كي يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك:
يقصم الله من ظلمك، ليُجبرك. فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين. إذا كنت منكسراً، ومن كسرك لم يتب ومُصِراً على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك. لاحظ أن كلمة "جبار" في حياة الناس هي كلمة مذمومة، لكن "الجبار" سبحانه وتعالى هي كلمة كلها خير ومصلحة لأنه يرد للظالمين حقوقهم. فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين. لابد أن يقصم الله من ظلمك. وكأن اسم الله "جبار" له شقان: شق إذا كان ظالم وشق إذا كان مظلوم.
الفرق بين "الجبار" و"المنتقم":
"المنتقم" علاقة بالظالمين فقط ولكن "الجبار" الأصل فيها للمظلومين، لكن ليتم حق المظلومين فلابد أن يُؤخذ من الظالمين. ونتعلم من هذا الآتي: "إياك أن تنام ليلتك وأنت ظالم". هناك مثل عامي نَصُّه، "يا بخت من بات مظلوم، ولم يبت ظالم". يا من ظلمتم الناس، احذروا! يا من ظلمت وتحترق شوقاً لتنتقم ممن ظلمك، احذر فإن الله معك في اللحظة التي ظُلِمت فيها. أنت في كنف الجبار.
فإياكِ وظلم خادمتك، فقد تلجأ للجبار ليلاً باكية له من ظُلمِك. إياك يا صاحب العمل وقهر أو ظلم موظف أو ساعي بسيط عندك، فقد يلجأ إلى الله ليلاً باكياً له من ظلمك وطالباً منه أن يجبر بخاطره، فيقصمك الله من أجل هذا البسيط. إن أنت حييت باسماء الله الحسنى، فما بالك بإصلاح الأرض؟ يا من تقومون بتعيين أشحاص في مناصب بالمحسوبية ويكون غيرهم أحق بهذة المناصب، فيلجأ كل من هو أحق بالمنصب مقهوراً إلى الجبار شاكياً له أنه كان مؤهلاً لهذا المنصب ولكن المحسوبية فَضَلَت فلان! إياك وأن تقوم بتعيين أحد بالمحسوبية فالجبار يقصمك من أجل هذا المظلوم الذي فُقِد مكانه. هل لاحظت كم أن هذا الاسم متوغل في حياتنا؟
يجعل ما قصمت به نعمة:
أحياناً تظلم شخصاً ما فيقصمك الله لأنك ظالم وليُجبر هذا المنكسِر، فتتوجع وتبكي وتلجأ للجبار، فيجعل ما قصمك به نعمة تفرح بها وتنصلح بها حياتك، أي يُحوِّل ما كُسِرت به إلى نعمة. ومثال على ذلك، عندما وكز سيدنا موسى الرجل فقضى عليه فقتله وكان نتيجة ذلك أن خرج من مصر، وهذة كَسرَة شديدة تحولت إلى قمة النعمة، حيث أن العشر سنوات تلك هي التي أهلته للنبوة.
ومثال آخر، أنه كان هناك رجلاً ليس متديناً وله من الأولاد اثنان، وكانت تملأ حياته السخرية من الناس والضحك والنكات والهزار. كان يذهب لعمله وكان يحب أولاده ولكنه لم يكن مهتماً بهم إلى درجة كبيرة. وذات يوم وجد رجلاً كفيفاً يمشي في الشارع، فسخر منه وسار بجانبه يقلده لِيُضحِكَ الناس عليه. من المؤكد أن هذا الكفيف قد كُسِر. وبعد عدة أشهر من هذا الموقف، أنجب طفلاً كفيفاً وكُسِر هذا الرجل! يُجبر الله كَسر من ظلمته، فيقصمك وربما بنفس ما اقترفت! ولاحظ أنه قد يتحول إلى نعمة! بعدما أنجب هذا الرجل الطفل الكفيف، اكتئب لشهورٍ عدة، ثم انتهت علاقته بهذا الطفل! اهتم بطفلاه الآخران وترك تربية هذا الطفل الكفيف لأمه مع إعطائها نفقاته، فلم يرد أن يشغل باله به ولكنه كان يشعر بالإنكسار داخله وأن هذا الطفل بمثابة عذاب بالنسبة له، فكان يتجاهل هذا الأمر. ومع نمو الطفل، لم يرد الرجل الإحتكاك به وأصبح بينهما حاجز نفسي شديد حتى بلغ الطفل ست سنوات.
