الخنثى المُشْكِلْ.. والخنثى غير المُشْكِلْ
يقول د.فرج زهران الدمرداش أستاذ ورئيس قسم الفقه العام بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالإسكندرية: الخنثى هو الشخص الذى توجد عنده الأعضاء التناسلية للذكر والأعضاء التناسلية للأنثى، وهو ينقسم عند الفقهاء إلى قسمين: خنثى مُشْكِلْ.. وخنثى غير مُشْكِلْ. فالخنثى المُشْكِلْ هو من كانت خنوثته حقيقية، أى له أعضاء الذكورة وأعضاء الأنوثة، وكل منهما ظاهر، وقد تتساوى الأعضاء من حيث الخلقة ولا يتغلب أحدها على الآخر، وقد لا تتساوى، وقد يفيد معها العلاج، وقد لا يفيد. والخنثى غير المُشْكِلْ هو من كانت خنوثته كاذبه أى مرضية، وهو ما تتغلب فيه إحدى الناحيتين على الأخرى سواء كانت أعضاء الذكورة أو أعضاء الأنوثة كل منهما ظاهر خارج الجسم أو بعضها ظاهر والآخر مطمور مختفى داخل الجسم، وهذه يفيد معها العلاج والتحويل إلى أحد الجنسين عادة، وغالباً عند البلوغ أو فى سن معينة يقررها الطبيب.
وّرِّثُوه من حيث يَبُول
ويضيف د.فرج زهران: موضوع الخنثى محل اهتمام الفقهاء من حيث الأحكام الشرعية التى تتعلق به من مثل ميراثه، وختانه، وزواجه، وإمامته، وجنايته على غيره، وجناية غيره عليه، ونحو ذلك.. وقد عرف موضوع الخنثى منذ أيام الجاهلية قبل الإسلام، وأول من حكم فيه كان "عامر بن الظرب" وكانت العرب فى الجاهلية تلجأ إليه فى معضلات الأمور، وترضى بحكمه، فلما سألوه عن الخنثى أنجعله ذكراً أو أنثى ؟.. أشكل عليه واحتار فى الأمر.. فأشارت عليه جاريته قائلة: اتبع القضاء المبال!!.. أى يتحدد نوعه من حيث الذكورة أو الأنوثة بالعضو الذى يبول منه.. وهو ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن ميراث الخنثى كيف نورثه يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"وّرِّثُوه من حيث يَبُول".
ليس تغييراً لخلق الله
ويواصل د.فرج زهران: والشرع قد قرر شرعية التداوى والعلاج لقوله صلى الله عليه وسلم:"تداووا عباد الله، فإنما خلق الله لكل داء دواء" لأن ذلك مرجعه إلى تحقيق المصالح الشرعية وليس مجرد العبث بأجساد الناس وتعريضها للتلف، ولا شك أن الكشف عن حقيقة جنس الخنثى وتحديد صفته من حيث الذكورة أو الأنوثة، ومعرفة طبيعة الأحكام الشرعية التى تطبق عليه؛ لهو من أعظم المصالح الشرعية التى يعمل الطب على تحقيقها، فالطب كالشرع كلاهما موضوع لمصالح العباد، ولأن الإسلام يعتبر طلب العلاج من قدر الله كما أن المرض من قدر الله، وليس هذا تغييراً لخلق الله، لأن هذه ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، قال تعالى:"وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار"، ومن المقرر شرعاً أن الضرر يزال، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما، وفى دفع أعظم المفسدتين أو الضرر الأشد مصلحة، والحكم الشرعى يتبع المصلحة. ومن القواعد الكلية فى الفقه الإسلامى أنه "إذا ضاق الأمر اتسع" وأيضاً "المشقة تجلب التيسير"، ولكل حكم شرعى سبب شرعى.
عندما تكون الجراحة من عمل الشيطان!!
ويؤكد د.فرج زهران: هذا بالطبع بخلاف الخنوثة المفتعلة أو المزعومة أى غير المرضية، فهذه لا يجوز شرعاً بأى حال من الأحوال اللجوء فيها إلى أى عمل علاجى لتغييرها جراحياً كان أو غير جراحى، لأن هذا افتراء على الله فى خلقته، وذلك عمل شيطانى داخل فى مفهوم قوله تعالى نقلاً عن إبليس اللعين "ولأمرنهم فليغيرن خلق الله".