2 ـ غسل الهواء:
تغسل ملوثات الهواء الجسمية (أي الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء وفيها جزيئات الرصاص الدقيقة)، والغازية بواسطة صور الماء المختلفة النازلة من السماء، وهي من أكفأ وأسرع آليات الإزاحة الهوائية، أو ما نسميه بآليات التوازن والتنقية الذاتي، وقد وضحنا في مقال (أسيد ينزل من السماء يهلك النبات ويخرب المنشآت) أن هذه الحقيقة قد أشار إليها الهدي الإسلامي الحنيف بشكل دقيق معجز قبل أن يكشف ذلك علماء هذا العصر.
3 ـ تقييد الرصاص في التربة:
كنا قد ذكرنا سابقًا أنه لا يمكن أن نجد في الاستفادة من العناصر والمواد النافعة، أو يحدث الضرر من وجود العناصر والمواد الضارة السامة في البيئة ـ ما لم تكن هذه أو تلك العناصر والمواد حرة متاحة للامتصاص، أما لو قيدت بأي وسيلة، فإنه لا نفع من تلك النافعة، ولا ضرر من تلك الضارة المؤذية حتى لو وجدت بتركيزات عالية جدٌّا.
ولقد حمانا المولى ـ سبحانه وتعالى ـ من وجود الرصاص في التربة بعملية تقييده وترسبه والإمساك به بواسطة عمليات كثيرة لا مجال لذكرها، إذ تدل الدراسات أنه بالرغم من أن النظام البيئي في جوانب الطريق يتلقى بصفة مستمرة كميات متزايدة من الرصاص، أي أن هذه الكمية غالبًا ما تكون غير متاحة للامتصاص من قبل النباتات النامية؛ إذ من المعروف أن الرصاص الذائب بمجرد أن يتصل بالتربة يترسب مباشرة ويصبح غير متاح للامتصاص بقدر كبير، فقد دلت إحدى الدراسات على أن من أملاح الرصاص الذائبة كأكسيد الرصاص بمجرد أن يتصل بالتربة يترسب مباشرة، في حين أن أملاحًا أخرى ككلوريد الرصاص يترسب معظمه في خلال ساعة.
كما أن معظم النباتات تستطيع أن تتحمل التركيزات العالية من الرصاص وتنمو بصورة طبيعية، فعلى سبيل المثال كثيرًا ما نجد أن النباتات البرية تنمو بصورة طبيعية على جوانب الطرق حيث ترتفع فيها تركيزات الرصاص، فمثلاً نجد نباتات تنوم أونكد Chenopldium murale، ونباتات سندار Amaranthus ascendes، تنمو بكثرة على جوانب الطرق بجدة، ولقد عرضت هذه النباتات في المعمل لتراكيز مختلفة من الرصاص تراوحت بين 0.25 إلى 3200 مكجم/جم دون أن تظهر تأثيرات واضحة على النمو إذ إن الرصاص في حد ذاته بسيط الحركة والانتقال في التربة، كما أنه يتراكم بشكل رئيسي في جذور النباتات وأجزائها السفلية.
ويشاء المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعل المواد العضوية الموجودة في سطح التربة تحول دون وصول الرصاص إلى المياه الجوفية بكمية كبيرة ليحمينا بذلك من أخطار تلوث الماء بالرصاص، فتدل الدراسات والأبحاث أن معظم الرصاص المترسب على سطح التربة يحتجز في المواد العضوية، ونظرًا لعدم ذوبانه يظل ويبقى خلال الخمسة سنتيمترات الأولى من سطح التربة.
4 ـ احتجاز الرصاص في الجذور:
من وسائل الحماية التي حبانا الله بها من أخطار الرصاص أن جعل النباتات التي تنمو في بيئات ذات تراكيز عالية من الرصاص تحتجز الرصاص الذي تمتصه في جذورها التي تهمل عادة ولا تؤكل، ولا يصعد إلى الجهاز الخضري المأكول عادة إلا القدر البسيط جدٌّا(8) وهذا يعني أن الإنسان يبتعد عن الكمية العظيمة من الرصاص التي امتصها النبات من التربة وأودعها في شعيراته الجذرية. غير أن أحدنا قد يقول إن هناك نباتات كثيرة تؤكل في الأصل جذورها كاللِّفت، والجزر، والفجل.
