السبل المثلى لإصلاح البيوت
إعداد / زكريا حسيني
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما حتى حجّ وحججتُ معه، وعدل وعدلت معه بإداوة، فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ، فقلت له: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى لهما: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما"؟ فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس،
هما عائشة وحفصة، ثم استقبل عمر الحديث يسوقه، فقال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة، وكنا نتاوب النزول على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك،
وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعتني،
فأنكرت أن تراجعني. قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإنَّ إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني ذلك فقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن ثم جمعت عليَّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أيْ حفصة، أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، فقلت: قد خبتِ وخسرتِ، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لكِ، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي #- يريد عائشة-
قال عمر: وكنا قد تحدثنا أن غسان تُنْعلُ الخيل لغزوِنا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته. فرجع إلينا عشاءً فضرب بابي ضربًا شديدًا وقال: أَثَمَّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم، قلت ما هو؟ أجاء غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه،
فقلت: خابت حفصة وخسرت، وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، فجمعت عليَّ ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها، ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ ألم أكن حذرتك هذا؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة، فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلاً، ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر، فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال: كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فَصَمَتَ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر. ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام- فذكر مثله، فجلست مع الرهط الذين عند المنبر. ثم غلبني ما أجد فجئت- فذكر مثله- فلما وليت منصرفًا فإذا الغلام يدعوني فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليست بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئًا على وسادة من أَدَمٍ حشوها ليف، فسلمت عليه ثم قلت: وأنا قائم: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ فرفع إليَّ بصره فقال: لا. فقلت: الله أكبر. ثم قلت وأنا قائم استأنس: يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قلت: يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها: لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يريد عائشة، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى، فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته فو الله ما رأيت في بيته شيئًا يرد البصر غير أهبة ثلاث، فقلت: يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وُسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئًا فقال: أَوَ في هذا أنت يا ابن الخطاب؟ إن أولئك قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهرًا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله عز وجل، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة. قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة. آه
هذا الحديث أخرجه البخاري في عشرة مواضع من صحيحه موضع في كتاب العلم باب التناوب في العلم، وفي كتاب المظالم موضع في باب الغرفة المشرفة وغير المشرفة وثلاثة مواضع في كتاب التفسير في تفسير سورة التحريم باب تبتغي مرضاة أزواجك، وباب وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا، وباب: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، وفي كتاب النكاح في موضعين في باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، وفي باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض، وفي موضع من كتاب اللباس باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجوز من اللباس والبسط، وفي موضعين من كتاب أخبار الآحاد باب في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والأحكام، وفي باب قوله تعالى: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم، كما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطلاق باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وأخرجه الترمذي في التفسير والنسائي في الصيام.