لم تعد محنة الطلاق شبحا يهدد حياة المرأة، الصورة التي ظلت في مخيلتنا لسنوات طويلة بأن المرأة تنكسر بعد الطلاق مستسلمة للفشل وتنتهي حياتها إكلينيكيا لم تعد كما نتصور.. فمع ازدياد نسبة الطلاق في كل دول العالم صارت المرأة تخرج من محنتها هذه أكثر قـوة وثقة في مواجهة مجتمعها والمحيطين بها.
أشارت إحدى الدراسات الصادرة 2004 من جامعة واشنطن الأمريكية تحت عنوان "الأزواج أكثر معاناة بعـد الطلاق" أن المرأة المطلقة تنسجم مع المجتمع بسرعة أكبر مقارنة بالرجل حيث إنها أكثر تحملا لضغوط ما بعد الطلاق خاصة إذا كانت هي الطالبة للطلاق.
وأوضحت دراسة أخرى حول فرص نجاح المرأة.. تحت عنوان "المرأة العربية وفرص الإبداع" قامت بها د.شادية قناوي بجامعة عين شمس المصرية.. أن وضع المرأة في المجتمع المعاصر قد تغير وأن المرأة أصبحت أكثر طموحا وقدرة على تحديد أهدافها والعمل على تحقيقها وأن المرأة تستطيع التغلب على معوقات الإبداع.
نجاح بعد فشل
تؤيد القصص على أرض الواقع ما جاءت به الدراسات، فتسرد لنا "دعاء محمد" - موظفة- تفاصيل قصتها فتقول: تزوجت بعد تخرجي مباشرة من أحد أبناء عمومتي وكان ذلك بناء على رغبة وإلحاح أبي المريض ولم أستطع وقتها الرفض حتى لا يتأثر والدي، وتم الزواج سريعا ولكنني وجدت زوجي بعد الزواج إنسانا به الكثير من العيوب، ويوما بعد يوم تفاقمت المشكلات بيننا وتحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق لم أتخلص منه إلا بالطلاق، وبعد الطلاق تعرضت لأزمة نفسية ولكنني وقفت أمام نفسي بسرعة وصممت على أن أعوض هذه السنوات المريرة بالنجاح في عملي، وبعد عامين تزوجت للمرة الثانية وفي هذه المرة كان الخيار لي حيث أردت أن أثبت للجميع أنني لم أفشل وأنني ناجحة، وقد تحقق لي ما أردت حيث أنجبت طفلا وتدرجت سريعا في عملي ووقفت وراء زوجي في عمله حتى أصبح الآن يتولى منصبا سياسيا مرموقا.
وتقول " ن. ز": تزوجت وأنا ما أزال طالبة في ثانية سنوات دراستي الجامعية ولم يكن عمري يتعدى 17 عاما، من شاب يكبرني بست سنوات، ولم يستمر هذا الزواج سوى عام ونصف حيث طلبت الطلاق من زوجي الذي هجرني وابنتي وعاد إلى حبيبته الأولى ولم يجد مشكلة في المصارحة بحبها بل إنه عقد قرانه عليها..
وتضيف قائلة: رغم أنني حملت لقب مطلقة قبل أن أكمل عامي العشرين وأصبحت أما أيضا فإنني لم أستسلم للحزن والفشل خاصة أن من حولي كانوا يخففون من حزني بأنني لست مخطئة في شيء، وأنني ضحية نزوات زوج خائن، لذا فقد وجهت اهتمامي وطموحي إلى استكمال دراستي وبالفعل نجحت بتفـوق وأردت استكمال هذا النجاح بمزيد من الدرجات العلمية وبالفعل أستعد لنيلها قريبا جدا.
