الولد الخامس
حزينة أنا ، أرى الحياة بلا هدف، ليس لها طعم أو معنى، دموعي لاتفارقني، آمالي كلها تحطمت وانتهت، حتى أعز ما أملك . . أبنائي، لم يعد أحد منهم يشعر بوجودي!!! أهذه هي الحياة؟!! أهذا جزاء من يضحي؟!! عشت معه السنين والأعوام على أمل أن أنال جزاء ما قدمت، أن أحصد ثمار مازرعت، ولكن للأسف لم أجن غير الأسى والحسرة والدموع.
هكذا بدأت حديثها وكلها يأس وحزن، تقول:
تزوجته وكنت صغيرة السن وكان هو أملي في الحياة وكان الرحمة المهداة، بعد أن ذقت العذاب من زوجة الأب، عاهدت نفسي منذ اليوم الأول أن أكون له خير الزوجة وأن أجعل من حياتنا جنة ننعم بها جميعاً. وبالفعل هذا ما حدث.
كل ما كان يعذبني بعض طباع زوجي، فهو غيور وأناني بعض الشيء ، يريدني أن أظل بجانبه طيلة اليوم لا يود أن أفارقه أبداً أو أترك البيت لحظة، ومن أجل ذلك تركت عملي وتفرغت له نهائياً وعشت معه على هذا الحال حتى أنجبت منه أربعة أطفال بذلت من أجلهم كل غالٍ ورخيص.
في ليلة لا أنساها تأخر زوجي عن موعد حضوره للبيت فجلست أنتظره قلقة خائفة إلى ساعات الصباح الأول وعندما حضر اعتذر لي بعدد من الأعذار لا أعتقد بأنها أقنعتني، ولكنني مثلت أمامه أنني صدقته، وتكررت سهراته خارج البيت وتكرر تأخره إلى أن جاء ذلك اليوم الذي عرفت فيه بأنه تزوج من أخرى. ذهلت من الصدمة ولم أصدق وكان كل همي أن أعرف سبباً يجعله يفكر بالزواج من أخرى، وأخذت أتساءل ما الذي قصرت فيه؟!! مازلت أهتم بنفسي! ومازلت أهتم بأبنائي ومازلت مهتمة بجميع شؤون بيتي! مازلت محبة ومخلصة! مازلت آراه فتى أحلامي الذي عشت حياتي مضحية من أجله، فسأالته أريد منك تفسيراً لسبب زواجك؟ فأجاب ( لقد شغلك أبناؤك عني ) هذه هي تهمتي!! وهذا هو ذنبي!! وكأن أبنائي ليسوا بأبنائه هو أيضاً.
كان ردي عليه هو الصمت فلم أجب بكلمة واحدة غير دموع غزيرة تحدرت من مقلتيّ. جلست أفكر ما الذي عساني أفعله الآن: هل أطلب الطلاق؟ وأين سأذهب أن وأبنائي، ومن سيتحملني؟ وكيف أترك بيتي ومكان راحتي؟ وبعد تفكير طويل قررت أن أبقى وأصبر على ما قدره الله لي خصوصاً أنني إنسانة مؤمنة، والله سبحانه وتعالى أباح له حق الزواج فلا أستطيع تحريم ما أحله الله.
