أسأل الله أن يمن علينا وعلى المسلمين أجمعين بالتوبة ، وأن تكون هذه الكلمات صدى في قلب كل من يقرأها ، ورادعا له بإذن المولى – سبحانه – من الفواحش والكبائر ، وأرجو ممن يقرأها أن يقرأ الكلام بتمعن وتدبر وتفكر ، وألا يجعل هواه هو الحكم بينه وبين هذه الكلمات ، أسأل الله – تعالى – أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه . اللهم آمين ...
فهذه رسالة إلى كل من تعدى حدوده وحدود الجبار المنتقم الذي إذا أخذ أحدا أخذه أخذ عزيز مقتدر لا يرده عن ذلك أحد وإلى كل أخ كريم خاف ربه واتقى نارا تشوي الوجوه ، يوم يقول لها الخالق – جل وعلا – " يوم نقول لجهنم هل امتلأت " فتقول لخالقها يوم تسود وجوه وتبيض وجوه " فتقول هل من مزيد " وإلى كل من استحل فروج النساء ليلقي بشهوته في الحرام فأقول له وبالله التوفيق :
إن الله تعالى ما خلق الجن والأنس إلا ليعبدوه وحده قال – جل شأنه – " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوه " ولا يطيعوا ذلك الشيطان الذي تمرد على رب العزة – جل وعلا - قال سبحانه : " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ( 11 ) قال ما منعك ألا تسجد لما أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( 12 ) " هكذا بدأ الشيطان فعصى خالقه ، وأخرج أبوينا من الجنة ، ثم توعد بأن يدمر الإنسان ، وأن يجعله يحيد عن درب ربه المستقيم ، إلا عباد الله المكرمين الذين أكرمهم الله بالإيمان فابتعدوا بنوره عن كل ما يغضب الله – جل وعلا - .
أخي العزيز :
إن جريمة الزنا أعظم الجرائم ، وهي أكبر الكبائر بعد الشرك ، فما بالك وقد وقعت فيها ؟ ألم تسمع قول المولى – جل وعلا – في تحديد عقوبة الزاني حينما قال " والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة " ألم تسمع قول الذي لا ينطق عن الهوى : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ..." أي أن الذي آمن بالله – تعالى – وعرف طريق الرشاد لا يزني أيدا مهما كانت الظروف لأنه عرف العقوبة في الدنيا ، ألم تسمع إلى قول الذي أوتي جوامع الكلم حينما قال – عليه أفضل الصلاة والسلام – وأرجو أن تتدبر هذا الحديث العظيم " إن من أشراط الساعة أن يظهر الزنا " أخي في الله ألم تفكر بعد ؟ ألم تفكر في هذا الحديث ؟ أتريد أن تكون ممن تقوم عليهم الساعة فيومئذ لا تنفع الحسرة ولا الندامة فاتق الله تعالى .
ما بالك أيها الأخ الكريم وقد سوفت التوبة وجعلت الأمل بالدنيا مبلغك ألم تسمع قول الله – جل جلاله – " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " ألا تخاف من الذي يراك أينما ذهبت وأينما اختبأت ؟ ألا تخاف أن يأتيك ملك الموت وأنت نائم فوق تلك الفتاة وأنت لست لها زوجا ؟ فيأتيك وينزع روحك ، بل ألا تخاف من سؤال منكر ونكير وأنت في ظلمة القبر لا ينفعك ندم ولا أب ولا أم إلا العمل ؟ والأعظم من ذلك ألا تخاف أن تحشر أمام الله – جل وعلا – زانيا نائما على تلك الفتاة تفرغ شهوتك فيها ؟ أنسيت يا من تختبئ عن أعين الناس أن الله يراك وهو ليس بغافل عنك ولكنه – سبحانه – رحيم بك بأنه لم يفضحك حتى الآن ولكن إذا أصررت على ما أنت عليه فسوف يفضحك أما الخلق جميعا يوم أن تقف بين يديه – جل وعلا - تشهد عليك جوارحك وأنت ساكت لا تنطق ، فانتظر ذلك اليوم ...
