![]() |
يُهينُني بالقسم
بسم الله الرحمن الرحيم
يُهينُني بالقسم إن من المواضع التي يشعر بها الصادق بالإهانة هي عندما يُطلب منه بعد حديثه أن يُقسم , فالصادق لا يقبل التشكيك في كلامه , ولا يُطلب القسم إلا من رجل قد عهد عليه الكذب سواء مازحا أو جادا , و أما من عُرف بالصدق في الحديث و التنزه عن التأليف فلا ينبغي إلا تصديقه . و الرجل الذي لا يرضى إلا بمكانة رفيعة عند الله و الناس لن ينسج كذبة و إن تناسقت تبقى أهون من نسج العنكبوت , فمهما تباهى بالغير موجود يبقى من العدم , و إن تظاهر بمظهر ما فإنه يبقى غير ملموس , و مهما ذهب بالخيال يبقى خياله خادع و كذوب. و ينقسم الكذب في الحديث إلى نوعين و كلاهما مذموم في الدين , مبغوض عند الناس , و أحدهما و أكثرهما سوءاً هي الكذبة الباينة و المقصود بها استغفال الناس استخفافاً لعقولهم ,و إلا إن من أتى بعفن القول هو المغفل حيث أنه تناسى أن من صفات المنافقين الكذب , و إن الكاذب في المجتمع لا يُصدق و إن صدق , و لا يكذب إلى من وجد في نفسه الهوان و قلة الشأن و ضعف العقل. و أما النوع الآخر والذي خصصت مقالي له بعنوانه , هو الكاذب المازح والذي يستخدم غالباً للمزح و الضحك , و قد نهى عنه صلى الله عليه وسلم , و ما نهانا عنه إلا لنتانة ردائه على من ارتداه , و قبح منظر من ظهر به , و مع هذا فهو منتشر و لا يكاد يخلو مجلس أو تجمع أو لقاء بين أثنين إلا و احتوى حديثهم المزح الكذوب ,و لم يكتف الناس بإباحته , بل أيضاً دللوه حتى سمّوه بعض إخواننا العرب "بالكذبة البيضاء" . لا و الله يا عرب ما أظن إلا قد أصابكم الضرر , و أبتليتم بعمى الألوان , أنها كذبة سوداء حارقة بعد أن قال فيها صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم , ويل له ثم ويل له. و إن الكذب إذا تفشى في مجتمع في أي شكل من الأشكال , فإن أول ما يفقده هذا المجتمع الثقة فيما بينهم , و عندما تتحدث عن مجتمع دينه الإسلام فلا ينبغي إلا أن يكون مجتمعا صادقا و أمينا و الثقة بينهم وسمتهم . و لنا من قصص الصالحين الدروس في الصدق والأمانة في القول و الفعل, فقد أتى ذات يوم شابان إلى عمر يجران رجلا من جلبابه , فقالا: يا أمير المؤمنين هذا قتل أبانا. و اعترف الرجل بفعلته. فقال عمر: إذاً القصاص. فقال الرجل: أأذن إلي أذهب إلى زوجتي و أبنائي في البادية و أخبرهم بأني لن أعود إليهم,ليس لهم عائل بعد الله.فسأل عمر الشابين:أتعفوان؟ قالا: لا. فقال عمر: لا أستطيع أتركك تذهب إلا إذا أتيتني بكفيل. فنظر الرجل إلى الحاضرين فأشار إلى أبي ذر, وهو لا يعرفه ولم يره من قبل. فسأل عمر أبا ذر:أ تكفله؟ فقال أبو ذر:نعم يا أمير المؤمنين, أفقد اختارني من بين الحضور, فلن أخذه. فقال عمر: تعرف ما قد يحدث إذا لم يعد. فقال:نعم يا أمير المؤمنين. فذهب الرجل ثم عاد بعد ثلاثة أيام , و عفا عنه الشابان لوفائه بالوعد . كان بإمكانه أن لا يعود , فهو رجل لا يعرف أحد أين يعيش أو إلى أي قبيلة ينتمي أو أين يجدونه إذا لاذ بالفرار في هذه الأرض الواسعة. ولكن المجتمع كان حينها يحيا حياة إيمانية طاهرة , فنبعت من أخلاقهم و معاملاتهم , إنهم أبناء القرآن و السنة اللذان أحسنا تربيتهم. فالمجتمع الذي يريد أن تكون الثقة بينهم في كل شأن من شؤون حياتهم , عليهم أن يغسلوا ألسنتهم من الكذب في الجد و في اللعب, و الرجل إذا لم يصدق في بعض حديثه , فإن الثقة تذهب و يحل الشك , حتى و إن كان مازحاً مداعباً , و يبقى حديثه في موضع شك حتى يقسم أو يأتي ببرهان , و من كانت نفسه عزيزة و شأنه عندها عالي , يجد أنه في غنى عن الكذب و عن إثبات ما يقول , بل يشعر بالإهانة إذا طُلب منه ذلك , و المكانة الرفيعة لا يستحقها إلا الذي طهر لسانه من آفات الخداع و الكذب. "اجعل حديثك صادقا صافيا كالبرد .. ومن زرع حصد " الكاتب : راشد خليفة المزروعي 07-04-2012 |
أحسنت يااخويه راشد مبدع بكتاباتك ..
اكتفي بهالقدر لعجزي عن الرد امام المقال .. والله لايجعلنا مما يقولون مالا يفعلون ربي يحفظك ويرعاك .. |
الساعة الآن 01:18 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©