منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - مـوقــ عـين جـالــوت ـــعة (( واسلاماه ))
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2007, 04:32 AM
  #3
القلب المجروح
عضو متألق
 الصورة الرمزية القلب المجروح
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 1,383
القلب المجروح غير متصل  
doodah " مـوقــ عـين جـالــوت ـــعة "

" مـوقــ عـين جـالــوت ـــعة "

جاء جيش كتبغا وقد امتلأ بالصلف والغرور والكبر تسبقه سمعته العالية في سفك الدماء وتخريب الديار وإفناء البشر.. وقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً.. ومر الجيش غرب بيسان، وانحدر جنوباً في اتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها ورتبت صفوفها ووقفت في ثبات تنتظر الجيش التتري..
وبينما قطز في سهل عين جالوت إذا بأعداد غفيرة من المتطوعين المسلمين من أهل فلسطين يخرجون من القرى والمدن ليلتحقوا بالجيش المسلم، وقد تيقنوا أن حرباً حقيقية ستحدث قريبًا..


جند الله في جيش التتار!!
وبينما هم كذلك جاء رجل من أهل الشام وهو يسرع المسير، ويطلب أن يقابل أمير القوات الإسلامية قطز ومن معه من بقية الأمراء، وقال إنه رسول جاء من قبل "صارم الدين أيبك"..
وصارم الدين أيبك هو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو عند غزوه بلاد الشام، ثم قبل الخدمة في صفوف جيش التتار، واشترك معهم في مواقعهم المختلفة، وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت، ولا ندري إن كان قد قبل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه، أم قَبِل ذلك مضطراً وهو يعد العدة لينفع المسلمين.. لا ندري هذا، فهذا بينه وبين الله عز وجل..
أرسل صارم الدين أيبك ذلك الرسول إلى قطز ليخبره ببعض المعلومات الهامة جداً عن جيش التتار..
وقد نقل هذا الرسول إلى قطز رحمه الله المعلومات التالية:
ـ أولاً: جيش التتار ليس بقوته المعهودة، فقد أخذ هولاكو معه عدداً من القادة والجند (وذلك عند ذهابه إلى تبريز بفارس)؛ فلم يعد الجيش على نفس الهيئة التي دخل بها إلى الشام، فلا تخافوهم..
.. فكانت هذه المعلومة الهامة شحنة قوية أمدت الجيش الإسلامي بطاقة عالية..
ـ ثانيا: ميمنة التتار أقوى من ميسرتهم، فعلى جيش المسلمين أن يقوي جداً من ميسرته والتي ستقابل ميمنة التتار..
ـ ثالثاً: (وهو خبر هام) أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار بفرقته، ومعه صارم الدين أيبك، ولكنهم سوف ينهزمون بين يدي المسلمين..
وبذلك انتهى يوم الرابع والعشرين من رمضان
وحان وقت الفجر.. وصلى المسلمون الفجر في خشوع.. ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس.. هذا يوم الجمعة الخامس والعشرون من رمضان سنة 658 هجرية, وبشروق الشمس أضاءت الدنيا, ورأى المسلمون من بعيد.... جيش التتار!!..
أتى الجيش التتري المهول من اتجاه الشمال، وبدأ في الاقتراب من سهل عين جالوت، وعلى أبواب السهل وقف الجيش التتري في عدده الرهيب وعدته القوية..
ولم يكن بالسهل أحد من المسلمين، فقد كانوا يقفون جميعاً خلف التلال..
لكن ـ كما أشرنا من قبل ـ فإن مقدمة جيش المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس كانت لا تخفي نفسها، وذلك حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش.. ومع ذلك فعند قدوم جيش التتار كانت هذه المقدمة مختفية هي الأخرى، ثم أشار لها قطز رحمه الله أن تنزل من فوق التلال للوقوف على باب السهل لقتال الجيش التتري..
وبدأت القوات الإسلامية تنساب من فوق التل إلى داخل سهل عين جالوت، ثم تتجه إلى شمال السهل
للاقتراب من جيش التتار..
ولم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، وفي صورة عجيبة..
وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية.. لقد كانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء.. فكانت هناك ضربات معينة للميمنة وضربات معينة للميسرة وضربات معينة للقلب، وكانت هناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وكانت هناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية، وبذلك يستطيع القائد قطز رحمه الله أن يقود المعركة عن بعد، وعلى مساحة شاسعة من الأرض من خلال دقات هذه الآلات الضخمة.. هذا فوق الرهبة التي كانت تقع في قلوب الأعداء من جراء سماع هذه الأصوات المزلزلة، بينما كانت هذه الدقات تثبت المسلمين، وتشعرهم بمعية القائد لهم في كل تحرك من تحركاتهم..
ووقف الأمير ركن الدين بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما ترك السهل بكامله خالياً من خلفه، واقتربت جداً ساعة الصفر..