اسمع أخي إلى هذه الآيات التي تهتز بها القلوب ، وتقشعر منها الأبدان ، قال من لا يقول إلا الحق – جل وعلا – " والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب ..... " كفى بهذه الآيات رادعا وزاجرا .
هل بدأت تفكر أيها الأخ بالتوبة ؟ أم أن أثر المعصية لا زالت تحوم في مخيلتك ؟ إذا كنت لا تفكر بالرجوع إلى الله والتوبة إليه فاسمع إلى هذه القصة التي والله لو تدبرها القارئ لبكى بدل الدمع دما ، وأسأل الله أن يتوب علينا قبل الموت.
كان هناك شابان وكانت لهما مزرعة وفي نهاية كل أسبوع يأخذون بعض الفتيات فيذهبون بهن إلى تلك المزرعة التي تجمعت فيها الشياطين ، وفي ليلة من الليالي المظلمة وفي ساعة متأخرة جاء الشابان ومعهما الفريستين إلى المزرعة ، فعند وصولهما إليها وبعد أن حضروا كل شيء تذكر أحدهما شيئا قد نساه في منزله ، فركب سيارته ، وتوجه إلى بيته ، وبقي الشاب الثاني ينتظر في المزرعة ، وكان ذلك هو الخروج الأخير .
تأخر الشاب ، والصديق خائف يترقب ، فخرج هو الثاني من المزرعة متوجها إلى المنزل والقلب ترجف من الخوف ، وبينما هو في الطريق إذا بسيارة تصعد منها ألسنة اللهب وقد أحرقت ما فيها ، توجه ذلك الشاب إلى تلك السيارة إذا برجل ملقى على الأرض ، نظر إليه فإذا هو صديقه الذي كان يأمل أن يعود ليفض فرجا هو حرام عليه ، لكن المسكين لم يعلم أن خروجه هو الأخير ، حمله من الأرض فنطق وقال : ماذا أقول له ؟ ماذا أقول له ؟ ماذا أقول لله – تعالى - ؟ فخرجت روحه وكان أمله أن يعود ، ولم يتب فمات على ذلك ......
هذه القصة ليست من نسج الخيال ، ولكن وقعت حقيقة في إحدى مدن المملكة السعودية ، وما سردتها إلا كي تعتبر منها ، تخيل أخي واجعل نفسك في مكان ذلك الشخص ، وتفكر واسأل نفسك إلى متى سوف يطول بي الأمل إلى متى سوف أنام مع هذه وتلك ، إلى متى سوف أعصي الله – عزوجل – تب إلى الله وحاسب نفسك قبل أن يحاسبك ربك الملك الديان ، زن نفسك قبل أن توزن ، وقف مع نفسك وقفات ، وإياك والاستهزاء بمن يدعوك ويذكرك بالله – تعالى - .
يقول الله – جل جلاله – " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " غير ما في نفسك واجعل نيتك وتوبتك خالصة لله – تعالى – يوفقك الله – تعالى - .
وأنبهك إلى أمرين الأول هو : شروط التوبة : الندم على ما تفعل ، عدم الرجوع إلى المعصية ، إخلاص النية والتوبة لله – تعالى - .
أما الأمر الثاني : فقولك : إن لم أفعل ذلك فأين أفرغ شهوتي ؟ فأقول لك :
أرد عليك بقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " هذا هو الحل ، عليك بالزواج فإن لم تستطع فعليك بالصوم فإن الصوم لك جنة من المعاصي أي حرزا وحافظا لك من المعاصي . وصفات المؤمن التي ذكرها الله – عزوجل – في كتابه " وعباد الرحمن ........... والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ..."
فأين أنت من هذه الآيات وهذه الأحاديث لقد جعل الله على قلبك غشاوة فسارع إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت فلا راد له إذا أتى فإنه يأتي بغتة ، فأسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعا ، وأن يلهمنا توبة قبل الموت ، هذا وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وهذه الرسالة ما كتبتها إلا لخوفي عليك من العقاب الأليم وكتبتها لوجه الله – تعالى - . والحمد لله رب العالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...