
ثــكــنـــة عـسـكـريــة ؟!!
المقال منقول
حبات من العرق كاللؤلؤ تتكون على جبهتها العريضة.. تتساقط في صمت يخيم على الغرفة..
مارّة على وجنتين قد احمرتا من الخجل, أو إن شئت فقل: من الوجل والفَرَق والخوف.. تكاد الفرائص ترتعد..
والمفاصل ترتعش.. وتصتك الركبتان.. وتتزلزل القدمان.. وتغور العينان.. من هول ما تنتظره الزوجة الخائفة
المرتعبة.
دقات قلب متسارعة مسموعة, وكأنها أصوات ارتطام 'فلنكات' قطار غادر محطته متأخرًا بعجلاته الحديدية
إلى غير رجعة.. عقرب الثواني والدقائق بل والساعات انطلق كل منها كسهم خرج من قوس ثكلى.. حالة
من التوتر غير عادية تتملك زمام الزوجة وهي جالسة في انتظار مصيرها المحتوم..
تمسك الزوجة ببضع شعرات كانت قد انتزعتها من رأسها من شدة الارتياع.. يا إلهي.. أخشى يومًا أن أصبح
صلعاء.. هكذا قالت..
وفجأة.. حدث ما كانت تخشاه.. هاهو جرس الباب يدق.. اللهم سلّم.. دقات القلب تتسارع أكثر فأكثر.. يا
له من جرس مزعج.. كم طلبتُ منه أن يغيره إلى آخَر هادئ نوعًا ما.. هاهو الجرس يدق ثانية.. ليتني ما
أحكمت إغلاق الباب.. كان سيفتح ويدخل وأتصنع النوم وتنتهي المشكلة.. على الأقل حتى الصباح.. قدَّر الله
وما شاء فعل.. سأفتح, وليفعل الله ما يريد..
- الزوج: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- الزوجة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- كيف هم الأبناء؟!
- بخير والحمد لله.
- أعطيني كأسًا من الماء؛ فالجو حار والطريق طويل.
- تفضل.
- ما هذا؟! ما الذي أصاب يدك؟!!
معذرة.. فقد فاتني أن أخبركم!! فقد كنت أحمل كأسًا زجاجيةً كانت قد اشتراها زوجي من إحدى أسفار
عمله بالخارج, وعلى حين غرة.. وكأمر لم يجرِ في خاطري.. ولا خطر في بالي تحولت الكأس إلى قطع
صغيرة متناثرة على أرضية غرفة الاستقبال, وعلى ما أعتقد يبدو أنها قد تكسرت!! وهاهي ذي يدي اليمنى
مربوطة إثر جرحها على أثر لملمة الكأس المتكسرة.
على كل حال, ما يهمني هنا هو أن تعرفوا ماذا قال زوجي عندما قلت له:
- لقد جُرحَتْ, فقد سقطتِ الكأس من يدي وتكسرت فأصابتني بعض شظاياها.
- أي كأس؟! إياكِ أن تكون تلك الكأس التي اشتريتها من لبنان!!
انقطع المشهد هنا, فالزوجة قد تعدَّت ضربات قلبها 150 دقة في الدقيقة, يكاد يتوقف القلب من سرعة
نبضه, فقد عانى المخ عدم وصول الأكسجين إليه.. ترى الشرر يتطاير من عيني زوجها, فقد احمرّ وجهه,
وانتفخت أوداجه, حتى أوشك الدم يخرج من عروقه, وسمعت كلمات لم تسمع مثلها في حياتها, وصارت يداه تطيشان يمنة ويسرة, منطلقتين كقذيفتيْ مدفع أصابت هدفها في مقتل.
انقلب البيت جحيمًا بعدما عرف الزوج السبب, فإذا عُرف السبب بطل العجب, ولكن العجب هنا لم يبطل بل
انتفخ وانتشى وتفشّى, وتحوّل من مجرد عَجب إلى غضب وثورة كتلك التي حرمت منها شعوب بلادنا,
وقامت الدنيا ولم تقعد, وهاج الزوج وماج, واستحال البيت ثكنة عسكرية طيلة عشرة أيام, لم يذق فيها أهل
البيت – زوجةً وأبناءً – طعم الطمأنينة أو الراحة, بل إن حالة الطوارئ صارت هي الحالة المسيطرة على المسكن في تلك الأيام..
__________________
هـــدفـــي الــجــنــة