المسألة نسبية
تعلق على الدراسة د. هبة قطب خبيرة العلاقات الزوجية : يجب ألا نقول إن النجاح في الحياة هو أمر لازم التحقيق على جميع النساء المطلقات، فهو ليس قانونا يشمل الجميع ولكن يمكننا القول بأن بعض النساء أكثر نجاحا والبعض الآخر أقل نجاحا، لأن ذلك يتوقف على العديد من المعطيات والعوامل، فيجب ألا نقارن المرأة المتعلمة بالمرأة غير المتعلمة في تحقيق النجاح بعد الطلاق وأيضا المرأة التي لديها أبناء بالتي ليس معها أبناء، والمرأة الملتزمة دينيا بغير الملتزمة دينيا، وبين المرأة صغيرة السن التي طلقت بعد سنوات قليلة وبين المرأة كبيرة السن التي طلقت بعد أعوام طويلة من الزواج، يجب أن نضع في حساباتنا أيضا ذكريات المرأة مع الزواج وهل كان الزواج يمثل مكسبا أم خسارة لها...، فالظروف التي تحيط بالمرأة عند حدوث الطلاق تؤثر بالطبع على مدى نجاحها وإثبات ذاتها أو فشلها في تحقيق ذلك.
وتستطرد قائلة: يتوقف الأمر كذلك على شخصية المرأة نفسها التي تتعرض للطلاق فهناك شخصية انهزامية تستسلم وتنكسر أمام الطلاق، وعلى النقيض توجد الشخصية المقاتلة التي تحاول إثبات ذاتها.. فالنجاح الذي تتحدث عنه الدراسة يتوقف على مثل هذه الاختلافات ولكن بشكل عام يمكن أن نقول بأن الطلاق أصبح سهلا إلى حد ما مقارنة بالماضي فلم يصبح هداما للبيوت بل أصبحت كلمة "طلاق" كلمة سهلة داخل المجتمع.
الطلاق قد يكون حلا
تؤكد د. إنشاد عز الدين أستاذة علم الاجتماع : يجب ألا ننظر للطلاق على أنه مشكلة في حد ذاته ولكن يجب أن نعلم أن الطلاق هو حل المشكلة، والنظرة المتدنية للمرأة المطلقة هي موروث ثقافي خاطئ ترسخ في نفوس أفراد المجتمع، لذا فعلى المجتمع أن يعيد نظراته بموضوعية ويعتبر أن الطلاق أحد الحلول لمشكلة قد تواجه المرأة تعكر صفو الحياة.
وتضيف: تحاول المرأة بعد الطلاق جاهدة أن تثبت لمن حولها أنها غير فاشلة وقد تريد أن تثبت لزوجها الذي أعاق تفكيرها وأداءها في أثناء الزواج أنها ما زالت قادرة على العطاء، ومن هنا تريد المرأة أن تثبت ذاتها ووجودها، فهي قد تتجه للدراسة حتى تفرض نفسها وتثبت نجاحا دراسيا تثبت به ذاتها، أو تتجه للعمل حتى تؤمن نفسها اقتصاديا أو لتأمين مستقبل أبنائها.. بهذا البحث عن النجاح تستطيع المرأة أن تتغلب على أزمة الطلاق بل تفرض على من حولها احترامها.
تجاوز الأزمة
وتتفق الخبيرتان على ضرورة أن تعتبر المرأة المطلقة حياتها قد بدأت من جديد وعليها استكمال ما فاتها وتأهيل نفسها (مثل التوجه لدراسة الكمبيوتر واللغات) وتعلم أن الطلاق قد ثقلها خبرة في الحياة وأن هناك دائما فرصة أفضل لاختيار شريك حياة جديد كما ترغب هي، وأن تحاول أن تشارك في العمل الاجتماعي حتى لو كان بشكل تطوعي لأن ذلك سيجعلها تكون علاقات اجتماعية جديدة، فعلى المرأة ألا تقبل أي شيء إلا من خلال التفكير السليم والمنطقي، عليها ألا تتأثر بنظرة المجتمع وتعامله معها على أنها حالة خاصة بسبب ظروفها الاجتماعية، وعليها إثبات ذاتها حتى تفرض على المجتمع تقييمها حسب شخصيتها وعملها.. أما الاهتمام الزائد بأبنائها ورعايتها لهم أفضل مما كانت قبل الطلاق ونجاحهم فهو الدليل الأكبر على نجاحها هي شخصيا.