عشت أيامي راضية وكل ما كنت أطلبه منه شيء واحد هو أن يعدل بيننا ولكنني أعرف زوجي حق المعرفة، فهو يحب نفسه كثيراً، يبحث عن متعته ولايريد أن ينزعج بمشاكل أبنائه. هرب زوجي نهائياً من بيتي إلى بيتها، أصبحت لا أكاد أراه إلا قليلاً، يأتي أحياناً للاطمئنان علينا مرة أو مرتين في الأسبوع. وأحياناً عندما يكون على خلاف معها يأتي ليبيت في بيتي، عشت على هذه الحال لم أشتك ولم أتذمر، ولا أدري كيف وجدت نفسي حاملاً، وكانت زوجته قد أنجبت منه ثلاثة أطفال، ومرت شهور حملي حتى أنجبت منه ابني الخامس، فرحت به كثيراً فقد أخرجني من وحدتي. أحببته حباً كبيراً قد يختلف عن بقية إخوته فكان لي الابن والحبيب والأخ والزوج المفتقد، وفي هذه الأثناء توفي أبي وترك لي أموالاً كثيرة كانت ميراثي منه فأغدقت على لأبنائي كل ما أملك وقد كان نصيب ابني الأصغر نصيب الأسد. كبر إبني وأصبح في سن المراهقة، وكبر أبناء زوجي كذلك، وبدأت المسؤولية تتثاقل عليه، ففكر بالهروب مرة أخرى وهذه المرة لم تكن كسابقتها بل فكر في شراء مزرعة يقضي بها نهاره، وأحياناً ليله، وكان له ما أراد.
اندمج آخر الأبناء مع شلة من الشباب لا أعرف عنها شيئاً ولكن ما كنت ألاحظه أنه بدأ يهمل دراسته، وكثرت ساعات وجوده خارج المنزل حتى أخذ يسهر كثيراً إلى الصباح. في البداية كنت أشتكي لزوجي لينقذ ابني مما هو فيه، وكان يصب غضبه كله علي ويحملني المسؤولية كاملة: أنت السبب، أنت من أضاع هذا الابن. أنت أتلفت أخلاقه كنت كل مرة أحدثه فيها عن ابنه أتمنى منه أن يتصرف بمسؤولية وحكمة، ولكن للأسف ففي كل مرة كان يثور ويغضب ويهرب مني إلى عالمه الخاص إلى مزرعته إلى أن حدثت الكارثة.
في إحدى الليالي تأخر إبني فذهب والده يبحث عنه عند أصدقائه فوجده في منزل أحدهم وقد أسرفوا جميعاً في شرب الخمر، فهاج الأب وماج، وكان أن حضر إلي فوراً ولا أدري ما الذي قاله تلك الليلة ولكن ما اتذكره تماماً أنه طلب مني الحضور إلى هنا ليطلقني وها نحن أمامك الآن نضع نهاية لحياتنا.
سألتها الهدوء، وألا تتدخل أو تقاطعني، ناديت الزوج وأجلسته معنا وطلبت منه العدول عن رأيه ولكنه اعتذر وبرر ذلك بأنه عاش حياته متعباً بين زوجتين وأبنائهما وأنه لم يتوقع يوماً أن يجد ابنه على تلك الحال وأن كل ما حدث له كان بسبب تدليلها له وإخفائها عنه الحقائق وهي الآن تستحق ما يحصل لها فلتعش هي وه وتربيه كما يحلو لها.
قمت بتهدئته قليلاً ثم بدأت معه الحديث مرة أخرى:
هل تعتقد أن الطلاق هو الحل الصحيح؟ إنك بذلك تضيع ابنك نهائياً، أرجوك أن تفكر بطريقة أفضل لحل هذه المشكلة بدلاً من الهرب منها.
إن ابنك أمانة بين يديك سوف يحاسبك الله عليها، وزوجتك أخطأت عندما أخفت عنك تأخره وسهره، ولكنك تعلم أنها امرأة تغلب عليها العاطفة وكان دروك هو أن تتفقد أبناءك كل يوم وكل ليلة، أرجوك فكر جيداً قبل أن تفقد زوجتك أم أبنائك وتعاونا معاً كي تنقذا ابنكما مما أصابه فقد يكون في بداية الطريق وهناك فرصة وأمل كبير في رجوعه إلى جادة الصواب ولكن لاتتركاه يستمر في الإنحراف.
هدأ قليلاً وأخذ يفكر . . ثم قال:
أرجوك أعطني موعداً للطلاق فسوف أتدبر الأمر ملياً حتى يتسنى لي اتخاذ القرار. وبالفعل أعطيته موعداً ولم يحضر في الموعد ولا بعده ولا أعلم ماذا حصل بينهما وماذا حدث لإبنهما و هل استطاعا إصلاحه أم ضاع من أيديهما .