![]() |
قـبـل أن يـقـع الـطـلاق " الـطـرق العـلاجية والسـحـرية " بمنتداكم فقط
بسم الله الرحمن الرحيم " الـطـرق العـلاجية السـحـرية " صفحة (( 1 )) يقرر الإسلام أنه لا يصح شرعاً الاتجاه إلى الطلاق لأسباب يمكن علاجها أو يمكن أن تتغير في المستقبل أو تحول دون استقرار الحياة الزوجية على وجه. حتى الأمور التي تتعلق بعاطفة الزوج نحو زوجته أو بكراهية لها ولبعض أحوالها لا يعدها الإسلام من مسوغات الطلاق. فلا يستحسن أن يفكر الأزواج في الطلاق لمجرد تغيير عاطفتهم نحو زوجاتهم أو طرق كراهية لهن أو لمجرد عدم ارتياحهم إلى بعض أحوالهن وأخلاقهن التي ليس فيها ما يمس الدين أو الشرف لأن هذه العواطف متقلبة ومتغيرة ولا يصح أن تبنى عليها أمور خطيرة تتعلق بكيان الأسرة ومصيرها. وبغيض الإنسان قد يصبح حبيبه يوماً ما(1), والزوج إن كره من زوجته خلقاً رضي منها آخر. كما جاء في الحديث : "لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"(2) ومعنى لا يفرك : لا يبغض. أي لا ينبغي أن يبغض الرجل زوجته لخلق واحد لا يعجبه منها ويتغاضى عما بها من أخلاق أخرى فاضلة تعجبه. وقد جاء على لسان الشاعر: [poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="black" bkimage="" border="double,6,black" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"] إذا أنت لم تصبر مراراً على القذى *** ظمأت وأي الناس تصفو مشاربه[/poem] ولحرص الإسلام على الوفاق بين الزوجين خاطب الله عز وجل الأزواج وأرشدهم إلى أن يغضوا نظرهم عن الهفوات التي تصدر من زوجاتهم, وإن في الصبر عليهن وتحمل أخطائهن رضي الله عز وجل قال تعالى: < فَإن كَرِهْتُمُوْهُن فَعَسَى أنْ تَكْرَهُوْا شَيْئاً وَيَجْعَل الله فِيْه خَيْراً كَثِيْراً > ومن الحكايات الطريفة التي تروى في هذا الصدد أن رجلاً جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستشيره في طلاق امرأته, فقال عمر؛ لا تفعل, فقال: ولكني لا أحبها, فقال له عمر: ويحك ألم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية والتذمم؟ يقصد سيدنا عمر أن البيوت إذا عز عليها أن تبنى على الحب فهي خليقة أن تبنى على ركنين آخرين شديدين, [SIZE="4 "] أحدهما الرعاية التي تبث المراحم في جوانبها ويتكافل بها أهل البيت في معرفة مالهم وما عليهم من الحقوق والواجبات. وثانيهما: التذمم والتحرج من أن يصبح الرجل مصدراً لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقوة الأولاد وما قد يأتي من وراء هذه السيئات من نكد العيش وسوء المصير. وقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك للزوجين أمور خلافاتهما ليسويانها بينهما إلا إذا طلبا من أهلهما ذلك. " فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة رضي الله عنها فلم يجد علياً (رضي الله عنه) فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: كان بيني وبينه شي فغاضبني وخرج. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لرجل انظر أين هو؟ فقال: هو في المسجد راقد فجاءه وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا أبا تراب" قال سهل: و ما كان له اسم أحب إليه منه. فأنت ترى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن سبب الخلاف بل ذهب إلى زوج ابنته يداعبه ليستل من نفسه كل أسي أو غضب. وهذا معنى الحديث الآخر: (لا يسأل الرجل فيم ضرب زوجته)(3). إذا قد يحدث أن يضرب رجل زوجته ويتدخل بعض الغرباء للصلح فيخجل من ذكر الحقيقة كل من الزوجين وقد يفتري كل منهما قصة من خياله لم تكن محبوكة الفصول فتتبعها أقاصيص مفتراة من الجانبين تؤدي إلى اتساع الخرق على الراقع. ولهذا كان الزوج لا يسأل عنه وإنما يسأل دوماً عن جذور المشكلة وأسباب الخلاف لا عما نشأ وتفرع منها. وسيأتي مزيد من الشرح عند قول تعالى: < والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن > وقد انتقد الشيخ محمد الغزالي في كتابه ( السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) هذا الحديث واعتبره باطلاً وتعجب قائلاً: "لماذا لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته؟ أنربي بناتنا ليذهبن إلى فحل يلطمهن أو يؤذيهن دون مساءلة في الدنيا والآخرة..! بأي منطق تتكلمون < إن الله لا يظلم مثقال ذرة < من يعمل سوءاً يجز به, ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا> ذلك في الآخرة. ومن حق المرأة في الدنيا أن تشكو ما نزل بها إلى أهلها أو الحكم الذي يمثلها أو القاضي الذي يجب أن يسأل زوجها. ولها بعدئذ أن تطلب الخلع أو التطليق للضرر(4). انتهى كلامه. والحديث بمنأى عن هذا وليس فيه ما يمنع من شكوى الزوجة لأهلها أو للحكم أو القاضي للبحث في جذور المشكلة كما ذكرنا آنفاً لا للسبب الطارئ فإن الضرب وراءه ما وراءه من الخلافات العميقة حتى أوصلت الزوج إلى استعمال هذا الأسلوب. وهذا بالنسبة للزوج المسلم الواعي الذي سلك في تقويم زوجته ما أمره الله من الوعظ والإرشاد والهجر ثم الضرب. كما سيأتي معنا. لا أولئك الأزواج الجهلة الذين يضربون زوجاتهم لأتفه الأسباب ضرباً مبرحاً دونه ضرب البهائم والحيوانات. وكان الهدف الأساسي لوضع هذا الكتاب توجيه أمثال هؤلاء إلى السلوك الإسلامي الصحيح كما جاء ذلك في المقدمة. ولو أن الشيخ انتقد الحديث (حسب طرق نقد الحديث سنداً أو متناً) فأبطله أو ضعفه كما يفعله علماء هذا الشأن والمتخصصون فيه لكان لكلامه وقع جميل ولجاء مقبولاً لدى الجميع أما أن ينقده معللاً ذلك بأنه يخالف المنطق فلعمري ليس نقداً وهو مما نخالفه فيه ولا نوافقه عليه. كما فعل في حديث (الحجاب) الذي يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه في " المرأة سفعاء الحذين" التي كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في محضر من الرجال والنساء وهي مكشوفة الوجه. واحتج بالحديث المذكور على إباحة سفور وجه المرأة أمام الجانب, وقد انتقد الشيخ العلماء وردوا عليه رداً قوياً مظهرين بطلان استدلاله (5) ولنعد إلى حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه لنأخذ منه حكمة سيدنا على رضي الله عنه إذا خرج بعيداً عن موطن الخلاف الذي ينشط فيه الشيطان للوقيعة بين الطرفين وإذكاء نارها بينهما فآثر البعد حتى تنطفئ نار الغضب كما هي تعاليم الإسلام في مثل هذا الموقف. تعاليم الإسلام في مثل هذا الموقف. وكان اختياره رضي الله عنه المسجد دون أصدقائه أو خلانه إذ المسجد أبعد أراضي الله من نفثات الشيطان ووسوسته. وليت أولياء البنات وآباءهن فعلوا مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً لعادت المياه إلى مجاريها بأسهل طريق. وليت الأزواج- أيضاً- فعلوا مثلما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاختاروا المساجد يستروحون نسائم الإيمان في خير بقاع الأرض ريثما تهدأ ثائرة الغضب. وليحاول الزوجان الإصلاح عند بوادر أي خلاف. ولتكن المبادرة من الزوج إذا الخطاب في ذلك موجه إليه. قال تعالى: <والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن >(6) فإذا لم تؤت المعاشرة بالمعروف ثمارها المرجوة ووقع خلاف بين الزوجين وعاندت الزوجة وساء خلقها لجأ الزوج إلى: أولاً: الوعظ والإرشاد: فيعظها الزوج بما يناسبها من كلام ويذكر أمثلة من واقع الحياة وتجارب الناس التي تلمسها وتعرفها ولكن نسيتها, ويذكرها بواجباتها ويخوفها من عذاب الله وغضبه في الدنيا والآخرة ويحذرها سوء العاقبة بما تفعله بمنطق العقل. واللبيب أدرى بحال امرأته, وصاحب الدار أدرى بما فيها. فإن لم يثمر الوعظ والإرشاد وجنحت إلى العصيان واستمرت فيه خطا الزوج عندئذ خطوة ثانية وهي: ثانياً التأديب. وهو ضربان نفسي ومادي: فالنفسي: التأديب بالهجر في المضجع بمعنى أنه يدر الزوج ظهره لزوجته في الفراش إشعاراً بأنه غاضب وبأن سلاح الإغراء الذي تملكه الأنثى وتعتز به- وهو أقوى صلاح وأمضاه في نظرها- لا يستعبده ولا يثنيه. فعليها أن تراجع نفسها في الاعتماد على (مضاء صلاح الأنوثة) الذي تعول عليه, وكيف أنها لم تفلح فيه. ومن الأزواج من يترك حجرة النوم أو البيت عند الغضب, وهذا خطأ منهم لأنه هجر للمضجع وليس هجراً فيه كما شرع الله عز وجل, ونص عليه في كتابه الكريم فقال: {واهجروهن في المضاجع} والذي فيه ما قد يثير الرغبة في العتاب الرقيق المضيق للهوة بينما هجر المضجع إلى بيت الأب أو الأم أو الصديق قد يدفع إلى العتاب المؤلم الموسع لشقة الخلاف إذ يجد كل من الزوجين من يصغي إليه ويميل مع هواه.