الفصل الثالث
في الطوارئ على الحيض
الطوارئ على الحيض أنواع:-
الأول: زيادة أو نقص مثل أن تكون عادة المرأة ستة أيام فيستمر بها الدم إلى سبعة أو تكون عادتها سبعة أيام فتطهر لستة.
الثاني: تقدم أو تأخر مثل أن تكون عادتها في آخر الشهر فترى الحيض في أوله أو تكون عادتها في أول الشهر فتراه في آخره. وقد اختلف أهل العلم في حكم هذين النوعين والصواب أنها متى رأت الدم في حائض ومتى طهرت منه فهي طاهر سواء زادت عن عادتها أم نقصت وسواء تقدمت أم تأخرت وسبق ذكر الدليل على ذلك في الفصل قبله حيث علق الشارع أحكام الحيض بوجوده. وهذا مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقواه صاحب المغني فيه ونصره وقال "ولو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ولما وسعه تأخير بيانه إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت فلم يكن ليغفل بيانه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير. اهـ
النوع الثالث: صفرة أو كدرة بحيث ترى الدم أصفر كماء الجروح أو متكدراً بين الصفرة والسواد فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض نثبت له أحكام الحيض ، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض لقول أم عطية رضي الله عنها كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً. رواه أبو داود بسند صحيح ورواه أيضاً البخاري بدون الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض قال في شرحه فتح الباري يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها "حتى ترين القصة البيضاء" وبين حديث أم عطية المذكور في الباب بأن ذلك أي حديث عائشة محمول على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام الحيض وأما في غيرها فعلى ما قالت أم عطية. اهـ. وحديث عائشة الذي أشار إليه هو ما علقه البخاري جازماً به قبل هذا الباب إن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة (شيء تحتشي به المرأة لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء) فيها الكرسف (القطن) فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء والقصة البيضاء ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.
النوع الرابع: تقطع في الحيض بحيث ترى يوماً دماً ويوماً نقاء نحو ذلك فهذان حالان:-
الحال الأول: أن يكون هذا مع الأنثى دائماً كل وقتها فهذا دم استحاضة يثبت لمن تراه حكم المستحاضة.
الحال الثاني: أن لا يكون مستمراً مع الأنثى بل يأتيها بعض الوقت ويكون لها وقت طهر صحيح فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا النقاء هل يكون طهر أو ينسحب عليه أحكام الحيض؟ فمذهب الشافعي في أصح قوليه أنه ينسحب عليه أحكام الحيض فيكون حيضاً وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب الفائق ومذهب أبي حنيفة وذلك لأن القصة البيضاء لا ترى فيه ولأنه لو جعل طهراً لكان ما قبله حيضه وما بعده حيضه ولا قائل به وإلا لانقضت العدة بالقرء بخمسة أيام ولأنه لو جعل طهراً لحصل له حرج ومشقة بالاغتسال وغيره كل يومين والحرج منتف في هذه الشريعة ولله الحمد.
والمشهور من مذهب الحنابلة أن الدم حيض والنقاء طهر إلا أن يتجاوز مجموعهما أكثر الحيض فيكون الدم المتجاوز استحاضة وقال في المغني "يتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح إن شاء الله لأ الدم يجري مرة وينقطع أخرى وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي لقوله تعالى: (( وما جعل عليكم في الدين من حرج)) الحج آية 78 قال فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهراً إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء اهـ.
فيكون قول صاحب المغني هذا وسطاً بين القولين والله أعلم بالصواب.
النوع الخامس: جفاف في الدم بحيث ترى الأنثى مجرد رطوبة فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهذا حيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض لأن غاية حالة أن يلحق بالصفرة والكدرة وهذا حكمها.
الفصل الرابع
في أحكام الحيض
للحيض أحكام كثيرة تزيد عن العشرين نذكر منها ما نراه كثير الحاجة فمن ذلك:
الأول: الصلاة. فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة فتجب عليها الصلاة حينئذ سواء أدركت ذلك من أوله: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض. ومثال ذلك من آخره: امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة أم إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة فإن الصلاة لا تجب عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" متفق عليه. فإن مفهومه أن من أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركاً للصلاة.
وإذا أدركت ركعة من وقت صلاة العصر فهل تجب عليها صلاة الظهر مع العصر أو ركعة من وقت صلاة العشاء الآخرة فهل تجب عليها صلاة المغرب مع العشاء؟. في هذا خلاف بين العلماء والصواب أنها لا يجب عليها إلا ما أدركت وقته وهي العصر والعشاء الآخرة فقط لقوله صلى الله عليه وسلم "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" متفق عليه . لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم فقد أدرك الظهر والعصر ولم يذكر وجوب الظهر عليه والأصل براءة الذمة وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك حكاه عنهما في شرح المهذب.
وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والتسمية على الأكل وغيره وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض يعني إلى صلاة العيدين وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيَّض المصلّى)). فأما قراءة الحائض القرآن بنفسها فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها. قال النووي في شرح المهذب " جائز بلا خلاف". وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر هو جائز وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في فتح الباري. وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي لا بأس أن تقرأ الآية. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى مجموعة ابن قاسم " ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً فإن قوله لا تقرأ الحائض و لا الجنب شيئاً من القرآن حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما يقولونه في الناس فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً مع العلم أنه لم ينه عن ذلك وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم" اهـ.
والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال الأولى للحائض أن لا تقرأ القرآن نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى تلقين المتعلمات أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك.
الحكم الثاني: الصيام فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث عائشة رضي الله عنها "كان يصيبنا ذلك تعني الحيض فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" متفق عليه. وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً أم إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل قال نعم إذا هي رأت الماء فعلق الحكم برؤية المن لا بانتقاله فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله.
وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة.
وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح ، لحديث عائشة رضي الله عنهاقالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان)) متفق عليه.