البقية:
الاحتفال بشم النسيم عند المصريين :
هذا ما كان عند اليهود وتأثر المسيحيين به في عيد الفصح. أما الأقباط
وهم المصريون الذين اعتنقوا المسيحية فكانوا قبل مسيحيتهم يحتفلون
بعيد شم النسيم كالعادة القديمة، أما بعد اعتناقهم للدين الجديد فقد وجدوا أن
للاحتفال بعيد شم النسيم مظاهر وثنية لا يقرها الدين، وهم لا يستطيعون التخلص
من التقاليد القديمة، فحاولوا تعديلها أو صبغها بصبغة تتفق مع الدين الجديد،
فاعتبروا هذا اليوم يومًا مباركًا بدأت فيه الخليقة، وبشر فيه جبريل مريم العذراء
بحملها للمسيح، وهو اليوم الذي تقوم فيه القيامة ويحشر الخلق، ويذكرنا هذا بحديث
رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة،
فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلى في يوم الجمعة"
صحيح مسلم بشرح النووي "ج6 ص 142".
فاحتفل أقباط مصر بشم النسيم قوميًا باعتباره عيد الربيع، ودينيًا باعتباره
عيد البشارة، ومزجوا فيه بين التقاليد الفرعونية والتقاليد الدينية.
وكان الأقباط يصومون أربعين يومًا لذكرى الأربعين التي صامها المسيح عليه السلام،
وكان هذا الصوم يبدأ عقب عيد الغطاس مباشرة، فنقله البطريرك الإسكندري
ديمتريوس الكرام، وهو البطريرك الثامن عشر "188-234م" إلى ما قبل عيد القيامة
مباشرة، وأدمج في هذا الصوم صوم أسبوع الآلام، فبلغت عدته خمسة وخمسين يومًا،
وهو الصوم الكبير، وعم ذلك في أيام مجمع نيقيه "325م" وبهذا أصبح عيد الربيع
يقع في أيام الصوم إن لم يكن في أسبوع الآلام، فحرم على المسيحيين
أن يحتفلوا بهذا العيد كعادتهم القديمة في تناول ما لذ وطاب من الطعام والشراب،
ولما عز عليهم ترك ما درجوا عليه زمنًا طويلاً تخلصوا من هذا المأزق فجعلوا
هذا العيد عيدين، أحدهما عيد البشارة يحتفل به دينيًا في موضعه، والثاني
عيد الربيع ونقلوه إلى ما بعد عيد القيامة، لتكون لهم الحرية في تناول ما يشاءون،
فجعلوه يوم الاثنين التالي لعيد القيامة مباشرة، ويسمى كنسيًا "اثنين الفصح"
كما نقل الجرمانيون عيد الربيع ليحل في أول شهر مايو.
من هذا نرى أن شم النسيم بعد أن كان عيدًا فرعونيًا قوميًا يتصل بالزارعة
جاءته مسحة دينية، وصار مرتبطًا بالصوم الكبير وبعيد الفصح أو القيامة،
حيث حدد له وقت معين قائم على اعتبار التقويم الشمسي والتقويم القمري معًا،
ذلك أن الاعتدال الربيعي مرتبط بالتقويم الشمسي، والبدر مرتبط بالتقويم القمري،
وينهما اختلاف كما هو معروف، وكان هذا سببًا في اختلاف موعده من عام لآخر،
وفي زيادة الاختلاف حين تغير حساب السنة الشمسية من التقويم اليولياني
إلى التقويم الجريجوري.
وبيان ذلك: أن التقويم القمري كان شائعًا في الدولة الرومانية،
فأبطله يوليوس قيصر، وأنشأ تقويمًا شمسيًا، قدر فيه السنة بـ 25 و365 يومًا،
واستخدم طريقة السنة الكبيسة مرة كل أربع سنوات، وأمر يوليوس قيصر باستخدام
هذا التقويم رسميًا في عام 708 من تأسيس روما، وكان سنة 46 قبل الميلاد، وسمي
بالتقويم اليولياني، واستمر العمل به حتى سنة 1582م حيث لاحظ. الفلكيون في عهد
بابا روما جريجورويوس الثالث عشر خطأ في الحساب الشمسي، وأن الفرق بين السنة
المعمول بها والحساب الحقيقي هو 11 دقيقة، 14 ثانية، وهو يعادل يومًا
في كل 128 عامًا، وصحح البابا الخطأ المتراكم فأصبح يوم 5 من
أكتوبر سنة 1582 هو يوم 15 أكتوبر سنة 1582م وهو التقويم المعروف
بالجريجوري السائد الآن.
وعندما وضع الأقباط تاريخهم وضعوه من يوم 29 من أغسطس سنة 284م
الذي استشهد فيه كثيرون أيام "دقلديانوس" جعلوه قائمًا على الحساب اليولياني
الشمسي، لكن ربطوه دينيًا بالتقويم القمري، وقد بني على قاعدة وضعها
الفلكي "متيون" في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو أن كل 19 سنة شمسية
تعادل 235 شهرًا قمريًا، واستخدم الأقباط هذه القاعدة منذ القرن الثالث الميلادي.
وقد وضع قواعد تقويمهم المعمول به إلى الآن البطريرك ديمتريوس الكرام،
وساعده في ذلك الفلكي المصري بطليموس.
وبهذا يحدد عيد القيامة "الذي يعقبه شم النسيم" بأنه الأحد التالي للقمر الكامل
"البدر" الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة.
وقد أخذ الغربيون الحساب القائم على استخدام متوسط الشهر القمري
لحساب ظهور القمر الجديد وأوجهه لمئات السنين "وهو المسمى بحساب الألقطي"
وطبقوه على التقويم الروماني اليولياني، فاتفقت الأعياد المسيحية عند
جميع المسيحيين كما كان يحددها التقويم القبطي، واستمر ذلك حتى سنة 1582م
حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل الجريجوري.
ومن هنا اختلف موعد الاحتفال بعيد القيامة وشم النسيم. والله أعلم .
منقول من إسلام أون لاين
__________________
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)سورة الطلاق
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ الله عَنْه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
{ ما مَنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدعٌو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إلاّ قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ }.[size=1]رواه مسلــم [/
size]،
أخوكم المحب الناصح همام hamam129