والمرأة هي التي تحس بأثر هذا الهجر أكثر حين يستدبر ها وهما في فراش واحد. وهذه طرقة أدبية صامتة مؤثرة وهي وإن تكن سلبية لكن لها تأثيرات إيجابية فعالة, تجعل الزوجة تفكر جدياً في الحالة الطارئة عليهما وتعمل من جهتها على إزالتها وتفض النزاع قبل أن يكبر ويتعقد. والنوع الثاني: التأديب المادي المتمثل في الضرب. فإذا لم يؤثر في الزوجة الوعظ الجميل والعتاب الرقيق والكلام اللطيف ولم يقع الإنذار الخفيف الهادئ موقعاً من نفسها فاستمرت تثير الشجار والمتاعب على الزوج والبيت بتصرفاتها السيئة. فهذا معناه أن المرض استفحل في نفسها وأنها ليست ممن يستجيب الكلام الطيب والإنذار الخفيف بالهجر في المضاجع ولم تؤثر فيها هذه الجرعة من العلاج بل تحتاج إلى أسلوب أقوى في الردع وإلى دواء أشد تأثيراً ولذلك قال الله تعالى: واضربوهن. فإذا اضطر الزوج إلى استعمال هذه الطريقة أو بالأحرى ألجأته الزوجة إليها فلا يسرف في استعمال هذا العلاج ولا ينساق وراء غضبه فيضربها ضرباَ شديداً مؤلماً تاركاً آثاره على جسمها بل يكون الضرب بشي خفيف (7) إذ الغية منه التأديب لا التشفي والانتقام كما يحلو لبعض الأزواج الجهلة أن يفعلوه فيجاوزون بذلك الحدود المشروعة لهم ويؤدي بهم الحنق والغضب إلى السفاهة والجهالة المقيتين وتكون الزوجة المسكينة الضحية وقد قال تعالى: < ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين> ومثل هذا الزوج المنتسب إلى الإسلام ظاهراً يسئ إلى الإسلام ذاته بتصرفه المشين واعتدائه الصارخ ويفتح للآخرين باباً واسعاً للتشهير والنقد لنظام الإسلام وفيما رسم من أحكام. ــــــــــــــــــــ (1)على حد قول الشاعر: .[/SIZE]أحببْ حبيبــــــك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبــك يوماً ما (2)البخاري ومسلم. (3)أبو داود عن ابن عمر. (4)انظر الكتاب المذكور. ص 203 الطبعة السادسة. وللحقيقة أقول: إن هذا الكتاب جرأ عوام الناس أن يطعنوا في أحاديث الرسول الكريم لمجرد أن عقولهم لا تستسيغها. وما كان له أن يفعل ذلك فقد فتح باباً واسعاً للطعن في الأحاديث يصعب سده. (5)ممن رد عليه الشيخ عبد الرحمن بن عقيل في المجلة العربية التي تصدر في السعودية تحت عنوان (الداعية وهموم التخصص) أنظر العدد: 146 ربيع الأول1410هـ. وجمال سلطان في (أزمة الحوار الديني) ومحمد جلال الكشك في الشيخ محمد الغزالي بين النقد الصائب والمدح الشامت). (6)سورة النساء: الآية 34. (7)كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يضرب زوجته بالسواك إذا غضب منها طاعة لأمر الله في الآية |
صفحة (( 2 )) وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الضرب الشديد الذي يترك أثراً في الجسم فقال: "ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"(8) ومعنى هذا أن الضرب يعتبر شديد اللهجة وليس المراد منه إرواء الغليل. وهي مرحلة لا يأتيها الرجل إلا بعد تكرار الغلط الذي لا يمكن الصبر عليه. وقد شرع الخالق الحكيم الضرب وسيلة للتقويم لصنف من الناس إذ من المعلوم أن طبائع البشر ليست واحدة بل هم معادن (9) فبعضهم تؤذيه الإشارة أو يقض مضجعه الإعراض عن الكلام معه وعن التبسم المعتاد, والنساء من البشر وعن هذا النوع الحساس من النساء نص الفقهاء على أن للمرأة أن تطلب الطلاق أو الفراق لمضارة زوجها بالإعراض عن كلامها وإشاحة وجهه عنها فليكن الزوج مع هذا النوع من النسوة الكريمات الحساسات كريماً حساساً. ويكفي الزوج إذا خاف تعالى زوجته عليه وعلى معيشته وخشي نشوزها أن يشعرها بغضبه عليها بما بشعر به عادة كالإعراض عن التجاوب معها في الكلام. ويتنوع العلاج معها بحسب معدنها وبيئتها وتربيتها ابتداءً من العتاب المؤثر الذي يرضي نفسها وأنوثتها لعلها ترضى وتهدأ وتستقيم إلى الالتجاء إلى علاج آخر وهو الهجر في المضجع فإن لم يثمر معها هذا العلاج أو ذاك لا ييأس ولا يفكر الزوج في طلاقها بل يعطيها جرعة أقوى وهي الضرب المناسب لنفسيتها, وليكن خفيفاً أو ثقيلاً قليلاً بحيث لا يوقعه في مشكلة أقوى ومعضلة أشد. وهذا هو الشي المعقول والمقبول إذ النساء لسن على طبيعة واحدة كما أسلفنا, ولذلك كان العلاج متغيراً ليناسب كل حالة. وقد يعترض بعض النساء من ذوات الإحساس الرقيق والخلق الرفيع والشعور المرهف على الضرب. نقول لهؤلاء ونطمئنهن إلى أن الضرب ليس لأمثالهن, فهن أرقى وأفضل وإنما هو لغيرهن من ذوات الإحساس البليد إذ قد تكون هناك نساء شواذ لا يردعهن إلا مثل هذا ولا يصلح لعلاجهن إلا الضرب. ومن حكمة الخالق سبحانه أنه جعل الدواء متغيراً ليناسب كل حالة, وليسكن الفتنة ويقضي على تمرد الزوجة. والضرب وإن كان مباحاً شرعاً غير أن العلماء اتفقوا على أن الأفضل تركه لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولن يضرب خياركم"(10) كل هذا من أجل دوام العشرة الزوجية وعلاج الأمراض الناشئة فيها, فإذا صح العلاج ونفع الدواء فلا يجوز للزوج أن يتصرف تصرفاً سيئاً يضر كليهما. قال تعالى: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً( (11) فتذكروا أيها الأزواج قدرة الله عليكم في الدنيا وحسابه الدقيق في الآخرة إن أسأتم التصرف. قال تعالى: )من يعمل سوءاً يجز به, ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً(. وقوله جل وعلا )إن الله لا يظلم مثقال ذرة(. وقد جاء في الحكم والأمثال: (الضرب علاج مر قد يستغنى عنه الكريم الحر). وبالرغم من كل هذا فإن الإسلام يأمر الأزواج بحسن المعاملة وإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فالوعظ والإرشاد والهجر في المضجع والضرب غير المبرح هو منهج القرآن الذي تلخصه الآية الكريمة التالية: قال تعالى: (والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً) (12) ومعنى الآية: واللاتي تخافون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعة الأزواج فعظوهن واهجروهن في المراقد, واضربوهن ضرباً غير شائن. والأمور الثلاثة من الوعظ والهجر في المضجع والضرب مرتبة ينبغي أن يدرج فيها. (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً)أي وأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا منهن كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. (13) (إن الله كان علياً كبيراً)تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. ولعل أخبث ما يتخذه أعداء الإسلام ذريعة للطعن والتشهير بالإسلام زعمهم أن الإسلام أهان المرأة حين سمح للرجل أن يضربها ويقولون: كيف يسمح الله بضرب النساء وكيف يحوي كتابه هذا النص (فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوه )؟. أ فليس هذا اعتداء على كرامة المرأة وإنسانيتها..!؟ نقول في الجواب: إن هذا الأمر علاج, والعلاج إنما يحتاج إليه عند الضرورة فإذا سارت المرأة خلف الشيطان وانقادت له وأساءت عشرة زوجها ولجت في غيها وضلالها (وركبت رأسها) غير مقدرة للعواقب ولا بالنتائج. فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحالة؟ أيهجرها أم يطلقها أم يترك لها الحبل على الغارب تفعل ما تشاء..!؟ لقد أرشد القرآن الكريم الزوج إلى اتخاذ الطرق الحكيمة في معالجة هذا النشوز والعصيان فأمر بالصبر عليها وتحملها ما أمكن ووعده الله بالأجر والثوب العظيمين يوم القيامة فإذا نفذ صبره فبالوعظ والإرشاد فإذا لم يفلح فبالهجر في المضجع فإذا لم تجد كل هذه الوسائل فلا بد من استعمال أقوى الأدوية فعالية وأشدها أثراً. ولا شك عند كل ذي عقل أن الضرب الخفيف أقل ضرراً من إيقاع الطلاق لأن الطلاق هدم لكيان الأسرة وتمزيق لشملها فيدفع الضرر الأشد بالضرر الأخف ( وعند ذكر العمى يستحسن العور) كما جاء في الأمثال. ومع هذا فإن الضرب ليس إهانة للمرأة كما يتصورون وإنما هو طريق من طرق العلاج ينفع في بعض الحالات مع تلك النفوس الشاذة المتمردة التي لا تفهم الحسنى ولا ينفع معها الجميل. والعبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة وإن من الناس من لا يقيم عوجه إلا التأديب ولا يصلح عوده إلا العقوبة البدنية. ومن أجل هؤلاء وضعت العقوبات وشرعت التعزيزات وفتحت السجون, والعجب من بعض مقلدة الأجانب في آدابهم وتفكيرهم كيف يستكبرون مشروعية ضرب المرأة الناشز ولا يستكبرون نشوزها وترفعها عليه فتجعله – وهو رئيس البيت- مرؤوساً بل محتقراً وتبلغ الوقاحة ببعض الزوجات أن يضربن أزواجهن وتصر الواحدة منهن على نشوزها ولا تبالي بإعراضه وهجره وتضرب بكل ذلك عرض الحائط. فماذا يقول هؤلاء في مثل هذه الحال..!؟ وليعلم هؤلاء أن الضرب لا يلجأ إليه إلا عند فساد البيئة وغلبة الرذائل فإذا رأى الرجل البصير أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه فعل. أما إذا صلحت البيئة وشاع في جنبات المجتمع الفضائل وصار النساء يعقلن النصيحة ويستجبن للوعظ أو يزدجرن بالهجر استغني عن الضرب. فلكل حال حكم يناسبها في الشرع. ونحن مأمورون –على كل حال- بالرفق بالنساء وقد قال صلى الله عليه وسلم "ولن يضرب خياركم". فالضرب علاج لبعض الحالات الشاذة. فمن النساء من تؤثر فيها الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ومنهن من تكون عاطفية تتأثر بالهجر ومنهن من لا تأتي إلا بالعصا. فإذا لم تنصع الزوجة لزوجها بالرغم من المراحل المتقدمة واستمرت على عنادها جاءت المرحلة الثالثة وهي التحكيم. ثالثاً التحكيم: إذا اشتد الخلاف بين الزوجين ولم يستطيعا أن يصلحا ما بينهما بنفسيهما ويحققا الوفاق وبسائلهما الخاصة أوجب الإسلام أن يعرضا أمرهما على مجلس عائلي يتكون من حكمين حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة ليبحثا أسباب الخلاف ويعملا جهدهما على القضاء على مثيراته و بواعثه ويوفقا بين رغبات الزوجين حتى يحل الصفاء والوئام محل النفور والخصام. وليس من الضروري أن يحدث الشقاق بالفعل للقيام بهذا التحكيم بل عند مجرد الخوف من حدوثه أي عند بوادر تنذر به ولا يمكن للزوجين القضاء عليه بوسائلهما الخاصة. وفي هذا يقول الله تعالى: <وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما>(14) وهذا بيان علاج ما إذا كان النفور من الزوجين معاً. ______ (8)كما في السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري. انظر تفسير ابن كثير: 492:1 (9)جاء في الحديث (الناس كمعادن الذهب والفضة) انظر المقاصد الحسنة للسخاوي. (10)رواه البيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنه. وانظر آيات الأحكام للصابوني. (11)سورة النساء: الآية 34. (12)سورة النساء: الآية 34. (13)انظر تفسير القاضي البيضاوي وابن كثير. (14)سورة النساء: الآية 35. |
راااائع ومميز بارك الله فيك يثبت بكل تقدير احترامي |
جزاك الله الف خير
|
بارك الله فيك وجزاك خير
|
بارك الله فيك وجزاك خير
|
ما شاء الله موضوع متكامل ومفيد جدا
الله يجزاك خير |
موضوع مميز حقا
وإن الطلاق الذي يكون بأن الزوج لم يحب زوجته وهي لم تقصر في حقة من أكثر الأشياء المحزنة للمرأه إذ أنها تعمل لإسعاده وإرضاءه وفي أغلب الأحيان طاعته تكون صعبه للمرأه لكنها تعمل هذا لله ولإسعاده .. وفي الأخير .. (((((((((((((أنا لا أحبها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)))))))))))))))))) ألم تتوقع أخي ما هي الآثار المترتبة على ذلك ؟؟؟ ألأم تفكر في شعور تلك المرأه التي ياكم تحملت الأذى وكم سهرت وكم تعبت وكم أخفت دمعتها عن عينك وهي تسمع الاهانات منك ومن أهلك صابرة صامدة جعلتك بفضل الله تركع وتسجد وتذكر وتسبح توقضك لصلاة الفجر تذكرك بالتسبيح و التهليل و التحميد تذكرك دائما بفضل والديك عليك تذكرك بالقرآن الكريم وفي الآخر ((((((((((((((((أنا لا أحبها))))))))))))))) و الله رصاصة في قلبي أهون على نفسي من سماع هذه الكلمة ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل |
اشكركم على القرآءة والاشادة لا حرمتم النفع بها تحياتي |
الصفحة (( 3 )) فإذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم, فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من قوم الرجل وثقة من أهل المرأة ليجتمعا فينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه ا لمصلحة مما يريانه من التوفيق أو التفريق. وتشوف الشارع إلى التوفيق ويعرف هذا من قوله تعالى: <إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهم> قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله عز وجل أن يبعث رجل صالح من أهل الرجل ومثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسي فإن كان الرجل هو المسي حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة. وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة. فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز. فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض ولا يرث الآخر.(15) والحكمة من قصر الحكمين على ذوي القرابة دون الغرباء واضحة إذ إن الشقاق قد تكون أسبابه مما يستحيا من ذكرها للغرباء فتجهل العلة عندئذ ويستعصى العلاج. يقول الزمخشري: "وإنما كان الحكمان من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح, وإليهم تسكن نفوس الزوجين ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإدارة الصحبة والفرقة وموجبات ذلك ومقتضياته وما يزويان عن الأجانب ولا يحبان أن يطلعوا عليه". وفي الآية الكريمة لطيفة دقيقة وهي أن الله تعالى لم يذكر فيها إلا الإصلاح. فإن في التفريق خراب البيوت, وفي التوفيق الألفة والمودة والرحمة. وغرض الإسلام جمع القلوب على المحبة والوئام. (16) يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي معلقاً على اعتداد كل من الزوجين بنفسه: "إن كل طرف يحرص على كرامته فلا يخطو إلى الآخر, لذلك يهئ الله طرفاً ثالثاً يصبح ستاراً للمتخاصمين. وقد يقول أحد طرفي الخصومة لو لا تدخل فلان ( الطرف الثالث) لما تم الصلح. ولعل الحكاية الطريفة التالية تعطي الصورة والواضحة لغرور البشر. يحكى أن رجلاً تخاصم وامرأته التي يحبها وتحبه. وعز على كل منهما إزالة الجفوة حيث تمسك الرجل بموقفه والمرأة بموقفها وطال الوقت عليهما ومع طوله يزداد شوق كل منهما إلى الصلح. والكبرياء ترفع الخصومة في الظاهر وتخفي الشوق في الباطن. ويحدث أن يجلس الرجل في غرفته المغلقة والمرأة في حجرتها فأرادت المرأة أن تعرف حال زوجها فسارت على أطراف أصابعها إلى حجرة زوجها فوجدت زوجها رافعاً يديه إلى السماء يدعو الله متوسلاً: يا رب اجعل زوجتي تأتيني لتصالحني, وفرحت المرأة أكثر عندما سمعت زوجها يستغيث بأولياء الله ويقول: يا سيدة زينب لك عندي نذر (17) قدره كذا وكذا إذا صالحتني زوجتي, وكان قلب المرأة يزداد فرحاً كلما سمعت توسل زوجها فلم تطق صبراً فذهبت إلى حجرتها ولبست أجمل ملابسها وسارت بخطوات فيها خجل واستحياء وكأن هناك من يدفعها إلى غرفة الزوج دفعاً وهي تهمس بصوت مسموع لماذا تجبريني يا سيدة زينب على الصلح معه...! وهكذا نرى أن التبجج بالسيدة زينب إنما هو ستار للحب.