![]() |
خيوط من نور لاينقطع
* خيوطٌ من نورٍ لا ينقطع * [img]http://im64.***********/rAus1Z.jpg[/img] ترتجف يدها كمن وصل برد الجليد والصقيع حتى عظامه ، وشفتاها عاجزتان عن الكلم ، وبفزع تراقب عيناها الخطين الظاهرين على أنبوب اختبار الحمل ... - لا .. لا يمكن أن أكون حاملا ، لا أريد ن أكون حامل ، يا ربي ! ساعدني ! وهو يحاول أن يخفف عنها : - إنها مشيئة الله ! وضعت رأسها بين كفيها : لا تريد طفلا جديدا ... أكرمها الله بأطفال ملائكة ، ذكورا وإناثا .... ما أجملهم ! ولكن لن تنسى عذابها بالحمل بهم وبإرضاعهم ، بعدم نومها في الليل لبكائهم ، وبكفاحها لإزالة آثار الحمل واسترجاع رشاقتها ،بمسؤولية تربيتهم ، بخوفها عليهم عند ذهابهم للمدرسة ، وعند رجوعهم ، وعند خروجهم ، وحتى في نومهم ، تستيقظ لتغطيهم وتقرأ لهم الأذكار والتحصين .. بلهاثها عقدين من الزمن وراءهم ، ككلب وفيّ ليس همه سوى إرضاء صاحبه .. والآن، لا تدري أهي نعمة أم نقمة ، هذا الحمل المتأخر .. رفعت السماعة بجنون يتوشّح الهدوء : - ألو .. كيف حالك يا "غصون " ! أرجوك أخبريني ماذا فعلتِ حتى تجهضي طفلك الأخير ؟؟ - لا حول ولا قوة إلا بالله ! مستحيل أن أقول لك ، استهدي بالله وتوكلي عليه ، كله خير من عند رب العالمين وألف مبروك الحمل .... أغلقتِ السّماعة ، لكن الجنون كان يستعرُ في عينيها ، وخوف ممزوج مع حنق وقلق : ماذا تفعل؟!!! حاولت رفع أشياء ثقيلة ، وإرهاق نفسها علَّ الجنين يسقط لوحده ، لكنَّه ازداد تمسكا بجدار رحمها ، و رفض أن يتخلى عنها - رغم محاولاتها جاهدة أن تتخلى عنه - ونشب أظافره الطرية في ظلمات أحشائها الثلاث معاندا رغبتها ... وفي بداية شهرها الرابع استسلمت للواقع ، وقررت أن تراجع الدكتورة وتتابع معها الحمل... الطبيبة وهي تتفحص بعينها شاشة السونار : _ما شاء الله ! كل شيء بخير ، حجم الجنين ونبضه وحركته وكمية السائل حوله ، ولكني لا أستطيع أن أتبيَن جنسه ، فهو في وضعية السجود والحبل السري بين رجليه ، سبحان الله !! انظري !! رفعتْ رأسها ونظرتْ إليه ، وكان يبدو في وضعية سجود مهيبة ، ويرفع جبهته كل قليل ويعود للسجود ... وهالها ما رأت ، فهذه أول مرة ترى هذه الوضعية في حملها بأطفالها كلهم !!! شيءٌما تحرَّك في قلبها ، وأحسَّت بارتباط عجيب مع هذا الجنين ،تضافر مع ندم شديد أنها فكرت في التخلص منه يوما ، وهو يسجد لله بفطرته ، وهي تتذمر ولا تحمده ولا تشكره ... كم من امرأة تجلس في العيادة خارجا ، تراجع الطبيبة كي تستطيع أن تحمل بطفل واحد ، أوأجهضت طفلا وتريد أن تحمل ثانية ، وهي كانت تريد التخلص من طفلها ، أيُّ أمٍّ ! وأيّ امرأة جاحدة هي !!!!! تحشرجتْ الكلمات ، وضاعت المعاني وتاهت مشاعرها ، أمام رؤية نفسها العارية ، وأمام العيون التي كانت تحدِّق فيها وهي خارجة من العيادة وكأنّها تلومها ، وتكاد تسمع إحداهن تقول لها : " لم لا تعطيني طفلك أيتها الجاحدة ! " وأخرى تهمهم : " أي امرأة وأمّ كافرة بنعمة نحن نتمناها كلّ يوم !!! " هزَّتْ رأسها وأغلقت آذانها بأصابعها وخرجت مسرعةً إلى زوجها لاهثةً ، تتموَّج في عينيها نظراتٌ كقوس المطر مُتدرِّجة بألوان سبعة من : الذهول والتشتت و المحبة و الندم و القلق والخوف والرجاء .... وقالت: - عزيزي ، إذا كان الجنين بنتا : سنسميها" ساجدة " ، وإذا كان ولدا سنسميه : " ساجد " ... وافقهاعلى الفور وحمد الله أنَّ كل شيء بخير ... مرَّتْ الشهور الأخيرة متعبة مرهقة ، وحان موعد ولادتها بعد تأخر أكثر من أسبوع ، وكأنه يرفض الخروج ، ويتشبثُّ بإصرار في أحشاء أمه ، حتى حانت لحظات المخاض الرهيب المؤلم ، وخرج إلى الحياة صارخا : طفلا صبيا جميلا ، بسرعة أخذوه عنها بعيدا ، وصارت تنادي الممرضة لإحضاره ورؤيته ، وبعد إلحاحها أحضرته لها وهي تحمله من الخلف ،ووجهه باتجاه أمه المستلقية ، وكان يبكي ، فقالت له بهدوء : - لماذا تبكي يا ماما لماذا ؟؟ ومدَّتْ يدها نحوه فأمسك سبَّابة يدها وأطبق عليها بقوة بيده الصغيرة الجميلة ، وكفَّ عن البكاء وهدأ ... لن تنسى ما حَيِيَتْ عمرها هذه اللحظة، ورابطة فريدة ربطت بينها وبين الصغير ، في تلك اللمسة وتلك اليد الصغيرة الطرية ، التي أطبقت بقوة هائلة على إصبعها ... بعد أن خلت به ، فكت ثيابه عنه وراحت تتفحص كل جزء من جسده الصغير حتى تتأكد أنَّ الله لم يعاقبها بأخذ جزء منه أوإنقاص إصبع أو تشوّه ما ... واستغفرت لربها ، وشكرته وحمدته كثيرا أن أعطاها طفلا كامل الخلق .. كم من أشياء كثيرة تُفرض علينا في هذه الحياة ! ونظنُّ أنَّها شرٌّ لنا وأنَّ حياتنا ستكون جحيما معها ، ويتبيَّنُ لنا ولو بعد مدَّة أنها خير لنا بل وخير كثير ، وكنا بجهالتنا وعدم صبرنا وتسرِّعنا سنفقدها وتضيع منا ... وكم من مرّة نظن أنّها النهاية ! فإذ بها البداية ، فلم لا نشكر ربنا في السَّراء والضراء ونتروى ولا نتعجَّل حتى نتبيّن خيوط النور في كل حكاية من حكايا حياتنا !!! *** بقلم أختكم : مؤيدة بنصر الله منقول من مواضيعي في منتدى الفراشة النسائي |
الساعة الآن 08:17 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©