وهنا نقول: إن المولى ـ سبحانه وتعالى ـ قد حمانا أيضًا من ذلك بأن جعل الرصاص الممتص بواسطة الجذور والمحتجز فيها يكون معظمه في تلك الفروع والشعيرات الجذرية الدقيقة التي يتخلص الإنسان منها ولا يكون في أصل الجذر المأكول إلا القدر اليسير، وبذلك يتخلص الإنسان من القدر العظيم من الرصاص الذي امتصه النبات.
5 ـ دفن العناصر الضارة في الأجزاء الميتة من النبات:
تدل نتائج الدراسات والأبحاث الحقلية والمخبرية أن الأوراق الميتة من النبات تمتص الرصاص أكثر من الأوراق الحية، وأن ذلك ربما يعود على آلية نشطة تقوم بها النباتات لعزل الرصاص في هذه الأجزاء,وقد وجد راتكلف وزميله بيبي أن الأجزاء الميتة من النباتات والأعشاب الموجودة على جانبي الطرق تجمع أربعة أضعاف ما تجمعه الأجزاء الحية من الرصاص، كما وجد أن الأوراق الميتة تمتص الرصاص من محلول لنترات الرصاص أكثر مما تمتصه الأوراق الحية.
6 ـ اختيار العناصر النافعة:
من المعجزات الإلهية المذهلة أن جعل في النباتات القدرة العجيبة على انتقاء واختيار العناصر الأساسية للحياة من المحلول الذي يحتوي على عناصر ذائبة نافعة وضارة، فلقد دلت نتائج الأبحاث التي أجريت على نباتات المحاصيل أن هذه النباتات من شأنها أن تنتقي وتختار الخارصين (الزنك) والنحاس ـ وهما من العناصر المطلوبة للوظائف الحيوية المختلفة ـ وتنقلهما إلى البذور والحبوب التي غالبًا ما تؤكل.
في حين أنها تستبعد انتقال الكادميوم والرصاص ـ وهما من العناصر الضارة بالنبات والحيوان والإنسان ـ إلى هذه الأجزاء، وقد فسرت هذه الظاهرة بأنها يمكن أن تكون كنتيجة لامتصاص انتقائي للخارصين والنحاس بواسطة الخلايا الوعائية الناقلة خلال أنسجة التكاثر التناسلية في النباتات.
7 ـ نسبة الامتصاص في الجهاز الهضمي:
يُعدّ تلوث الطعام والشراب بالرصاص من أعظم المصادر التي تسهم في سرعة تراكمه في أجسامنا مما يؤدي إلى ظهور مشكلاته الصحية بسرعة، ولقد حمانا المولى ـ سبحانه وتعالى ـ بأن جعل نسبة امتصاص الرصاص من الجهاز الهضمي قليلة، فهي تتراوح بشكل نموذجي بين 10% إلى 15% من كل الكمية الداخلة فيه، ولكن نسبة امتصاص الرصاص من الجهاز الهضمي يمكن أن تزداد بشكل كبير جدٌّا لدى الحوامل والأطفال والمرضى الذين يعانون من نقص الحديد وأولئك الذين يمارسون عملية تجويع الجسم.
8 ـ آليات أخرى:
هناك آليات أخرى منحنا الله إياها ـ من شأنها أن تذهب عنا قدرًا من الرصاص الذي يدخل في أجسامنا، ولا يتسع المجال هنا لشرح هذه الآليات، وتتمثل بعض هذه الآليات بإيجاز في أن الجسم يدفن الرصاص وغيره من بعض العناصر الضارة في الشعر والأظافر. وهنا يتكشف لنا شيء آخر من بعض الحكمة في التشريعات الإسلامية في الحث على إزالة شعر العانة والإبط وتهذيب شعر الرأس وتقليم الأظافر بصفة مستمرة، إذ يذهب عن الجسم ذلك الرصاص وتلك المواد الضارة التي ترسبت في الشعر والأظافر فيتخلص الجسم منها بهذه الإزالة.
