منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - وقفات مع غزوة بدر ((يوم الفرقان))
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2007, 02:50 AM
  #2
القلب المجروح
عضو متألق
 الصورة الرمزية القلب المجروح
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 1,383
القلب المجروح غير متصل  
doodah

ثم ركب عتبة جملاً له، وسار عليه في صفوف المشركين فقال: يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل؛ فإن كان كاذباً ولي قتله غيركم من العرب ، فإن فيهم رجالاً لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه ، فيورث ذلك فيكم إحناً وضغائن، وإن كان هذا الرجل ملكاً كنتم في ملك أخيكم، وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به ، ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم منكم، ولا آمن أن تكون لهم الدبرة (النصر) عليكم (12).
ذهب حكيم إلى أبي جهل وقال: يا أبا الحكم، إن عتبة قد أرسلني بكذا وكذا ، فقال: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، وعمد إلى ابن الحضرمي (أخو عمرو المقتول في السرية السابقة) فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه(أي منتصرون على محمد) وفيهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم ، وأمر النساء أن يعولن عمراً، فقمن يصحن: واعمراه ! واعمراه ! تحريضاً على القتال (13).
وقَامَ عَامِرُ بْنُ الحضرمي فَاكْتَشَفَ، ثُمّ حَثَا عَلَى رَأْسِهِ التّرَابَ، ثُمّ صَرَخَ وَاعَمْرَاه، وَحَلَفَ عَامِرٌ لا يَرْجِعُ حَتّى يَقْتُلَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّد، ولم تجد دعوة حكيم وعتبة آذانا صاغية أمام إصرار أبي جهل وعناده ، وظنه أن جيشه لن يهزم ، وأن بإمكانه القضاء على الإسلام وأتباعه ، ووصف الله حالته هذه في قوله تعالى  وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) ((الأنفال )) ..
وارتحلوا من الغد قاصدين نحو ماء بدر يملؤهم البطر والرياء كما قال تعالى ... وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)(( الأنفال )).
فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلين قال: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض بعد اليوم" (14) وأخذ يلح على الله في دعائه، ويديه إلى السماء ويكرر" اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم نصرك" (15) حتى سقط الرداء عن منكبيه صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الوحي عليه يعلمه بعد هذا التضرع أن الله منزل الملائكة الذين وعده بهم ، ورسم طريقة القتال الناجحة، فقال سبحانه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)((الأنفال ))
وكان ذلك هو التوجيه الثالث في القرآن الكريم للمؤمنين ، إذ إن الخطاب موجه لهم أيضا.
ومع إن معنى هذه الآية يشير إلى أن نتيجة المعركة حسمت لصالح المؤمنين ، إلا أن رسول الله حرص على ألا يكون هو البادئ ، بل ورجا أن يتراجعوا عن قرارهم في اللحظة الأخيرة ، وقال لما رأى عتبة بن ربيعة: إن يطيعوه فيما دعاهم إليه يرشدوا؛ ليؤكد ما ذكر من قبل أنه كان يتحاشى سفك الدماء ، وأن صدود المشركين عن الله هو الذي اضطره للقتال الذي يعد أمرا استثنائيا في شريعة الإسلام ، ويعزز ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : إن أناسا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، ولا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا منهم فلا يقتله، وسماهم بالاسم (16).وأصدر أوامره إلى أصحابه بألا يبدءوا القتال فقال‏:‏ ‏"‏إذا أكثبوكم ـ يعنى اقتربوا منكم ـ فارموهم، واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم" (17)‏ فقَالَ أبو جهل لِرجل يسمى "عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ : حَرّشْ بَيْنَ النّاسِ ، فَحَمَلَ عُمَيْرٌ ونَاوَشَ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَقَدّمَ ابْنُ الْحَضْرَمِىّ فَشَدّ عَلَى الْقَوْمِ ونَشِبَتْ الْحَرْبُ (18).
ثم خرج رجل يسمى "الأسود بن عبد الأسد المخزومي " وكان شرساً سيئ الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، وأتاه فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فالتقيا فضربه حمزة فقطع ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً ، ورغم ذلك أصر على أن ينفذ ما عزم عليه ، وزحف إلى الحوض حتى اقتحمه، فأتبعه حمزة فقتله في الحوض (19).
وخرج عتبة بن ربيعة ومعه أخوه وابنه، ودعوا للمبارزة؛ ليظهر لأبي جهل أنه لم يناد بعودة الناس لأنه جبان كما زعم، فخرج إليه ثلاثة من الأنصار، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: من الأنصار، فردوا عليهم ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا ، فخرج إليهم عبيدة بن الحارث و حمزة وعلي رضي الله عنهم ، وانتهت المبارزة بمقتل المشركين الثلاثة، وإصابة عبيدة فقط من المسلمين‏‏.‏‏ ثم التحم الفريقان بعد ذلك ، فما انتهى يوم الجمعة إلا والمشركون يولون الأدبار تاركين وراءهم أمتعتهم بعد أن هزموا شر هزيمة، وقتل منهم حوالي سبعين رجلا، وأسر مثل ذلك ، وكان من بين القتلى سادة المشركين الذين طالما حادوا الله، وعلى رأسهم أبو جهل مسعر الحرب ، وأما من أصيبوا فلم تحدد الروايات عددهم ، في مقابل أربعة عشر شهيدا فقط من المسلمين.
وشاء الله أن يقتل بعض الطغاة على أيد من كانوا يعذبونهم في مكة ، فقتل أمية بن خلف الذي كان يقال له سيد الوادي على يد بلال بن رباح ، الذي كان يستغل ضعفه وعبوديته وافتقاده للنصير في صب العذاب عليه صبا ، وتقطع رقبة أبي جهل على يد عبد الله بن مسعود الذي قطعت أذنه في لطمة منه ، ليقول الله للعالمين: إن الإنسان مهما عز بقوته فإن القدر لاحقه ، وإن الله ليمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
ثم كانت المكافئة الكبرى لمن شهد هذه المعركة أن اطلع الله عليهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم وقال ": اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة" (20) أو " قد غفرت لكم " وذلك جزاء طاعتهم لرسول الله وصبرهم معه.
وفي اليوم التالي قام رسول الله بدفن جثث شهداء المسلمين ، ودفن جثث القتلى من المشركين في مكان آخر أيضا؛ تقديرا لإنسانيتهم التي يأمر الإسلام بتكريمها وإن كانت كافرة ، وبعدها وقف صلى لله عليه وسلم على قبرهم وقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. فقال بعض الحاضرين: يا رسول الله أتنادي أقواماً قد جيفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا (21).وانتهت بذلك أول مواجهة بينه صلى الله عليه وسلم وبين المشركين؛ لتؤكد أن العدد والعدة ليست هي سبب النصر فقط ، وإنما هناك معية الله سبحانه وتعالى ومدده وجنده ، هذه المعية التي ينتصر بها المؤمن الضعيف بعد يأسه على الطاغي القوي بعد تجبره ، وتحصل هذه المعية بلجوء المسلم إلى الله والاستغاثة به ، وبذلك جاء التوجيه الرابع للمسلمين في القرآن يقول: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) ((آل عمران))
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينعم علينا ، ونحن في رمضان ذلكم الشهر الذي طالما هل على المسلمين بالنصر والعزة أن يتفضل علينا بيوم كيوم الفرقان ، يكسر فيه شوكة كل متكبر ، وينصرنا فيه بنصر من عنده ...

