
غلاء المهور يؤدي إلى نتائج خطيرة ومدمرة .
من خلال طرحي حول قضية غلاء المهور أحمل الزوج المشكلة وأشدد على أنه مع وجود بعض حالات الجشع والطمع لدى بعض العائلات .
فإن غلاء المهور ناتج في معظم حالاته عن حرص العائلة على حفظ قيمة ابنتهم عند الرجل الذي يتحمل جل المسئولية .
إن الله تعالى أراد من المهر أن يكون هدية رمزية يقدمها الرجل إلى زوجته كعربون لمحبته ووفائه وإخلاصه ، ورغبته كذلك في العيش معها تحت سقف واحد في بيت واحد ، واستعداده لتحمل كل الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه بما في ذلك رعايتها والإحسان إليها والإنفاق عليها وبذل كل ما في يده في سبيل سعادتها ورضاها .
لكن المسلمين في أيامنا قد غفلوا عن هذه المعاني الربانية ، وحولوا الزواج إلى تجارة مربحة والمرأة إلى سلعة غالية والرجل إلى صيد ثمين، . وهم بذلك يظنون أنهم يحافظون على مصالح بناتهم وقيمتهن وكرامتهن ويحمونهن من ظلم الرجل وطغيانه وغدره وخيانته .
وما هذه المفاهيم الخاطئة إلا مظهر من مظاهر الجهل والتخلف الذي يسيطر على عقولنا ويتحكم بها،
المغالاة في المهور تنعكس على الحياة الزوجية نكدًا وكدرًا
ومحاولة لوضع الأمور في نصابها ووجلي الغبار عن الحقائق التي طمستها العادات ، وما اعوج في أذهان الناس ، لا بد أن أبين أهم المفاهيم الإيمانية المتعلقة بالمهور والزواج والتي تساهم في رد المجتمع إلى دينه وهدي قرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أولاً: إن غلاء المهور لا يحفظ للمرأة قيمتها ولا كرامتها .
فالزوج يريد مهرًا متواضعًا يقدر عليه ، والأب يريد مهرًا غاليًا ليظهر الناس أن ابنته ليست رخيصة أو زهيدة ، فيقع الخلاف ويتفرق الجميع وتفترق القلوب ، وتغيب البسمة عن الوجوه .
إن هذا الزوج هو الكنز الحقيقي الذي يجب أن يبحث عنه الآباء لبناتهم ، أما كنوز الدنيا كلها ، فلا تساوي شيئًا ، إذا كانت حياة المرأة جحيمًا لا يطاق .
إن على أولياء الأمور أن يعلموا أن البركة أهم من المال والمهر، وأن المظاهر الفارغة والتافهة لا قيمة لها ، وأن هذه البركة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان الزواج سهلاً ومسؤولياته قليلة
ثانيًا: إن غلاء المهر لا يحمي المرأة من الطلاق .
إن السواد الأعظم من أولياء الأمور يظنون أنهم إذا غالوا بمهور بناتهم فإن في ذلك حماية لهن من غدر الرجال وظلمهم وطغيانهم .
فهم يعتقدون أن المهر الغالي هو أهم عقبة في وجه من يريد أن يرمي زوجته بالطلاق متى أراد ذلك.
إن كثيرًا من الرجال حين تدب الكراهية في قلوبهم لزوجاتهم يلجئون إلى وسائل للضغط عليهن كي يتخلين عن مهرهن ويطلبن الطلاق من غير مقابل .
ولقد سمعت بنفسي هذا القول من الكثير منهم .
ولذا فإنني أقول لكل أولياء الأمور إن المهر الغالي لا يحمي المرأة بل يعرضها للظلم والاضطهاد .
ولو فرضنا جدلاً أن المهر يحمي المرأة من الطلاق فهل يحميها من تعدد الزوجات وهل يحميها من الخيانة ، هل يحميها من الهجر ، هل يحميها من العذاب الذي قد يصيبها زوجها به بلادنا .
فالاعتقاد أن غلاء المهور يحمي المرأة من الطلاق، هو اعتقاد واهم شأنه كشأن الاعتقاد السابق المذكور آنفًا .
ثالثًا: إن المهر حق من حقوق الزوجة وليس حبرًا على ورق .
إن مقولة 'المهر هو حبر على ورق' هي مقولة راسخة في عقول الكثير من شبابنا وبناتنا على حد سواء.
إن كثيرًا من الشباب وبغير وعي يكتبون من تلقاء أنفسهم لزوجاتهم مهرًا خياليًا يفوق قدرتهم المالية أضعافًا مضاعفة .
إن الله تعالى قد حرم على الرجال أن يمدوا أيديهم إلى مهور زوجاتهم بغير حق وبغير إذن منهن في آيتين صريحتين لا تحتملان تأويلاً ولا تبديلاً.
رابعًا: المهر هدية وليس ثمنًا للمرأة .
عندما رأى الغربيون والعلمانيون تصرفات المسلمين في عقود زواجهم وفي مهر بناتهم، وجهوا سهامهم إلى الإسلام وأخذوا ينالون منه ومن نظامه الاجتماعي وأخذوا يرددون ذلك ضمن معزوفة ألفناها جيدًا، وهي إن الإسلام أهان المرأة حين قرر لها مهرًا يؤديه الرجل إليها، فحولها إلى سلعة تباع وتشترى، وجعله جارية يملكها الرجل فيتصرف بها كما يشاء .
إن من إكرام الإسلام للمرأة أنه لم يجعلها رخيصة تباع وتشترى ، يحصل عليها من يريد ويلقيها من يريد دون أن يكلف نفسه عناء أي شيء . إن من إكرامه لها أن أوجب على الرجل أن يقدم لها هدية من ماله الخاص كقيمة معنوية أكثر من كونها قيمة مادية، فهي كما ذكرنا عربون محبة وإخلاص ووفاء وبذل وتضحية وليست ثمنًا كما يحلو لأعداء الإسلام أن يصفوها.
خامساً :إن القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية .
[لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها]
وأيضًا [لينفق ذو سعة من سعته].
فالإسلام يعترف بقدرات الإنسان المتفاوتة ، وبعجزه عن القيام بأمور كثيرة ، فأقام أحكامه على أساس يتوافق مع فطرة الإنسان واستعداداته وقدراته .
والقضية كلها مفادها أن لا تحديد في قضية المهر ولكن إطلاقها بما يتناسب مع ظروف كل مسلم وقدراته المالية .
سادسًا: غلاء المهور يؤدي إلى نتائج خطيرة ومدمرة .
وأهم هذه النتائج ما يلي:
1ـ عزوف الشباب عن الزواج .
2ـ انتشار العنوسة في المجتمع الإسلامي .
3ـ انتشار الزنى والرذيلة كبديل عن الزواج .
4ـ ذهاب البركة والرحمة من البيوت والأسرة المسلمة .
5ـ تحول المجتمع بسبب التأخر في سن الزواج إلى مجتمع عجوز يعاني من مرض الشيخوخة .
6ـ تعرض الأسرة المسلمة إلى الأزمات الاقتصادية بسبب تراكم الديون عليها .
7ـ ظلم المرأة من زوجها إذا كان لا يخاف الله ولا يحفظ لها حقها، ولجوؤه إلى الخيانة لعجزه عن الطلاق بسبب المهر الغالي.
هذا رايي البسيط واتمنى أن تدلو بأرئكم
تحياتي لكم جميعاً