والحكاية على طرافتها تبين بوضوح كيف أن كل طرف في الخصام يحب بأن يتدخل طرف ثالث" (18) وإذا رأى الحكمان من دراسة الأحوال –بعد بذل الجهد في جمع الشمل- أن استمرار الحياة الزوجية لا يعني إلا استمرار الآلام فالفراق هو الحل وفيه الراحة على أن يكون فراقاً بالمعروف ينهى الخصومة ولا يزرع مشكلات جديدة تسقى في دهاليز المحاكم. قال تعالى <وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته> (19) أما إذا رأت المرأة من زوجها إعراضاً عنها أو خافت منه أن ينفر عنها فلها أن تسقط حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه إن كان هذا يرضي زوجها, وله أن يقبل ذلك فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ولا عليه في قبوله منها. قال تعالى: <وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا> (20)والصلح خير من الطلاق كما جاء في الآية الكريمة. وتشير الآية الكريمة أيضاً أن الشح طبع في النفوس فقد جعلت حاضرة له مطبوعة عليه فتجد المرأة تشح نفسها ولا تسمح بحقوقها التي لها قبل الرجل وترى الرجل شحيحاً لا يجود بحسن العشرة وطيب المعاملة, هكذا جبلت النفوس وعلى هذا طبعت كما يقول خالقها. لكن الله تعالى جعل الفلاح من نصيب أولئك الذين يخالفون شح نفوسهم ويقونها شر الوقوع فيه فقال: <ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون> ومن هذا ما فعلته أم المؤمنين –سودة بنت زمعة- رضي الله عنها حين تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنها عندما أحست بميل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تطليقها بعد أن كثرت أعباؤه فخشي أن يقصر في حقوقها فتنازلت عن حق مبيته عندها مؤثرة أن تبقى في عداد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فتم صلحها على هذا- ونعم ما فعلت(21). ومن الصور التطبيقية في هذا الجانب ما فعلته إحدى النساء حين رأت زوجها غاضباً لأن والدها لم يأت بستائر للمنزل في جهازها فقالت لزوجها حين وجدته غضبان "لا تغضب فهذه أسورتي بعها واشتر بجزء من ثمنها الستائر التي تعجبك فإن بقاء الأسرة خير من بقاء الأسورة". فما أحرى الأولياء والأزواج أن يعملوا جاهدين للوفاق والاتفاق دون أن تكون الأموال من ذهب وفضة وأثاث وعقارات وبنايات سبباً للشقاق وافتعال المشكلات ثم الفراق فإن بقاء الأسرة خير من بقاء الأسورة وليتقوا الله الذي يعلم السر وأخفى. ولنتوسع قليلاً في معنى الآية السابقة فإن التعقيب بقوله سبحانه:<وأحضرت الأنفس الشح>هو في اصطلاح علماء البلاغة كناية عن البخل وهو صفة من صفات الإنسان رجلاً أو امرأة لذلك دعانا القرآن الكريم للتخلص من سلطانه الذي يضعف العلاقات الاجتماعية. ولهذا البخل صور كثيرة. فقد يكون الشح في الزوج فعلى المرأة أن تكون هي الكريمة فلا تعامله بالمثل. وقد يكون في الزوجة فيوصيها القرآن بأن تتخلص من سلطانه لأن الطلاق بيد الزوج لا بيدها. وعليها أن تقطع على الزوج طريق الطلاق الذي تزينه له الماديات. وليس من خلق العاقلة أن تعقد بين حين وآخر مقارنة بين زوجها وبين غيره ممن هو أكرم وأسخى فتتعب نفسها وأولادها. وقد حدث أن أولاداً استشعروا من موازنات كانت تعقدها أمهم بين أبيهم وبين زوج أختها فرأوا فارقاً كبيراً فأصبحوا يتمنون الموت لأبيهم كي يستمتعوا بما جمعه من ثراء فلتحذر كل أم من أن تفعل هذا. وقد يكون الشح شحاً بعواطف الخير وحبه للآخرين وهو الحسد المذموم إذ يكره بعض الرجال أو النساء أن يروا زوجين سعيدين فيزيدون النار اشتعالاً إذا اشتركوا في إصلاح بين متخاصمين. ولذلك نبه الحق سبحانه وتعالى إلى ما ينجم من طبيعة البخل بالمال أو بالعاطفة والتمنيات الطيبة من عواقب وخيمة, وذكر (الشح) بعبارات مطلقة وإن كان المقام مقام ذكر شح المرأة بحقوقها التي لها عند الزوج من نفقة أو مهر أو م سكن أو (مبيت) لأن العموم مقصود كالخصوص الذي نزلت فيه الآية الكريمة سواءً بسواء. فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وإذا كان التعقيب من الله سبحانه وتعالى بقوله: <وأحضرت الأنفس الشح>عند الحديث عن حكمين من أقارب الزوجين فكيف يكون الأمر في الأباعد..!؟ فما بالنا نشركهم في الصلح ونقيمهم مقام الحكمين وهم لا يمتون إلى الزوجين بصلة ممن يسمون بـ (الخبراء) في إصلاح الأسرة. إنهم قوم يتلهون بأعراض الناس وأسرار العائلات.(22) الطلاق لمرة واحدة: "فإذا لم تجد كل الوسائل والأسباب المتقدمة فلا مندوحة عندئذ من الطلاق إذ (آخر الدواء الكي). حيث لا يمكن أن يجبر مثل هذين على أن يعيشا زوجين وأن يكونا عضوين فاسدين في شركة الزوجية فإن بقاءهما معاً يحيل الحياة الزوجية إلى جحيم. وليس الغرض من الزواج أن يجمع بين قطبين سالبين في مكان واحد أو يجمع بين اثنين كل منهما يضمر شراً للآخر وينغص عليه حياته ويتفنن في الكيد له والأولاد يتفرجون عليهما. والشركة إذا تعادى فيها الشركاء وعمل كل عضو على إفساد مجرى الحياة فيها ثم أخفقت كل المحاولات لرأب الصدع كان من الضروري فضها وإنهاؤها حتى لا تتعرض لخسارة أكبر أو للإفلاس. فليس من الطبيعي إذاً أن نرغمهما على استمرار الحياة الزوجية ولا سلطان لعقد الزواج عليها, وتتصرف الزوجة كما تشاء ثم إذا جاءت بولد كان من طبيعة العقد القائم أن تنسبه إليه والزوج يعلم من أين جاء وهي كذلك تعلم. كما أن الزوج يتصرف حسب ما تمليه عليه شهوته ويعيث فساداً في نساء الناس وبناتهم لأنه محروم من زوجته فإذا حرم أيضاً من الزواج الشرعي فإنه سيجد العذر في مثل هذا التصرف, وإن لم يكن معذوراً فيه...! إن الأمر الطبيعي بعد بذل كل الجهود للإبقاء على الحياة الزوجية ثم إخفاقها أن يعالج الوضع أو الصدع بالطلاق لمرة واحدة وتكون المرأة خلال العدة في بيت الزوج لعله يراجعها. وفي هذه الحال يفضل الإسلام أن يراجع الزوج زوجته ويعود كل منهما للآخر ولذلك اعتبر هذا الطلاق رجعياً إذ يجيز أن يراجع زوجته بكلمة أو فعل يدل على ندمه, ويعيد للزوجة اعتبارها وبقاءها كأن يقول (راجعت زوجتي) أو يعاشرها معاشرة الأزواج – عند فريق من الفقهاء- على أن تكون المراجعة خلال مدة معلومة قدرها الشرع بثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات أو نحو ثلاثة أشهر هلالية ولا يشترط فيه رضي الزوجة ولا الإشهاد وله أن يراجعها حتى بعد هذه المدة ولكن بعقد ومهر جديدين , ,أي مهر- مهما كان- كاف في صلاحية العقد, ويعود كل منهما للآخر ويستأنفان حياة جديدة بعد هذه الهزة التي لا بد أن يستفيدا منها ويتعقلا" (23) الحقوق المالية والاجتماعية المترتبة على الطلاق: وقد رتب الإسلام على الطلاق من الناحيتين المالية والاجتماعية نتائج خطيرة وأبقى بسببه على كاهل الزوج أعباء ثقيلة من شأنها أن تحمل الزوج على ضبط النفس وتدبر الأمر قبل الإقدام على الطلاق. فقد قرر أنه يجب على الزوج إذا طلق زوجته أن يوفيها مؤجل صداقها ويقوم بالنفقة عليها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ما دامت في العدة إذ تكون أثناءها في بيته. وتكون حضانة أولادها الصغار لها ولقريباتها من بعدها كأمها مثلاً حتى يكبروا كما أنه يقوم بالنفقة على أولادها وأجور حضانتهم ورضاعتهم في مرحلة الحضانة حتى لو كانت الأم نفسها هي التي تقوم بذلك. قال تعالى: <فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن>(24) ________________ (15)انظر بن كثير: 423:1. (16)انظر: آيات الأحكام: محمد على الصابوني ج:1: 468. (17)النذر لا يكون إلا الله ولكن يوهب ثوابه. وقد أوردنا الحكاية كما هي للأخذ بمغزاها دون الحكم الشرعي. (18)انظر: تربية المسلم للشعراوي. بتصرف. (19)سورة النساء: الآية 128. (20)سورة النساء: الآية 128. (21)انظر تفسير ابن كثير. والتفسير والواضح لمحمود حجازي. (22)انظر التصور الإسلامي للمرأة. عبد المتعال الجبري. بتصرف. وكتاب أحكام الأسرة للشلبي وبداية المجتهد لمحمد بن رشد القرطبي وسبل السلام شرح بلوغ المرام للعسقلاني. (23)انظر الإسلام والغرب وجهاً لوجه. د. عبد المنعم النمر. بتصرف. وكتاب أحكام الأسرة للشلبي وبداية المجتهد لمحمد بن رشد القرطبي وسبل السلام شرح بلوغ المرام للعسقلاني. (24)سورة الطلاق: الآية: 6. |