وأود أن أشير في نهاية هذا المقال إلى أن آليات التوازن والتنقية الذاتية التي أودعها المولى ـ جلت قدرته ـ في كل شيء حي وغير حي لحمايتنا من أخطار جميع المواد والأشياء تسير دائمًا وأبدًا وفق حدود معينة محسوبة موزونة، غير أن الإنسان إذا تجاوز هذه الحدود بنشاطاته المختلفة،فإن ذلك يمكن أن يؤثر بشكل واضح على كفاءة هذه الآليات الأمر الذي قد يعرض الإنسان إلى الأخطار.
كما أننا لا نريد أن نوجه القارئ إلى أن وقود السيارات المحتوي على الرصاص هو الوقود الأمثل، وأنه يجب علينا الاستمرار في استخدام هذا النوع من الوقود، بل إنه يلزم علينا.
وكما ســبق أن أشرنا في مقدمة هذا المقال أن نعمل على وجود الوقود الخـــالي من الرصاص كي نجنب البشــــرية مصــــدرًا من مصادر تلوث البيئة بالرصــــاص، حتى وإن كان هـذا المصدر غالبًا ما يكون حبيسًا في بيئات الطـــرق، وأن نبحث عن البــديل الذي لا يؤثر على صحة الإنسان وبيئته، إذ أشـــرنا أن البـديل الجديد (MTBE) الذي أخذ يستخدم حاليٌّا في كثير من دول العالم بدأت تظهر بعض مشكلاته الصحية والاقتصادية والتي ربما تجاوزت وتعدت تلك الأخطار الصحية الناتجة من التعرض للرصاص.
وقد تكون إحدى مشكلات بديل الرصاص الحالي (MTBE) زيادة استهلاك الوقود الأمر الذي يؤدي إلى انطلاق كميات أكبر من المواد اليهدروكربونية المسببة لأمراض السرطانات ـ أعاذ الله الجميع منها ـ إضافة إلى الأخطار العظيمة التي تأتي من التعرض إلى البديل نفسه، ولكن هي دعوة إلى الالتفات إلى المصادر الأخرى الرئيسية التي تصاحبنا في حياتنا اليوميــة في أماكن معيشــــتنا وأماكن العمل التي نعمل فيها والتي من شأنها أن تعمل على دخول كميات ملحوظة من الرصاص في أجسامنا وأجسام أطفالنا خاصة.
وحتى نبتعد عن استيعاب الرصاص من هذه المصادر ننصح بالآتي:
نصائح وإرشادات:
1ـ التخفيف قدر الإمكان من تناول الأطعمة الجاهزة المحفوظة في المعلبات المعدنية، إذ تعمل مثل هذه المصادر على استيعاب كميات ملحوظة من الرصاص الذي يتسرب في المواد الغذائية المحفوظة فيها من جدار العلبة ومن مادة اللحام التي تعمل على لحم غطاء العلبة بها.
2 ـ الحذر من الإفراط في استخدام صبغات الشعر ومواد التزيين الأخرى التي تحتوي على الرصاص.
3 ـ الحذر من ترك الأطفال يعبثون في كسرات الخشب المطلية أو كسرات الطلاء الساقطة من الجدر؛ فالكسرات قد تحتوي على كميات عالية جدٌّا من الرصاص.
4 ـ عدم الاعتماد في تبريد مياه الشرب على البرادات ذات النوع الرديء، والتي يكون خزان الماء فيها مصنوعًا من الزنك وملحومة أجزاؤه بمادة اللحام المعدنية المحتوية على الرصاص. فهذا النوع قد يحرر في ماء الشرب كمية كبيرة من الرصاص.
5 ـ الحذر من ترك الأطفال يعبثون في البطاريات الجافة منتهية الصلاحية.
6 ـ الحذر من بعض المستلزمات المدرسية مثل الأقلام السحرية، ومواد التلوين.
7 ـ توعية أطفالنا بأخطار الرصاص والسبل المثلى للتعامل مع الأشياء الكثيرة المتنوعة التي تصاحبهم في حياتهم اليومية والتي قد يحتوى بعضها على الرصاص.
د. عبدالبديع حمزة زللي-أستاذ علم البيئة
منقول للأهمية والإستفادة
وأعتذر على الإطالة