، فاختر لها الزوج الكفء، صاحب الدين والأخلاق، وإياك والمفسدين واللاعبين اللاهين، واحذر المنحرفين والمجرمين، ولا يكن المهر هو همك، فالفتاة ليست سلعة تباع وتشترى، وتعطى لمن يدفع فيها أكثر من الآخر، وليست عنزاً حلوباً، تحلبها متى شئت، بل هي إنسانة ذات مشاعر وأحاسيس، لها حق اختيار الزوج المناسب فلا يجوز لك شرعاً ولا عرفاً أن تكرهها على الزواج ممن لا ترضاه، ويحرم عليك ذلك، ثم هنا أمر مهم يجب أن تأخذه بعين الاعتبار، وهو أن المهر كاملاً من حق الفتاة وليس لك فيه شيء من الحق أبداً، فإن أخذته أنت بدون رضىً منها فهو سحت حرام عليك، وإن ساومت على ابنتك من أجل أن تحصل على المال من وراء تزويجها، وإن عرقلت مسيرة زواجها بسبب عنادك وتجبرك للحصول على المال من وراء تزويجها، فأنت آثم وعليك التوبة إلى الله عز وجل قبل أن يفاجئك الموت وأنت على حال كلها ظلم وطغيان من أجل حياة فانية زائلة.
** قصة وعبرة
**تم حذف القصة لتكررها حرفياً في المشاركة الأولى**
** الخاطب الكفء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ] ( رواه الترمذي وحسنه الألباني برقم 865 ).
وروى البخاري في صحيحه قال : [ مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يُستمع، قال : ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يُشفع، وإن قال ألا يُستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ]. وهذا الحديث ليس على ظاهره، فهناك من الأغنياء من هم من الأتقياء الذين يخافون الله تعالى ويخشونه، ويُعمِلون أموالهم في سبيل الله تعالى، وهناك من الفقراء من تراه من معصية إلى معصية، ومن ذنب إلى آخر. فالحاصل أن الأب يسعى جاهداً لنيل الرجل المناسب لابنته فإن كان من الأغنياء الأتقياء فذاك المطلوب، وإلا فعليك بصاحب الدين والخلق الحسن، وهذه بضاعة نادرة في هذه الأزمان، ومن بحث وجد ـ بإذن الله ـ بغيته.
ولقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بامرأة بما معه من القرآن، فأين الآباء الحكماء العقلاء عن سنة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام.
** اخطب لإبنتك
بعض الآباء تجده يجد ويتعب في إيجاد المرأة التي توصف بكذا وكذا من الأوصاف لابنه، وقد يدفع مقابل ذلك مهراً طائلاً، أما ابنته فلا يهمه من خطبها إن كان فاسقاً أو صالحاً فالأمر سيان المهم كم يدفع ؟ وماذا سيدفع ؟ وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالرجل العاقل الذي تهمه ابنته وتهمه سعادتها، هو الذي يسعى جاهداً من أجل اختيار الزوج الصالح لها حتى تعيش في هناء وخير، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة رضي الله عنها على عثمان رضي الله عنه، ثم أبا بكر رضي الله عنه، ثم خطبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها. القصة في صحيح البخاري 10/219.
فلقد سعى جاهداً في أن يزوجها عثمان فلما لم يكن له بها رغبة، جد في أن يزوجها أبا بكر، فلما علم أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها تركها له، حتى خطبها ثم تزوجها، أولئكم الرجال الذي لا يهمهم قول قائل من قال، المهم سعادة البنت ومع من تكون، أما اتباع فلان وفلانة واستماع كلام هذا وذاك، فهذا كلام لا يقبله عاقل.
**تم حذف قصة سعيد بن المسيب لتكرارها حرفياً في المشاركة الأولى**
** عقوبة خيانة الأمانة
واحذر أن تخون الأمانة الملقاة على عاتقك فتزوج ابنتك لصاحب الأموال وكبير السن من أجل المتاع الزائل، فهي والله مسؤولية عظيمة أمام الله تعالى، فتوقعها في المهالك، فتبوء أنت بالإثم والخسارة يوم تعرض على ربك، ووالله لن تنفعك الأموال ولا العقارات ولا غير ذلك من حطام الدنيا، بل لن ينفعك إلا عملك الصالح وأداؤك للأمانة التي وضعها الله بين يديك.
وحذار كل الحذر أن تخون الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال، والتي تحملتها أنت، فتزوج ابنتك لصاحب الأموال الفاسق المجرم، الذي لا يعرف لله حقاً، ولا يقدر له قدراً، الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وتجنب كبير السن الذي لا يعرف للفتاة قدرها واحترامها، ويحسبها سلعة بائرة، فلا احترام لها ولا تقدير، ولا مكانة لها ولا رفعة عنده، فتراها ذليلة عنده حقيرة، فتوقع ابنتك في الذل والمهانة، وتبوء أنت بالإثم والخسارة، فتعيش الفتاة المقهورة المجبورة حياة نكدة بائسة، وتذيقها المر بألوانه وأشكاله، وتموت في اليوم الواحد مائة مرة، فتعيش مضطهدة مقهورة.
فاحرص يارعاك الله على أداء الأمانة وبخاصة أمانة البنات فهن ضعيفات، لا حيلة لهن ولا طاقة، فالله عز وجل يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } ( الأنفال 27 )، وقال ربنا تبارك وتعالى : { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } ( المعارج 32 )، وقال صلى الله عليه وسلم مذكراً الولي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وعظم خطرها وأنها سبب لدخول الجنة لمن اداها كما أمر الله تبارك وتعالى، وسبب لدخول النار لمن ضيعها فقال : [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ( متفق عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ] ( متفق عليه ).
فأي غش أعظم من أن تغش ابنتك التي من صلبك أو تمت لك بصلة، وتمنعها من الزواج من أجل أن تأكل حفنة قذرة من أوساخ هذه الدنيا الفانية، واعلم أن خيانة الأمانة علامة واضحة من علامات النفاق، فقال صلى الله عليه وسلم : [ آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان ] ( متفق عليه ) وفي رواية : [ ولو زعم أنه صلى وصام ]. ولقد توعد الله الخائن للأمانة الذي ضيعها ظلماً وعدواناً، ولم يرعها حق رعايتها توعده بالنار يوم القيامة فقال جل من قائل سبحانه : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } ( النساء 145 ) .
ثم لو بلغت نقودك عنان السماء من وراء تزويج البنات الخاطب السيئ، أو من عدم تزويجهن وأكل مالهن، فهل تعتقد أنك ستخلد في هذه الحياة الدنيا ؟ طبعاً ستقول لا، وهذا هو الصحيح الذي لا مراء فيه ولا جدال، فقم إذاً بحق الله عليك، ثم بحق تلك البنات التي ضيعت حقوقهن، وأد الأمانة كما يجب فأنت مؤتمن ومسؤول.
تم التعديل بواسطة
omax