الصفحة (( 4 )) الطلاق السني والبدعي: (25) 1-السني: هو الطلاق الذي يوقعه الزوج في طهر لم يحدث في أثنائه اتصال بين الزوجين. ذلك أن الطهر هو فترة كمال الرغبة في المرأة, ولا يقدم الرجل على طلاق امرأته في فترة كمال رغبته فيها إلا لشدة الحاجة إلى الفرقة. وفي ذلك دليل على قيام حالة خطيرة تستدعى الطلاق يقول الله تعالى في هذا: <يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة> (26)أي طلقوهن في إقبال عدتهن –أول مرحلة فيها- وذلك لا يكون إلا في طهر لم يمسها فيه لأن الحيض أو الطهر الذي يمس الرجل فيه المرأة لا يحسب من العدة. روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: "مره فليراجعها فليمسكها حتى تطهر ثم إذا شاء أمسكها بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" (27) 2-البدعي: فإذا أوقع الزوج الطلاق على غير الوجه المذكور فهو مخالف للشرع وهو المسمى ( طلاق بدعة) لأنه مخالف للسنة بالإجماع ويشير القرآن الكريم إلى تفضيل المراجعة والإبقاء على الزوجين فيقول:{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً} فوصف الرد بأنه إصلاح لما حدث. وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول تعالى: )يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه( (28) ويختم الآية بقوله {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} وهذا يشير بوضوح على أن الله تعالى قد شرع الطلاق في أول العدة وشرع أن تظل المرأة من بعده في منزل الزوجية طوال مدة عدتها ليمنح بذلك فرصة طويلة للزوج للتأمل ولتكثر بواعث الرجعة والرغبة ودواعي الإبقاء على الزوجية, فلعل الله يحدث أمراً بعد ذلك فيرجع الزوج عما أبرمه ويراجع زوجته. وقد أباح الشرع للزوج أن يترك زوجته حتى تبلغ أجلها وتنقضي عدتها فتطلق منه طلاقاً بائناً ( وهي البينونة الصغرى) وحتى بعد ذلك يظل الشرع الإسلامي حريصاً على الإبقاء على الزوجية وعلاج ما حدث فيجيز للزوج أن يعيد زوجته إلى عصمته ولكن برضاها في هذه المرة وبعقد ومهر جديدين. أي أن المرأة لو رفضت العودة إليه وآثرت أن تقترن بزوج آخر فإن الزوج الأول لا يملك إجبارها على العودة ولا منعها الزواج من الثاني. فإذا عادا إلى الحياة الزوجية سواء خلال العدة أو بعدها ثم تكرر الخلاف تعاد الخطوات السابقة ذاتها من إيصائهما بحسن المعاملة وتحمل أحدهما لما يكرهه من الثاني. فإذا اشتد الخلاف لجأ إلى التحكيم العائلي فإذا لم ينفع كل ذلك كان ذلك دليلاً على أن الحياة الزوجية قد أصبحت غير محتملة بين الزوجين وجاز حينئذ للزوج أن يطلق زوجته الطلقة الثالثة وهي الأخيرة وتصبح بائنة بينونة كبرى. بمعنى أنه لا يستطيع أن يرجعها إليه بعد هذه الطلقة الثالثة إلا بإجراء شديد الوقع على نفس الزوج والزوجة وهو أن تكون الزوجة قد تزوجت آخر بعد انقضاء عدتها من الأول ثم حصل الخلاف بينها وبين الثاني فطلقها باتاً طلاقها جاز عندئذ للزوج الأول أن يعود إليها بعد انقضاء عدتها من الثاني. ويجب أن يكون كل ذلك طبيعياً من غير احتيال أو تواطؤ(29). وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {لطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} إلى قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} أي بعد الطلقة الثالثة. {فإن طلقها} -أي الزوج الثاني طلاقاً طبيعياً وعادياً دون تواطؤ- وانقضت عدتها منه {فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} -اعتراض وجوابه: قد يقول قائل: ما المانع أن يراجع زوجته بعد الطلقة الثالثة كما فعل في الطلقتين الأولى والثانية؟ والجواب: لو أبحنا له أن يعود إلى الزوج منها بعد طلاقها للمرة الثالثة ثم يعود فيطلقها حين يختلفان ثم يعود فيراجعها لكان ذلك عبثاً في الحياة الزوجية واستمراراً لتعاسة الأسرة وشقائها إلى ما لا نهاية.كما كان عليه الطلاق في الجاهلية(30). إذاً فلا بد من حد يقف عنده الطلاق وقد قدره ا لشارع بثلاث لأنه أول حد الكثرة تخفيفاً لعذاب الزوج والزوجة والأولاد على السواء. والحكمة من اقترانها بزوج آخر هي: "أن زواج المرأة من زوج آخر ثم عودتها إلى زوجها الأول أمر شديد الوقع على نفس كل من الزوج والزوجة وهو مما تنفر منه النفوس الكريمة والأبية فكان إباحة عودتهما إلى الحياة الزوجية بعد الطلقة الثالثة لا يقدم عليها الزوج وهو يعلم ما وراءها من حكم قاس تشمئز منه نفسه إلا وقد يئس نهائياً من استمرار حياته معها" (31) تلك هي أهم مبادئ الطلاق وخطواته في الإسلام وهو كما قد رأيت حريص كل الحرص على ألا تنقطع الحياة الزوجية لأول خلاف يقع بينهما بل إن الإسلام قد وفر فرصاً لهما للهدنة بينهما يستطيعان خلالها إصلاح ذات بينهما- إن أراد الإصلاح والعيش معاً في حياة هانئة مستقرة-. يقول الدكتور عبد المنعم النمر تعليقاً على الطلقة الثالثة التي تعني الافتراق النهائي: "فإذا وقعه الافتراق النهائي وانقضت عدتها فإن لها أن تبحث عن زوج وهو الآخر يبحث عن زوجة ليستأنف كل منهما حياة جديدة وتجربة جديدة يرجوان منها الخير كل الخير كما يقول الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} فتحصن هي نفسها وتصونها بزوج شرعي آخر, ويحصن هو أيضاً نفسه بزوجة شرعية أخرى, ويعيش كل منهما حياته الجديدة طاهراً بعيداً عن معصية الله وينجبان الأولاد الحلال وبعد هذا لا عذر له أو لها إن وقع أحدهما في معصية أو لوثا المجتمع بسوء سلوكهما, وقد فتح الله لهما الباب على هذا النحو الطاهر حتى لا يرزء المجتمع بأولاد غير شرعيين نتيجة التعنت في إبقاء عقد الزوجية قائماً رغم أنفهما ومنعهما من الطرق الطبيعي للانفصال والبحث عن شريك يمكن التفاهم معه والعيش بجواره وإقامة أسرة طاهرة". ولنجع حجة الإسلام الإمام أبا حامد الغزالي يحدثنا عن هذه المرحلة مرشداً وناصحاً يقول رحمه الله تعالى: "ثم ليراع - أي الزوج المطلق - أربعة أمور: "لأول: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه. فإن الطلاق في الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه بدعي حرام- وإن كان واقعاً- لما فيه تطويل العدل عليها فإن فعل ذلك فليراجعها كما في حادثة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر بعد الرجعة طهرين لئلا يكون مقصود الرجعة الطلاق فقط. "الثاني: أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة. وإذا طلق ثلاثاً فلربما ندم فيحتاج عندئذ إلى أن يتزوجها آخر. وهذا فيه من الوقع الشديد على نفس كل من الزوج والزوجة الشئ الكثير." "لثالث: أن يتلطف في التعليل بتطليقها من غير تعنيف أو استخفاف وتطييب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لما فجعها به من أذى الفراق. قال تعالى: )ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره((32) "لرابع: ألا يفشي سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح فقد ورد في إفشاء سر النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها" (33). أي من أعظم خيانة الأمانة, ومما جاء في الالتزام بهذا الأدب الإسلامي الرفيع أن أحد الصالحين أراد أن يطلق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ قال: ما لي ولامرأة غيري؟. لماذا جعل الطلاق من حق الرجل وحده..؟ كثيراً ما يثير الجاهلون نظام الإسلام أو المتفرنجون هذا السؤال ويطرحونه على بساط البحث لدى أول نقاش حول الموضوع قائلين: كيف يسوغ الإسلام هذا التصرف من الرجل ويمنحه الحق في تطليق امرأته متى شاء بحيث يتحكم في مصير الحياة الزوجية بكلمة يتفوه بها دون تعقل أو تبصر بل قد تكون إثر خصام أو حالة من الغضب شديدة فيعرض بذلك حياة أسرة بأكملها إلى الشقاء والتشرد! ولماذا لا يكون ذلك من حق المرأة أيضاً أو بموافقتها على أقل تقدير؟ للإجابة عن هذا السؤال أو التساؤل نقدم بين يدي الموضوع تحليلاً على أن نذكر الاحتمالات العقلية فيه بعد ذلك فنقول: الطلاق في الأصل حق للزوج لأن نصوص القرآن والسنة أسندته إلى الرجل. قال تعالى: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم}((34) خص النداء وعم الخطاب (35) بالحكم لأنه صلى الله عليه إمام أمته فنداؤه كندائهم, تشريفاً له وتعظيماً وتعليماً لأمته وتنبيهاً بأن المسلم إذا أراد أن يطلق فله ذلك ولكن عليه أن يراعي الوقت الذي يطلقها فيه فلا يطلقها إلا في طهر لم يجامعها فيه فإن فعل فعليه أن يحصي الوقت ويضبط أيام العدة ليعرف وتعرف انتهاء عدتها وانفصام عرى الزوجية بينهما. والإسلام وإن جعل الطلاق سلاحاً في يد الرجل إلا أنه أمره أن يستعمله في أضيق حدوده ولا يشرعه إلا إذا كان لا تبد منه فهو كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم "أبغض الحلال إلى الله" وروي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تطلقوا النساء إلا من ريبة - أي بسببها- فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين والذواقات" (36) أي أن يطلقها ليتزوج غيرها. ________________ (25)السني ما لا يحرم وقوعه والبدعي ما يحرم, هذا حكماً أما تعريفاً فالسني هو طلاق المدخول بها وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة. والبدعي: طلاق المدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيها ولم يتبين حملها. كفاية الأخيار ج:88:2 تقي الدين الدمشقي. (26)سورة الطلاق: الآية 1. (27)البخاري ومسلم. (28)سورة الطلاق: الآية 1. (29)إنما يفعله بعض الناس من الحيل لإعادة المطلقة ثلاثاً إلى زوجها الأول من تواطؤ بين الزوجة المطلقة ورجل آخر على الزواج منها ليلة واحدة أو عدة ليال ويشترطون عليه طلاقها ليحللها لزوجها الأول أمر حرمه الشرع, وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل إذ من شروط صحة الزواج الديمومة وأي توقيت يلغيها. وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له" أحمد والترمذي والنسائي. الجامع الصغير للسيوطي. (30)انظر: الطلاق عند العرب في الجاهلية. ص 13 (31)انظر: المرأة بين الفقه والقانون. (32)سورة البقر: الآية 236. (33)مسلم. (34)سورة الطلاق: الآية. (35)أي النداء للنبي صلى الله عليه وسلم خاص به والحكم لأمته عامة. (36)الطبراني في الكبير. |
جزاك الله خيرا
|
شكرا على الموضوع الرائع جزاك الله خير تحياتي |
ختام لولو شكراً على التفاعل والمرور تحياااتي |
الصفحة ((5)) وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق" (37) هذا الطلاق المبغوض إلى الله تعالى لا يجوز أن يوقعه الزوج في حالة تزداد فيها ضرر المرأة وعليه أن يتقي الله عز وجل في آمال المرأة إذ ربما كان لها أطفال. فهذه النصوص صريحة كل الصراحة في أن الطلاق من حق الزوج. وليس ذلك غبناً للمرأة بل هو حفاظ عليها واحترام للرابطة الزوجية لأن الشارع الحكيم الذي أوجب المهر على الزوج وجعله مسؤولاً عن الأسرة يسعى من أجلها ويقوم بواجباتها. والرجل بطبيعته أضبط لنفسه وأصبر على ما يكره من المرأة فيكون بذلك أحرص على بقاء الزوجية لما يتحمله من نفقات وتجنباً للتبعات المالية التي تلحقه بسبب الطلاق من مؤخر صداق ونفقة العدة, ومن مهر جديد ونفقات كثيرة إذا ما رغب في التزوج مرة أخرى. من خلال ما تقدم بدا لنا أن الرجل له الكفة الراجحة إن لم تكن الوحيدة في الإنفاق والولاية العامة. واقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون هو القوام على الأسرة مسؤولاً عنها. ومن المعلوم في قانون الشركات المساهمة ومثيلاتها أن الذي يملك أو يسطر على أكثر من نصف رأس المال ويكون من ثم قد تحل التكاليف أكثر من المساهمين الآخرين يكون له الحسم والقول الفصل في إدارة الشركة وبقائها أو فضها وحلها. ولا يعقل أن يبذل الرجل كل ما يبذل مما لم تبذله المرأة بل كانت المبذول لها والمستفيدة من هذه الشركة وهذا العقد, لا يعقل أن نترك الأمر في فض هذه الشركة للعضو الذي لم يبذل شيئاً ونعرض عن الباذل المنفق بل العدل يقضي بان نجعل أمر هذه الشركة وقيامها لمن بذل وضحى وهو أحرص على اسمرارها من أي إنسان آخر. وليضع أي إنسان نفسه في مكان رجل آخر يدخر ويحرم نفسه أشياء كثيرة في حياته ليجمع المهر وتكاليف الزواج وتجهيز منزل للزوجية.. الخ. ثم وضعنا هذا الجهد والغرم كله في مهب الريح –في يد الزوجة- فتنزل الخسارة والحسرة بالرجل. هل يستقيم مثل هذا الوضع مع العدل الذي ينشده الجميع..!؟ إن الزوجية حين تنتقض من قبل الزوجة ستجد من السهل أن يتقدم لها رجل آخر ويدفع لها ويتكلف هو الآخر وهي تقبض وتستفيد فلا تخسر في الأولى ولا في الثانية شيئاً. وحينئذ يكون الطلاق عندها سهلاً بل مرغوباً فيه لأنها لا تحسب من العواقب ما يحسبه الرجل. والشريعة الإسلامية تعبر هذا العقد ميثاقاً غليظاً وتحيطه بهالة من الإجلال والإكبار وليس من السهل قطعه ولذلك جعلت هذا الحق في يد أحرص الناس – عادة وعقلاً- على استدامته وهو الرجل الذي بذل الكثير والذي يستطيع أن يتحكم في عواطفه أكثر من المرأة والذي سيجد نفسه مطالباً بعد الطلاق بنفقات لها ولأولادها منه ونفقات أخرى لزواج ثان فيحسب ألف حساب قبل أن يطلق. وفي هذا من الضمان لاستمرار العقد وديمومة الزوجية ما فيه. ونخلص مما سبق أن المرأة لما كانت أسرع من الرجل غضباً وأقل تحملاً وليس عليها من التبعات مثل ما عليه كانت أجدر بالمبادرة إلى حل عقد الزواج لأدنى الأسباب أو لما لا يعد سبباً صحيحاً إن أعطيت هذا الحق. والدليل الواقعي على صحة هذا التعليل أن الأجانب لما جعلوا الطلاق حقاً للرجال والنساء على السواء كثر الطلاق عندهم فصار أضعاف ما عند المسلمين كما سيتبين للقارئ بالإحصائيات التي سنوردها أثناء البحث. وبعد هذا التمهيد الموجز بين يدي السؤال المطروح نورد الاحتمالات العقلية في هذا الموضوع فنقول: إنها لا تخلو من خمسة احتمالات (38) 1-أن يكون الطلاق بيد الرجل وحده. 2-أن يكون الطلاق بيد الرجل وتعطي المرأة فرصاً للطلاق إذا ساء الرجل استعمال حقه فيه. 3-أن يجعل الطلاق بيد المرأة وحدها. 4-أن يجعل الطلاق باتفاق الرجل والمرأة معاً. 5-أن يجعل الطلاق عن طريق المحكمة. وليس هناك احتمال غيرها. فلنناقش كل احتمال على حدة. •الاحتمال الأول: جعل الطلاق بيد الرجل وحده. سبق أن شرحنا طرفاً منه فيما مضى لكننا نضيف إليه ما يلي لأهميته ولأنه المقصود بالطعن فيه. إن إعطاء الرجل وحده حق الطلاق هو المنسجم الطبيعي مع واجباته ومسؤولياته المالية الضخمة نحو زوجته وبيته. فما دام هو الذي دفع المهر ونفقات العرس والزوجية فمن حقه أيضاً أن ينهي الحياة الزوجية إذا رضي بتحمل الخسارة المالية والمعنوية الناشئتين عن رغبته في الطلاق. والرجل في الأعم الأغلب أضبط أعصاباً وأكثر تقديراً للنتائج في ساعات الغضب وسورته. وهو لا يقدم على الطلاق إلا عن يأس من إمكان سعادته الزوجية مع زوجته ومع علم بما يجره الطلاق عليه من خسارة وما يقتضيه الزواج الجديد من نفقات فيستبعد أن يقدم عليه وهو على علم تام بالمسؤولية لذلك نجد أن إعطاء الرجل وحده حق الطلاق طبيعي ومنطقي جداً ومنسجم مع قاعدة (الغرم بالغنم). -سؤال آخر وجوابه: قد يطرح أحدهم السؤال التالي: إن الرجل لا يوقع الطلاق دائماً وهو معذور فيه أو مضطر إليه بل إنه قد يفعل ذلك نكاية بالزوجة ورغبة في الإضرار بها إذ نرى رجالاً لا أخلاق لهم يطلقون زوجاتهم لمجرد الرغبة في الاستمتاع بامرأة جديدة وقد يكون له من الأولى أولاد فتسئ الزوجة الجديدة معاملتهم.. وكثيراً ما يذعن لرغبة زوجته الجديدة هذه فيرضى بذلك أو يسهم في تعذيب أولاد من زوجته الأولى ويسئ هو أيضاً معاملتهم..! وهذا أمر واقع واستشكال وارد. والجواب عنه: إن كل نظام في الدنيا قد يساء استعماله وكل صاحب سلطة لا بد من أن يتجاوزها إذا كان سيئ الأخلاق ضعيف الوازع الديني ومع ذلك فلا يخطر