وفي يوم من الأيام، خرجت الأم مع أبنائها الكبار ووجد الأب نفسه وحده بالبيت مع هذا الطفل الكفيف. وقال الطفل لأبيه، "يا أبي، اليوم هو يوم الجمعة. هلا اصطحبتني إلى المسجد؟"
اندهش الرجل عندما علم أن ابنه ذو الست سنوات يصلي ويريد أن يذهب إلى المسجد. فقال له الرجل، "من أخبرك أن عليك الذهاب إلى المسجد؟ "قال له الولد، "أمي تصحبني أحياناً إلى هناك". فقد كانت أمه سيدة متدينة. وأخذ الأب الطفل قال الرجل لابنه، "سأصطحبك إلى المسجد". شعر الرجل أن معه شيخ كبير يعلمه. قال الطفل لأبيه، "يا أبي، سأتلو عليك سورة الكهف". فبدأ الولد في القرآءة وبدأ الأب في البكاء فعرف الله! فتحول ما كُسِر به إلى قمة النعمة. تَظلم فيقصمك فتنكسِر فتلجأ إليه فيحول ما كُسِرت به إلى نعمة.
دعاء:
يقول أحدهم: "يا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يخاف من عبادك وأنت الجبار؟! ويا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يُخيف عبادك وأنت الجبار؟!" لو كُسِرت، اسجد بين يديه وقل له: "يا جبار، أجبر بخاطري". ولو ظَلِمت، اطلب السماح ممن ظلمته واطلب منه ألا يدعو عليك واجبر بخاطره.
الجبار يوم القيامة:
أصعب موقف يوم القيامة هو يوم ينادى على البشر للعرض على الله سبحانه وتعالى. تخيل أنه ينادى على كل شخص يومئذٍ: "فلان بن فلان" وأن الملائكة ستأخذك الآن وأنك ستقف بين يدي الله، ليس بينك وبينه ترجمان وستتعرف عليك الملائكة من شدة قلقك وخوفك، وينادى، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" ينادى باسم الله "الجبار" هنا لأنك في الدنيا كنت إما منكسِر أو ظالم. وتخيل وقفتك بين يدي الله وحقوق الناس! يا من ظلمتم الناس، هل سوف تستطيعون الخلود إلى النوم الليلة؟ يا من ظلمتِ سيدة ما وشهرتِ بها، يا من تضربين خادمتِك كل يوم، يا من استوليت على حق فلان، هل سوف تستطيع الخلود إلى النوم الليلة؟ أريدك أن تتذكر ورأسك على الوسادة اليوم، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" وتخيل أنك تقول لله، "يا رب، كما جبرت بخاطري في الدنيا، اجبر بخاطري في الجنة، اجبر بخاطري يوم القيامة" فيجبرك، أو تقول له، "يا رب، لقد ظلمت في الدنيا ولكنني علمت أنك الجبار فذهبت يوم السادس من رمضان وجبرت بخاطر فلان، اجبر بخاطري اليوم يا رب".
نوع آخر من الجبر:
وهو "جبر العُبَّاد" أي أن يكون شخص متحمس للعبادة في رمضان مثلاً وينوي ختم القرآن مرتين وأداء صلاة التراويح في صلاة الجماعة في الصف الأول، وفجأة يثقل بعمله أو يصاب بمرض، فيحزن ويبكي ولكن يجبر الله بخاطره ويعوضه. ومثال آخر، حيث قال سيدنا موسى، "...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" سورة الأعراف رقم الآيات 143، فقد طلب سيدنا موسى نوع من العبودية ولكنه لم ينفذ. وتليها الآية، "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ" الآية رقم 144. إن لم تحصل على هذا الطلب فسوف تحصل على شيء آخر وهو أن تكون "كليم الرحمن". إن حُرمت من عبادة، فسوف يجبر الله العُبَّاد بمنحهم عبادة أخرى.