الأفيون...أدمان حتى الموت !!
د.جابر بن سالم القحطاني
نظراً لأن الهيروين هو أحد مشتقات الأفيون الذي يستحصل عليه من نبات الخشخاش، والأفيون عبارة عن العصارة اللبنية التي تفرزها ثمار نبات الخشخاش غير الناضجة. ويحتوي الأفيون على عدد كبير من المركبات الكيميائية إلا أن أهمها مركب المورفين الذي يستخدم طبياً كمهدئ للآلام ويعتبر من أقوى المركبات الطبيعية في إيقاف الألم. ويعتبر المورفين المادة الأساسية لتحضير الهيروين وعليه فإن الهيروين هو أحد مشتقات الأفيون. ويعتبر الأفيون والمورفين والهيروين من المخدرات التي تثبط الجهاز العصبي المركزي وتسبب الفتور وجميعهم يسبب الاعتماد النفسي والاعتماد العضوي لدى الشخص الذي يتعاطاها بدون إشراف طبي دقيق. والهيروين لا يستخدم في الأغراض الطبية ويساء استخدامه في غير الأغراض الطبية.
ولكون الأفيون والمورفين والهيروين يشتركون جميعهم في صفات الإدمان والأعراض الصحية وأعراض الحرمان فإن الموضوع سيكون شاملاً لهم جميعاً.
مصير الهيروين داخل جسم الإنسان:
الهيروين: يمتص بسرعة عند تعاطيه عن طريق الفم أو عن طريق الحقن ويتحلل بسرعة إلى 6- مونو أسيتايل مورفين في الدم وبعد ذلك يتكسر ببطء إلى مورفين وهو الذي يعزى إليه التأثير المثبط كما يتكون مركب آخر يعرف باسم نورمورفين وكميات قليلة من الكودائين، والتكسر هنا يعتمد على وجود حمض الجلوكيورونيك. يخرج حوالي 80% من الجرعة المعطاة عن طريق البول خلال 24ساعة ويكون على هيئة مورفين- 3جلوكيورنايد مع حوالي 5- 7% من الجرعة كمورفين حر كذلك 1% من مركب 6- مونوأسيتايل مورفين، 1% من الهيروين، 14-20% من نواتج تكسير المورفين تظهر في البراز. والجرعة المميتة من الهيروين للشخص العادي 200ملليجرام بينما الشخص المدمن يتحمل عشرة أضعاف الجرعة المميتة. مع ملاحظة أن مدة بقاء الهيروين في الدم3دقائق فقط بينما يبقى المورفين ما بين 2- 3ساعة.
تأثيرات الأفيون ومشتقاته:
تتشابه الآثار الناجمة عن استعمال وادمان الأفيون ومشتقاته تشابها بينها إلا أنها تختلف في درجة تأثيرها وخطورتها باختلاف نوع المخدر فالهيروين هو أكثر مشتقات الأفيون خطرا وقابلية للادمان أما الكودائين فيعتبر أقل استعمالا في المجال غير الطبي أو مجال الادمان.
عند بداية استعمال الهيروين يشعر بعض الناس بأعراض غير مستحبة مثل الغثيان والتقيؤ، والبعض منهم لا يعاودون استعماله إلا بعد مرور أيام أو أسابيع، وبعض الناس يشعرون براحة كبيرة بعد استعمال الجرعة الأولى، ولذلك فإنهم يندفعون وراء استعمال الهيروين مرة اخرى .
ويؤثر الهيروين على الإنسان أما تأثيرا مباشرا بسبب اثاره أو تثبيط بعض مراكز المخ، أو تأثيرا غير مباشر ناجما عن حالة الادمان وليس عن أثر الهيروين في حد ذاته.
التأثير المباشر:
بعد فترة قصيرة من حقن الهيروين يشعر الفرد بذروة النشوة الجنسية والاستمتاع الجنسي وقد يمر بحالة بين النوم واليقظة ومن أهم الأعراض عدم قدرة المتعاطي على التركيز وصعوبة في التركيز والخمول وتدني النشاط البدني، وقد يشعر الشخص بالتعب أو زيادة في نشاطه، وفي بعض الحالات يشكو المتعاطي من أعراض غير محببة مثل الخوف والقلق وعدم الراحة والغثيان والتقيؤ. وقد يمر المتعاطي بحالة تشبه الحلم مع الأحساس بالسعادة والسرور. كما يسبب الهيروين ضيق بؤبؤ العين والشعور بالدفء وثقل الأطراف والإمساك الشديد وقلة إفرازات المعدة والأمعاء والبنكرياس وكذلك احمرار العين وسيلان الأنف والزكام. وعند تكرار استعمال الهيروين يتحمل المدمن جرعات كبيرة منه ويظهر على المدمن ما يسمى بسلوك البحث عن المخدر بأي وسيلة شرعية أو غير شرعية ويدل هذا السلوك على حدوث ظاهرتي الاعتماد النفسي والاعتماد العضوي أو البدني لدى المتعاطي. وإذا حرم المدمن من المادة المخدرة طوعاً أو كرهاً فإنه يشكو من أعراض الحرمان وتظهر هذه الأعراض جسيمة لا يتحملها المدمن ولا يستطيع التعايش معها، مما يضطره للعودة إلى استعمال المخدر إن وجد أو الحصول عليه أو على المال اللازم لشرائه، ولو باقتراف الجرائم وانتهاك الحرمات كجرائم القتل أو السلب أو النهب أو السرقة أو غيرها.