في البال أن تلغى الأنظمة الصالحة لأن البعض يسئ استعمالها أو ألا تعطى في الدولة لأحد صلاحية ما لأن بعض أصحاب الصلاحيات تجاوز حدودها..! إن الإسلام أقام دعامته الأولى في أنظمته على يقظة المسلم ووعيه واستقامته ومراقبته لربه عز وجل – هذا هو الأصل في المسلم وفي المجتمع الإسلامي. وقد سلك الإسلام إلى ذلك سبلاً متعددة تؤدي – إذا روعيت بدقة وأمانة- إلى توعيه المسلم وعدم إساءته إلى ما وكل إليه من حسن التهيؤ والإعداد له. والدليل على ذلك أن الطلاق لا يقع في البيئات المتدينة تديناً صحيحاً إلا نادراً بينما هو في غير هذه البيئات كثير لا فرق بين غنيها وفقيرها. على أن كل نظام وكل قانون في الدنيا لا بد من أن ينشأ عند تطبيقه بعض الأضرار لبعض الأفراد. ومقياس صلاح النظام وفساده هو نفعه لأكبر قدر من الناس أو إساءته إليهم. وإذا قارنا بين حسنات إعطاء الرجل حق إيقاع الطلاق بسيئات نزع هذا الحق منه أو إشراك غيره معه لرجحت عندنا كفة الحسنات على السيئات دونما ريب. وهذا وحده كاف في ترجيح إعطاء الرجل وحده حق الطلاق. •الاحتمال الثاني: أن يبقى الطلاق بيد الرجل وتعطى المرأة فرصاً للطلاق إذا أساء الرجل استعمال حقه. إن التشريع الإسلامي وضع في حسبانه هذا ولم يهمله أو يتجاهله بل نص عليه الفقهاء وشرحوه بإسهاب في مؤلفاتهم مستنبطين ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية وهو أن يبقى الطلاق بيد الرجل ومن حقه على أن تعطى المرأة فرصاً للخلاص من زوج تكرهه أو زوج يتعمد إعناتها وإيذاءها وبذلك أحال دون استبداد الزوج بحق الطلق استبداداً يتنافى مع الخلق الإسلامي بعد أن ضعف الوازع الديني لدى الكثرة الكاثرة منهم وساءت الأخلاق إلى حد كبير ولا سيما في هذا العصر..! ولكي لا يتصرف الرجل حسبما يحلو له فيظلمها إن شاء أو يمنعها حق لها فإن التشريع الإسلامي قيد الزوج بأحكام لا يجوز له أن يتعداها ومن أهمها: بعض الأحكام المتعلقة بالطلاق: 1-لا يجوز استعمال الطلاق عاملاً انتقامياً من الزوجة كما إذا طلقها في مرض موته ليحرمها من الميراث الذي هو حق من حقوقها. ويرد التشريع الإسلامي هذا التصرف ويعتبره باطلاً ويورث الزوجة من زوجها الذي بت طلاقها فراراً من توريثها ويعامل نقيض قصده. 2-يشترط في المطلق أن يكون بالغاً عاقلاً مستيقظاً مختاراً. وعلى هذا فلا يقع طلاق الصغير والمجنون والمعتوه والمغمى عليه والنائم والمكره – بفتح الراء. 3-الحالات التي يجوز فيها للمرأة أن تطلب الطلاق: إن الإسلام دين واقعي شرعه الله –عز وجل- للإنسان أينما كان ومهما اختلفت الأزمنة والأمكنة ومهما كانت صفة هذا الإنسان فهو دين الفطرة, ولو كان تشريعه ثوباً ذا أبعاد لكان مفصلاً على قده بالتمام والكمال. لذا فهو يحتاط لأدق الأشياء ويلاحظها ويحسب حسابها. ومنها أنه لا يفترض أن تكون المرأة هي الخاطئة دوماً بل ربما كان الرجل هو الخاطئ في أحيان كثيرة. قال تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير (39) فإذا كان الرجل يستطيع أن يتخلص من زوجة سيئة العشرة متى شاء بما منحه الشرع من حق الطلاق فما موقفه ( أي الشرع) من المرأة إذا كان زوجها سيئ الأخلاق والمعاملة؟ ليس معنى ذلك أن المرأة لا تملك أي سلاح توجه به مثل هذا الرجل في هذه الحال أو حالات أخرى – كأن يصاب زوجها بمرض مزمن لا يرجى برؤه أو علة منفرة- فمن حق المرأة عندئذ- إذا شاءت- أن تطالب بالتفريق بينها وبين زوجها. ولنأت على ذكر هذه الحالات باختصار: -أولاً: التفريق للضرر: فإذا ادعى أحد الزوجين إضرار الآخر به بما لا يستطيع معه دوام العشرة جاز للمضرور أن يطلب من القاضي التفريق كما لو كان الزوج قد اعتاد ضرب زوجته أو شتمها دونما سبب. قال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" (40) كما قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (41) -ثانياً: التفريق للعجز الجنسي: كأن يكون الزوج (عنيناً) عاجزاً عن الاتصال الجنسي بزوجته. لأن بقاءها على هذه الحال قد يؤدي بها إلى أن تنزلق في مهاوي الفساد. -ثالثاً: التفريق للمرض الساري – المعدي- الذي لا يرجى برؤه بشهادة الأطباء المتخصصين. -رابعاً: العجز عن النفقة: إذا أعسر الزوج وتعذر عليه تقديم نفقة الكفاية لزوجته من مطعم ومشرب وملبس ومسكن. -خامساً: لغيبة الزوج غبية منقطعة ولم يعلم أحي هو أو ميت.(42) -سادساً لعاهة في الزوج كانت فيه ولم تعلم بها عند الزواج أو طرأت عليه العاهة بعد الزواج ولا أمل في الشفاء منها بتقرير الطبيب المختص, كالجنون مثلاً. تلك هي أهم الحالات.(43) ويحرم على الزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إن لم يكن هناك سبب من الأسباب الشرعية الداعية إلى ذلك لأنها الأسباب المعقولة والتي تتضرر منها الزوجة فعلاً. و أيما امرأة سألت زوجها طلاقها دون مسوغ شرعي فقد أنذرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرمانها من دخول الجنة إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (44) ________________________ (37)ابن عساكر. الجامع الصغير للسيوطي. (38)انظر هذه الاحتمالات كتاب المرأة بين الفقه والقانون. للسباعي رحمه الله. (39)سورة النساء: الآية 128. (40)حديث حسن عن ابن عباس انظر الجامع الصغير للسيوطي. (41)سورة البقر: الآية 229. (42)لو أطال زوجها لسفر من غير عذر وطلبت امرأته قدومه فأبى فقال مالك وأحمد وإسحاق يفرق بينهما وقدره أحمد بتسعة أشهر وإسحاق بمضي سنتين جامع العلوم والحكم 289. (43)لو أطال زوجها لسفر من غير عذر وطلبت امرأته قدومه فأبى فقال مالك وأحمد وإسحاق يفرق بينهما وقدره أحمد بتسعة أشهر وإسحاق بمضي سنتين جامع العلوم والحكم 289. (44)أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ثوبان. |
الصفحة ((6)) والأخيرة وهناك حالات أخرى للطلاق بشرائط خاصة: -أولاً: التفويض: وهو تمليك الزوج زوجته حق تطليق نفسها منه أو تمليك غيرها هذا الحق بلفظ يفيده كما لو علقه على مشيئته كأن قال: طلق امرأتي إن شئت. وله حالتان: أ-قبل العقد: كأن يقول الرجل للمرأة إن تزوجتك فأمر بيدك تطلقين نفسك متى شئت ثم تزوجها كان لها حق تطليق نفسها متى شاءت.(45) ب-مقارن للعقد: كما لو صدر إيجاب عقد الزواج من المرأة مشروطاً بتفويض الطلاق إليها وقبل الزوج ذلك. كأن تقول المرأة للرجل تزوجتك على أن أطلق نفسي متى شئت فيجيبها بقوله قبلت. صح العقد ويكون لها حق تطليق نفسها متى شاءت. -ثانياً: الخلع: بضم المعجمة - وهو مصدر سماعي- ويعني إزالة الزوجية حقيقة.وقد قال الفقهاء: إن العرف خص استعمال الخلع- بالفتح- في إزالة غير الزوجية وبالضم في إزالة الزوجية.وعرفه بعضهم (46) بأنه إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة. وقال آخرون (47) هو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع كقوله: طلقتك أو خالعتك على كذا فتقبل. ويحدث عندما ترى الزوجة تعذر الحياة الزوجية وتخاف إن أقامت مع زوجها على هذه الحال إلا تتمكن من إقامة حدود الله تعالى. فجعل لها الشرع أن تفتدي نفسها بمال تدفعه لزوجها تعويضاً له عما دفعه إليها حتى لا يضار هو الآخر. وهذا الافتداء هو المسمى بالخلع عند جمهور الفقهاء. وكان ذلك من رحمة الله عز وجل بها فقد تبغض زوجها ولا تجد في المقام معه ما كانت تنشده من المودة والرحمة ففتح له الشرع باباً للخروج من هذا الحرج وشرع لها الافتداء للتخلص وفك رابطة الزوجية على وجه لا رجعة فيه للزوج إلا برضاها. فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا كره الزوجة جعل الخلع بيد المرأة إذا كرهت الزوج. وإلى هذا يشير قوله تعالى: )ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به, تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون( (48) كما أن الزوجة تستطيع أن ترفع أمرها إلى القاضي إن تضررت من معاشرة زوجها وعليه (القاضي) أن ينظر في طلبها ويتبين مدى جديته ويحكم