واحتدم اللقاء!
ونظر كتبغا إلى مقدمة القوات الإسلامية وكان لا يدرك شيئاً عن القوات الرئيسية المختبئة خلف التلال، فوجد أن قوات المقدمة الظاهرة أمامه قليلة جداً بالنسبة لقواته.. ومع ذلك فهي في هيئة حسنة ومنظر مهيب، فأراد كتبغا أن يحسم المعركة لصالحه من أول لحظاتها.. لذلك قرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لحرب مقدمة المسلمين..
وهذا تماماً ما كان يريده الملك المظفر قطز رحمه الله ..
وأعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء لقواته..
وانهمرت جموع التتار الرهيبة وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش المسلمين..
أعداد هائلة من الفرسان ينهبون الأرض في اتجاه القوات الإسلامية..
أما القائد المحنك ركن الدين بيبرس فقد كان يقف في رباطة جأش عجيبة, ومعه الأبطال المسلمون يقفون في ثبات، وقد ألقى الله عز وجل عليهم سكينة واطمئناناً، وكأنهم لا يرون جحافل التتار..
حتى إذا اقتربت جموع التتار أعطى بيبرس إشارة البدء لرجاله.. فانطلقوا في شجاعة نادرة في اتجاه جيش التتار، ولا ننسى أن هذه المقدمة الإسلامية قليلة جداً بالنسبة لجيش التتار..
وارتطم الجيشان ارتطاماً مروعاً..
وارتفعت سحب الغبار في ساحة المعركة، وتعالت أصوات دقات الطبول وأصوات الآلات المملوكية، وعلت صيحات التكبير من الفلاحين الواقفين على جنبات السهل وامتزجت قوات المسلمين بقوات التتار، وسرعان ما تناثرت الأشلاء وسالت الدماء، وعلا صليل السيوف على أصوات الجند..
واحتدمت المعركة في لحظات.. ورأى الجميع من الهول ما لم يروه في حياتهم قبل ذلك..
كانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل فرق المسلمين، وقد أحسن قطز رحمه الله اختيارها لتكون قادرة على تحمل الصدمة التترية الأولى.. والذي يحرز النصر في بداية المعركة يستطيع غالبًا أن يحافظ عليه إلى النهاية.. ليس فقط للتفوق العسكري ولكن أيضاً للتفوق المعنوي..
وكان كثير من أمراء هذه المقدمة بما فيهم ركن الدين بيبرس من أولئك الذين شاركوا في موقعتي المنصورة وفارسكور ضد الحملة الصليبية السابقة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وذلك منذ عشر سنوات في سنة 648 هجرية، وبذلك يكون هؤلاء الأمراء من أصحاب الخبرة العسكرية الفائقة، ومن أعلم القادة بطرق المناورة وأساليب القتال وخطط الحرب..