يستطيع المدمن أن يتغلب على الاعتماد النفسي بقوة الارادة، أما الادمان البدني أو العضوي فإنه يصعب على المدمن التغلب عليه نظراً لأن جسم المدمن يصبح معتمدا على المخدر الذي يسبب حدوث تغيرات وظيفية في خلايا وأعضاء الجسم بحيث تتكيف على التعايش مع هذا المخدر، أي أن وجود المخدر يعتبر ضرورة من ضرورات الخلية، فالخلية الطبيعية لا تستطيع الاستمرار في أداء وظيفتها بدون العناصر الغذائية والاكسجين والماء، أما الخلية المدمنة فإنها تحتاج بالإضافة إلى ذلك المادة المخدرة حتى تستمر في أداء وظيفتها. أي ان الخلية ترتبط ارتباطا وظيفيا بالمخدر، ولذلك فإنه عندما يحرم المدمن من تناول المخدر تضطرب وظيفة الخلية وكأنها تحتج على حرمانها من المخدر الذي تعايشت معه ويؤدي هذا إلى حدوث أعراض عضوية تشمل أعضاء مختلفة من أعضاء الجسم مثل العضلات والعظام والجهاز الهضمي والجلد والجهاز التنفسي. ويزداد بازدياد مدة استعمال المخدر ومقدار جرعته ولذلك فان أعراض الحرمان من المخدر تكون أشد وطأة وأكثر خطورة حينما يفرط الإنسان في تناول المخدر. وتعتمد شدة هذه الأعراض وأثرها المدمر للإنسان على وسيلة تناول المخدر، فإذا كان الشخص يتعاطى المخدر بالحقن في الوريد فإن أعراض الحرمان تكون أشد واقسى على المدمن من الأعراض الناجمة عن الإقلاع عن تناول المخدر المتعاطى بالفم.
والأعراض التي يشكو منها المدمن عند حرمانه من المادة المخدرة لاي سبب من الأسباب. الاكتئاب النفسي أو القلق أو الاضطراب النفسي والتثاؤب وانسكاب الدموع لا إرادياً بغزارة وزيادة إفراز الأنف وإفراز العرق رغم أن الجو قد يكون باردا بطريقة مزعجة جداً. وإذا لم يعثر المدمن على جرعته من المادة المخدرة( هيروين أو مورفين أو أفيون أو بديلات المورفين) يشعر بالتعب والارهاق فيدخل في مرحلتي النوم والقلق، الذي تصحبه الكوابيس والأحلام المزعجة. وعندما يصحو الشخص المدمن يتملكه خوف ورعب وقلق شديد مع نوبات من الاحساس بالبرد، تتناوب مع احساس بالحرارة، ويكون الجلد مقشعرا ويوقف شعر الجلد مثل شعر الأوزة ويكون محببا، وتتسع حدقة العين وتحدث آلام شديدة في الساقين والقدمين مع رغبة عارمة بتحريكها بشدة ويتبع ذلك نوبات شديدة من الإسهال والقيء ويفقد المدمن كل رغبة في تناول الطعام، ومع الأسهال والقيء والافرازات الشديدة، من جميع مخارج الجسم، يفقد المدمن سوائل جسمه. وفي خلال ثلاثة أيام يكون قد فقد المدمن جزء كبير من هذه السوائل ونقص وزنه وشحب لونه وأوشك على الهلاك أو الموت ويقال ان المدمن يفقد حوالي 4كيلوجرامات من وزنه يوميا. وإذا لم يعط المدمن جرعة من المادة المخدرة المستعملة أو أي مادة بديلة يدخل المدمن في مرحلة يعاني فيها من فقدان السوائل بسبب الإسهال (حوالي 60مرة في اليوم) والقيء المتكرر والعرق الغزير الذي يغرق ثيابه وفراشه وإفرازات اللعاب التي لا تنقطع وكذلك افراز الانف المستمر والدموع المنهمرة بدون توقف. إن المدمن في هذه الحالة يصاب بوهن شديد لا يستطيع القيام بأي حركة حتى الذهاب لدورة المياه ولذا فإنه يتبرز ويتبول على نفسه وتجده يسبح في عرقه. كما يصاب بآلام مبرحة لا يستطيع مقاومتها في الساقين وفي عضلات الساعدين ويصاب بتقلصات في عضلات البطن والام شديدة في مفاصل العظام، وزيادة الحموضة في الأنسجة والدم وارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وارتفاع معدل التنفس والحمى، وقذف السائل المنوي للرجل بدون مباشرة جنسية والي الشعور بذروة النشوة الجنسية في النساء وإذا لم يعالج المدمن فإن المدمن يموت.