اللهم آمين
الهوامش :
(1 ) ابن هشام : السيرة ج2 ص 61
(2) ابن كثير : البداية ج3 ص261
(3) السابق : ج3 ص 258
(4) الذهبي : تاريخ الإسلام ج1 ص 169
(5) السيرة لابن حبان : ج1 ص 157
(6) ابن كثير : السيرة ج2 ص 399
(7) ابن كثير : البداية ج3 ص 268
(8) ابن هشام : السيرة ج3 ص161
(9 الذهبي : تاريخ الإسلام ج1 ص 170 و البداية والنهاية (ج 3 - ص 267).
(10) ابن كثير : البداية ج3 ص276
(11 ) ابن هشام : السيرة ج3 ص269
(12 ) السابق : ج3 ص 270وما بعدها
(13 ) ابن كثير : السيرة ج2 ص406
(14 )ابن هشام : السيرة النبوية ج3 ص168 وما بعدها و ابن سيد الناس : عيون الأثر ج 1 ص 378
(15) رواه البخاري ومسلم
(16 ) ابن كثير : البداية ج3 ص284
(17 ) مصنف أبي شيبة
(18 ) مختصر سيرة الرسول : ص 112
(19) ابن كثير : البداية ج3 ص272
(20) رواه البخاري وأحمد وابن حبان
(21) رواه البخاري

منقول
__________________