غباء القوة!!
وثبتت القوات الإسلامية ثباتاً رائعاً مع قلة عددها، مما دفع كتبغا إلى استخدام كل طاقته دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف الجيش التتري..
كل هذا وقطز رحمه الله يرقب الموقف عن بعد، ويصبر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة..
ومرت الدقائق والساعات كأنها الأيام والشهور..
ومع الفجوة الهائلة في العدد بين الفريقين إلا أن اللقاء كان سجالاً حتى هذه اللحظات..
كان هذا هو الجزء الأول من الخطة الإسلامية: استنزاف القوات التترية في حرب متعبة، والتأثير على نفسياتهم عند مشاهدة ثبات المسلمين وقوة بأسهم..
ثم جاء وقت تنفيذ الجزء الثاني من الخطة الإسلامية البارعة.. ودقت الطبول دقات معينة لتصل بالأوامر من قطز إلى بيبرس ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة..
وكان الجزء الثاني من الخطة عبارة عن محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، وحبذا لو سُحب الجيش بكامله، بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيداً لحصارها..
وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ هذا الجزء من الخطة على صعوبته، فكان عليه أن يُظهر الانهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل، على ألا يكون هذا التراجع سريعاً جداً حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا بطيئاً جداً فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع.. وهذا الميزان في الانسحاب يحتاج إلى قدرة قيادية فائقة، كما يحتاج إلى رجال أشداء مهرة في القتال..
وقد كانت هذه العوامل متوافرة في الجيش بحمد الله، وقبل هذا بالطبع كان توفيق الله عز وجل عونًا لهذا الجيش الصامد..
وبدأ ركن الدين بيبرس في الانسحاب التدريجي المدروس، وكلما رجع خطوة تقدم جيش التتار في مكانه..
وقام المسلمون بتمثيلية الانهزام خير قيام، وتحمس كتبغا ومن معه للضغط على المسلمين، وبدءوا يدخلون السهل وهم يضغطون على المسلمين، ومر الوقت ببطء على الطرفين، ولكن في النهاية دخل جيش التتار بكامله إلى داخل سهل عين جالوت, وانسحب ركن الدين بيبرس بمقدمة الجيش إلى الناحية الجنوبية من سهل عين جالوت، وفي غضون حماسة كتبغا للقضاء على جيش المسلمين لم يترك أياً من قواته الاحتياطية خارج السهل بل أخذ معه كل جنوده!! وهكذا دفع كتبغا جيشه دفعاً للدخول بكامله في سهل عين جالوت..
وبذلك نجح الجزء الثاني من الخطة الإسلامية نجاحاً مبهراً..
وبدأ تنفيذ الجزء الثالث من الخطة..
وجاءت إشارة البدء من قطز عن طريق الطبول والأبواق..

كتبغا في المصيدة!!
ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال إلى ساحة المعركة.. نزلت من كل جانب، وأسرعت فرقة قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم..
الخطة تسير في منتهى الإحكام والدقة، ومع ذلك فهذه الخطة تحمل في طياتها خطورة عظيمة على الجيش الإسلامي نفسه.. لماذا؟ لأن حصار التتار دون ترك فرصة الهروب لهم سوف يدفع كل الجنود التتار لإخراج كل طاقاتهم.. إنهم سيقاتلون قتال المستميت..
قتال المحصور.. قتال الحياة أو الموت وليس قتال الهزيمة أو النصر..
لكن في نفس الوقت إن نجحت الخطة فسوف يكون فيها هلاك عدد ضخم من الجيش التتري.. وقد تكون هذه هي الضربة القاصمة القاضية على هذا الجيش الرهيب..
واكتشف كتبغا الخطة الإسلامية بعد فوات الأوان، وحُصر هو والتتار في داخل سهل عين جالوت، وبدأ الصراع المرير في واحدة من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ.. لا مجال للهرب، ولا مجال للمناورات.. السهل منبسط والمساحات مكشوفة، وليس هناك من حماية إلا خلف السيوف والدروع.. لا بديل عن القتال حتى الموت..
حرب ضارية بشعة.. أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وبدءوا يقاتلون بحمية بالغة.. والمسلمون صابرون ثابتون..
وظهر تفوق الميمنة التترية ـ كما أخبر بذلك رسول صارم الدين أيبك ـ وبدأت الميمنة التترية تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وبدأ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي، وتتعادل بذلك الكفتان، وقد ترجح كفة التتار.. ويصبح إغلاق السهل خطراً على المسلمين..
وقطز رحمه الله يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه فِرَق الجيش إلى سد الثغرات، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة..
وشاهد قطز رحمه الله المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بقوات احتياطية، ولكن الضغط التتري استمر، وبدأ بعض المسلمين يشعر بصعوبة الموقف، ولعل بعضهم قد شك في النصر، ولا ننسى السمعة المرعبة لجيش التتار الذي قيل عنه إنه لا يهزم..

يتبع
__________________