صَبرٌ جميل !
شابة يافعة ...
يملؤها الأمل في مستقبل مُشرق ...
نَشَأت في بيت صالح ...
أم فاضلة ... وأب يراعي ربه ويُطعِم أولاده بالحلال
وأربعة من الأخوة والأخوات بمراحل التعليم المختلفة ...
تسير الحياة بهذه الأسرة البسيطة المُكافِحة ...
جاءهم خاطب لهذه الإبنة ...
أول فرحة تدخل بيتهم المتواضع ...
كانت الفتاة تزداد جمالاً بحياءها عندما تأتي سيرة الخاطب ...
ومع رِقّة حالهم بدأوا في تجهيز ريحانة الدار ليزفوها إلى عريسها ...
وفجأة ...
تراجَع العريس المُنتَظَر !!!
وساد بيتهم صمت يخنق الأرواح ...
نظرات تائهة ...
أسئلة حائرة لا ترقى إلى مستوى مُقنع من الأجوبة المنطقية ...
دمعات تتلألأ في العيون ...
يمنعها من الإنسكاب إيمان بقضاء الله وقَدَره ...
ريحانة الدار من صدمتها أصابها مرض غريب أقعدها عن الحركة !!!
سبحان الله !
كانت من فترة قريبة تقطع الطريق ذهاباً وإياباً من وإلى عملها ...
في لباسها المحتشم ... ونبضات قلبها الرقيق التّواق للفرحة
كنتُ أرى أمها صابرة محتسبة ...
ترعى فلذة كبدها وباقي أبناءها بشجاعة ورباطة جأش ...
كنتُ أتعَجّب من صبرهم ... وتَمَسّكهم بحبال الله
وقدرتهم على إنتزاع البسمة رغم قسوة الحياة وظروفها ...
رويداً رويداً .... بدأت عجلة الحياة تسير
تَخَرّج باقي الأبناء ....
تزوجت الإبنة الصُغرى ... شَعَروا ببعض السعادة بدأت ترفرف على بيتهم
لكن .....
ماتت الأم !!!
ماتت مَن كانت تسقيهم من حنانها وحبها ...
تَهاوى الجبل الصامد !
مَرّ الأبناء وأبيهم بأصعب أوقاتهم ....
لكن كعادتهم ... لم يكُن أمامهم إلا التسليم بقضاء رب العباد !
تَزَوّج الإبن الأكبر ... وتَلَته الإبنة الوسطى
ولحق بهم آخر العنقود أصغر الأبناء
*******************
* هذه القصة من واقع الحياة ....
عايَشتُ تفاصيلها بنفسي لأنها أسرة تربطنا بهم جيرة سنوات طويلة
* أعلم أن غاليتي حيوزة طلبت قصة آخرها ثمرة الصبر
وهذه القصة لم تنتهي ببطلتها نهاية سعيدة ...
لأنها الآن ترقد فوق فراشها كهيكل عظمي من طول المرض ( 13 عام )
لكنها تحافظ على صلواتها ....
وتقرأ القرآن ...
وتحرص على التسبيح والذِكر !!!
أظن أنكم عرفتم الآن لماذا اخترتُ هذه الفتاة لأحكي عنها ...
وإن لم تعرفوا فسأخبركم :
1) ثوابها وجزاءها في الجنة بإذن الله ...
نتيجة لصبرها وثقتها بالله
2) وددتُ أن أُذَكِّر نفسي وأذكّركم ...
فنحن في نعمة الصحة والعافية ....
أسأل الله أن يديمها علينا ...
لا يخدمنا أحد ... فيشعر بالضيق من قضاء طلباتنا
بل نحن بفضل الله نقضى حوائجنا بأنفسنا ...
بل نساعد الآخرين وذلك من نِعم خالقنا علينا ...
3) لا تقولوا أنني أنصحكم من برج عاجي ...
بل أنا مثلكم ... ونتشارَك في كثير من لحظات الألم
والإحتياج للأمان والاستقرار ...
لكن لا أدري لماذا أتذكرها عندما تضيق بي الدنيا ...
فأعرف أنني في نعمة !
مازال بوسعي أن أعمل وأؤدي وظيفتي ( مع عدم ملاءمتها لطموحي...لكن الحمد لله)
مازال بوسعي أن أخدم نفسي وأسرتي ...
وأهم شئ أن كفاني الله شر نظرات الشفقة المؤلمة ...
أو سهام الضيق الحارقة قد يصوبها مَن يقوم على خدمة انسان مريض
4) تَفَاءَلن بالخير أخواتي الغاليات ...
واعلَمن أن الشيطان يسعى لأن يُنسينا لذّة خير بين أيدينا ...
فلا يجعلنا نفكّر إلا فيما يَنقُصنا ليحوّل حياتنا جحيماً !
وتَذَكّرن أننا أفضل حالاً من غيرنا ....
نشتاق للفرحة ... نعم
يأخذنا حنين جارف لزوج يكون حبيب وصديق وأخ وابن .... نعم
نتلهّف على طفل صغير برئ تعانقه أحضاننا .... نعم
لكن مالنا إلا الصبر
أعوذ بالله أن نكون من الساخطين على قضاءه ...
أو القانطين من رحمته ... أو الغافلين عن ذِكره
وأسأل الله أن يجعلنا من الصابرين ... وأن يرزقنا خير الجزاء
التعديل الأخير تم بواسطة lovepeaceangel ; 31-12-2007 الساعة 03:02 PM