لها إذا كانت المعلومات صحيحة والمسوغات معتبرة شرعاً. وهكذا نجد أن الشرع الإسلامي يضع الطلاق في يد الرجل ولكنه يفتح مع ذلك نوافذ للمرأة تستطيع منها حل عقد الزواج. فليس هناك-إذاً- تعنت ولا تحيز للرجل على حساب المرأة كما يظن السذج من الناس. بل وضع للأمور في نصابها. ثم لحساب من يكون هذا التعنت أو التحيز..! والله عز وجل هو المشرع والكل رجالاً ونساءً عباده وعياله (49) وهو رب الجميع. ومن المعلوم لدي كل باحث أو دارس أن التشريعات توضع مراعاة للأصل وللطبيعة الغالبة في الإنسان. ومن الجائز أحياناً أن يكون هناك شذوذ في بعض النساء وبعض الرجال وخروج من هذه القاعدة فنجد من النساء من هن أعقل وأكثر احتياطاً وأشد حرصاً على المعيشة الزوجية من الرجل الذي قد يكون شاذا متهوراً غير مقدر للعواقب ولكن يكفي أن يكون مثل هذا شاذاً وخروجاً على القاعدة والأصل حتى لا تبنى عليه التشريعات. "الاحتمال الثالث: أن يكون الطلاق بيد المرأة وحدها. ولنناقش هذه الحالة أيضاً بمنطق العقل السليم دون تحيز أو تعنت أو كما يقولون بشكل موضوعي. فنقول: إن وضع الطلاق في يدها وحدها لا سبيل إليه ولا يصح لأن فيها خسارة مالية للرجل وزعزعة لكيان الأسرة ذاتها. والمرأة لا تخسر شيئاً بالطلاق بل تربح مهراً جديداً وعريساً جديداً. وإنما الذي يخسر هو الرجل الذي دفع المهر للمرأة ويقوم بالنفقة على البيت والأولاد وقد دفع من قبل نفقات العرس وثمن أثاث البيت. فإذا أعطيت المرأة حق الطلاق بمجرد إرادتها سهل عليها أن توقعه متى خاصمت الزوج نكاية به ورغبة في تغريمه لا سيما وهي سريعة التأثر شديدة الغضب لا تبالي كثيراً بالنتائج وهي في سورة غضبها. ولنتصور رجلاً اختلف هو وزوجته فإذا هي تطلقه وتطرده من البيت وهو صاحبه والمنفق عليه. فأي منطق هذا..! ولو جعل الطلاق بيدها لاضطربت الحياة الزوجية ولما قر لها قرار لسرعة تأثرها واندفاعها نحو عواطفها المجبولة عليها. وليس هناك ما يحملها على التروي والتأني حيث لا تغرم شيئاً. جاء في جريدة (القبس الكويتية) على لسان امرأة باحثة قانونية (50) "لا: للعصمة في يد المرأة. ولا أحب أن تكون العصمة في يد أية امرأة حيث عرف النساء بالعاطفة وسرعة الغضب, ويمكن للمرأة أن تحطم حياتها أمام كلمة لا ترضى عنها. أما الرجل فهو في أشد حالات غضبه يحكم العقل". وشهد شاهد من أهلها. "الاحتمال الرابع: أن يجعل الطلاق بين الرجل والمرأة. إن الإسلام لا يمنع أن يتفاهم الرجل والمرأة على الطلاق كما هو الحال في (الخلع) ولكن لا يعلق صحته على اتفاقهما معاً. ماذا يكون فيما لو أصبح حياة الرجل مع امرأته شقاء فأراد أن توافقه على الطلاق فأبت..!؟ وكثير من النساء يفضلن في مثل هذا الوضع عذاب الرجل وتعاسته على راحته وخلاصه ثم إن المرأة لم تنفق شيئاً على البيت ولا دفعت مالاً للرجل فلماذا تربط إرادته بإرادتها في إنهاء الحياة الزوجية؟ وكيف نجبره أن يعيش مع امرأة كرهها ثم أبت أن توافق على طلاقها..؟ إن ذلك غير مقبول عقلاً لأن الطلاق شرع علاجاً لاضطراب الحياة الزوجية, فلو جعلنا أمر الطلاق إليهما لما وصلا إلى اتفاق غالباًَ, لأن أحدهما يريد الفراق والآخر لا يريده فيعمل على الكيد له فتصبح الحياة جحيماً لا يطاق, وهل شرع الطلاق إلا لذلك..؟ ثم إنهما غير متساويين في المسؤولية فأحدهما سيغرم نتيجة وقوع الطلاق والآخر لا يكلف بشي. إذاً أمر اتفاقهما يكاد يكون مستحيلا. "الاحتمال الخامس والأخير: جعل الطلاق عن طريق المحكمة. إن جعل الطلاق عن طريق المحكمة له أضرار بالغة من جهة ولا جدوى له من جهة أخرى كما هو الحال عند الأجانب. أما أضراره فلما يقتضيه من فضح الأسرار الزوجية أمام المحكمة وللمحامين عن الطرفين, وقد تكون هذه الأسرار مخزية, من الخير لأصحابها سترها. لنتصور أن رجلاً اشتبه في سلوك زوجته وتقدم إلى المحكمة طالباً طلاقها لهذا السبب, كم تكون الفضائح في هذا الموضوع وكم يكون مدى انتشارها بين الأفراد ولأصدقاء والجيران وبعض الصحف الرخيصة التي تتخذ من مثل هذه القضايا مادة للرواج..؟ وأما عدم جدواه فإن المتتبع لحوادث الطلاق في المحاكم الأجنبية وفي الغرب خاصة يتأكد أن تدخل المحكمة شكلي في الموضوع. فقل أن تقدمت امرأة أو رجل يطلب الطلاق من المحكمة ثم رفض. وإن كثيراً من ممثلات السينما يعلن عن رغبتهن في الطلاق من أزواجهن والزواج من آخرين قبل أن يتقدمن إلى المحاكم بهذا الطلب ثم ما تلبث المحاكم أن تجيبهن إلى طلبهن. وأبشع من ذلك أن المحاكم في بعض البلاد الغربية لا تحكم بالطلاق إلا إذا ثبت زنى الزوج أو الزوجة. وكثيراً ما يتواطأ الزوجان فيما بينهما على القذف بهذه التهمة ليفترقا وقد يلفقان شهادات مزورة ووقائع مفتعلة لإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة بالطلاق. فأي الحالتين أكرم وأحسن وأليق..!؟ أن يتم الطلاق دون فضائح أو يتم مثقلاً بها؟ وبعد. فما لهم لا يعقلون؟ إن الشريعة الإسلامية قد أحكمت سياج الأسرة فأقامتها على التقوى وصانتها بالتبعات الكثيرة على الزوج إذا حل رباطها وجعلت العيبة (51) بين الزوجين مكفوفة والستر مسبلاً فلا تفضحوا ما حفظته الشريعة ولا تهتكوا ما ستر الله. مع ما في هذا الأمر - أي جعل الطلاق عن طريق المحكمة- من الحكم على جميع الأزواج بعدم صلاحيتهم لاستعمال حق ملكه الشرع لهم, وأنهم محتاجون لوصاية القضاء عليهم. بل إن القاضي الذي يفصل في هذا الأمر بين الناس لو احتاج إلى الطلاق لم يكن أهلاُ ليطلق فيحتاج إلى وصاية قاض آخر. والأنكى من هذا أن الأسباب التافهة التي يقبلها القضاء قد تعددت حتى أصبح قنطرة لكل راغب في الطلاق كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث طلق القضاء المرأة لمجرد قولها إنها تحب الكلاب وزوجها لا يحبها ويكره وجود الكلب نائماً في فراش زوجته.(52) فانظر إلى شرع الإسلام الحكيم إذ قرر التحكيم بين الزوجين فيما شجر بينهما من خلاف ولكنه قرره في صورة كريمة نبيلة لا تنطوي على شي من هذه المساوئ والمخازي فقد قرر أن يتألف مجلس التحكيم من حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة أي من رجلين لا يرى كل من الزوجين غضاضة في الإفضاء إليهما بما في نفسيهما وبأسباب شقاقهما. وهما من جهة أخرى لا يقلان عن الزوجين في حرصهما على كتمان كل ما يسئ إلى سمعة هذه الأسر المتخاصمة وعدم إذاعته بين الناس لأن كل ما يسئ إلى سمعتها يسئ إلى سمعة الحكمين لارتباط كليهما بهذه الأسرة برابطة القرابة والرحم. وفضلاً عن هذا فإن الإسلام أجاز تدخل القضاء في هذه الشئون حينما تدعو إلى ذلك ضرورة ويتوقف على تدخله تحقيق الصالح العام وصالح الأسرة فأجاز للقضاء أن يطلق في حال إعسار الزوج وعدم قدرته على الإنفاق أو في حال غيبته غيبة طويلة, وحيث يدعو إلى الطلاق اتقاء الضرر والضرار كما رأينا في الحالات التي يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق. (53) __________ (45)هذا عند الأحناف. (46)انظر أحكام الأسرة. د. مصطفى شلبي:522-524. (47)الخطيب الشربيني في مغني المحتاج:262:3. (48)سورة البقرة: الآية 229. (49)قال تعالى: )قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله..(وقال صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله, أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". (50)هي السيدة هيفاء الرفيدي. الباحثة القانونية الأولى في وزارة الخارجية الكويتية انظر العدد 2885 تاريخ 27/05/1980م, (51)المقصود بالعيبة كيل التهم جزافاً ونشر الفضائح أو كل مايعيب. (52)انظر مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية. د. علي علي منصور. (53)انظر: حقوق الإنسان. د. عبد الواحد وافي. |
جزاك الله خير
|
جزاك الله خير ما يجزي به الصالحون نسخة لعالم المواضيع المميزة + نسخة لمفضلة القسم مع فك التثبيت احترامي |
| الساعة الآن 04:54 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©