منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - تأكيد الذات ( موضوع متجدد... تابعنا دوماً ) 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-2007, 04:10 PM
  #34
hazem007
عضو مميز و مثالي
 الصورة الرمزية hazem007
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 819
hazem007 غير متصل  
(( تتمه ))



وسأذكر هنا نموذجاً آخر وشكل آخر للنضج النفسي فيه حسن الاعتقاد وتمام التوكل على الله تعالى،

مع الاطمئنان بقضاء الله وقدره

هو داعية إسلامي عاش خلال القرن التاسع عشر

وكان ممن بنوا أجيالا من الدعاة والمصلحين والثوار على الاستعمار في بعض البلدان الإسلامية،

وذلك في مصر والهند وإيران وأفغانستان وتركيا،

تعالى نستمع له وهو يحكي عن بعض المواقف الصعبة التي واجهته في حياته


الشيخ الأفغاني و صدق التوكل على الله


يروي الأستاذ جمال الدين الأفغاني، وكان في الهند، وقصد الحج، فركب سفينة كبيرة حملت من الحجاج عددا وفيرا.

وخلال سيرها في المحيط الهندي هبت عواصف شديدة جدا وانهمرت أمطار غزيرة وزاد الخطر،

واضطرب الركاب وكادوا يغرقون ووقع الهرج والمرج بينهم.

وأخيرا التفوا حول الشيخ الصالح (جمال الدين) يطلبون إليه الدعاء الصالح إلى الله تعالى أن ينقذهم ويُكتب لهم السلامة،

بعدما بلغت الأرواح التراقي، فما كان منه إلا أن أقسم لهم بأنهم ناجون، وأن هذا الكرب سيزول بعد ساعة.

وفعلا لطف الله بعباده وهدأت الرياح وكفت الأمطار وصفا الجو واعتدلت المسيرة،

فجاءوا إليه يشكرونه ويدعون له ويحسبونه من أولياء الله المستجاب دعاؤهم.

وقال جمال الدين بعد ذلك لأحد تلاميذه: إنني لمثلهم قلقا واضطرابا وأكثر منهم مخافة،

ولكنني قلت إما أن يتداركنا الله بلطفه الخفي وننجو وإما أن نغرق جميعا،

وفي هذه الحالة لا أجد من يكذبني أو ينازعني لأننا نكون في قاع البحر.

وفي حالة السلامة أصبح من الأحبار الأخيار، وكذلك كان.

فما برحوا يلثمون أذيالي ويقبلون يدي وذلك سر الخشوع والرجاء في رحمة الله ولطفه،

وهي حكمة بالغة ونضج نفسي، وتصرف صائب وعقل سليم.

ولقد ذكرني تصرف الشيخ الأفغاني بقول دوبيك

"حتى الذين أضحت شجاعتهم مضرب المثل، لا يمكنهم الادعاء أن الخوف لم يتطرق إلـــى قلوبهم".

كما ذكر جمال الدين الأفغاني للشيخ محمد عبده في بعض كتبه

أنه كان مسافراً على قدميه في بعض صحاري الهند فخرج عليه جماعة من اللصوص وأسروه

فأراد أن يعظهم وعرفهم بأنه من علماء الإسلام فزجروه وهددوه فاستسلم ثم باعوه على أنه عبد رق،

فلما ذهب به المشتري عرفه الشيخ بنفسه، فأطلق سراحه!!.

ومن المعروف عن هذا المصلح الكبير أنه قد طاف كداعية للإصلاح بالكثير من المدن والبلدان الإسلامية في القرن التاسع عشر،

وكان من محصلة ذلك أنه ربى جيلاً من الدعاة المُصلحين أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

الشيخ محمد عبده والزعيم سعد الزغلول وأحمد عرابي وسامي البارودي ومحمد رشيد رضا وغيرهم الكثير الكثير،

وبالطبع كان مكروها من رجال السلطة الخاضعين للدول الاستعمارية في ذلك الوقت،

لذلك لم يكن يستقر المقام به في أي بلد من البلاد التي زارها،

وكثيراُ ما ترك البلد الذي يقيم فيه منفياً أو بتهديد من جهاتها الأمنية بحجة أنه شخص أجنبي غير مرغوب فيه!!؛

أو لاختلافه في الرأي مع حاكم أو سلطان مستبد؛

وذلك لتجمع الناس حوله أينما حل، واعتناق الشباب لأفكاره الإصلاحية،

وهذا ما كان مزعجاً جداً للطغاة والمستبدين من أهل السلطة ومن فوقهم أسيادهم من ممثلي المستعمرين،

هذا الرجل الناضج المؤكد لذاته داعية الإصلاح

كان بلا أدنى شك سبباً من أسباب نشر الوعي الإصلاحي المعتدل المستنير في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

إن قصة حياة هذا الداعية تذكرني دائماً بهذين البيتين المعبرين:

والناس في حاجة دوما لذي ثقة *** بنفسه ليقيهم ما به عثروا

وإذا لم يكن من الـــــموت بــــــد *** فمن العار أن تموت جبــــانا

لقد كان يمكنه الاستقرار بأجمل مدن العالم في قصر منيف ذي حدائق غناء

مع أكل أطايب الطعام وشرب ما يستسيغه من لذيذ الشراب والنوم على الحرير بجوار أجمل من يشتهي الإنسان من الغيد الحسان،

ولكنه لم يفعل ذلك ورفض مثل ذلك العرض من السلطان العثماني،

وآثر الترحال والنفي الاختياري بدعوته الإصلاحية المستنيرة بين مختلف البلدان بلا زوجة ولا ذرية

وبلا رغبة في جمع مال أو سلطة أو منصب أو سعياً وراء الأمان المادي والذي يسعى إليه معظم البشر!،

فمن أي عجينة من الناس هذا الرجل؟ وأي درجة من النضج البشري وصل إليها هذا الداعية؟!

إنه نموذج للنضج والكمال البشري الذي يُحتذى به ونرجوه لدعاتنا وعلمائنا في حاضر أمتنا.... أليس كذلك؟

رحم الله داعية الإصلاح الأفغاني الذي شاع اسمه في أمتنا،

فكان أغنى وأشهر من الحكام والسلاطين في زمانه بقناعته وعلمه وحكمته،

يقول الشاعر


كم واثق بالنفس نهاض بها
***ســاد البـــرية فيه وهــو عصــــام

وإنما رجل الدنيا و واحــدها ***من لا يعول في الدنيا على رجل


وللحديث بقية
__________________
اللهم اليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ياأرحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربنا الى من تكلنا..الى بعيد يتجهمنا ام الى عدو ملّكته امرنا ان لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي غير ان عافيتك هي اوسع لنا نعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة ان يحل علينا غضبك او ينزل بنا سخطك لك العتبى حتى ترضى
ولا حول ولا قوة الا بك




اللهم لا تحرمنا من عفوك وفضلك وجزيل عطائك يا كريم