منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - الزواج كتبها الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 25-04-2004, 03:09 PM
  #2
Jedawi
عضو مثالي ومميز
تاريخ التسجيل: Jan 2004
المشاركات: 75
Jedawi غير متصل  
في العدد المباح في النكاح

لما كان إطلاق العنان للشخص في تزوج ما شاء من العدد أمرا يؤدي إلى الفوضى، والظلم، وعدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات، وكان حصر الرجل على زوجة واحدة قد يفضي إلى الشر، وقضاء الشهوة بطريقة أخرى محرمة، أباح الشارع للناس التعدد إلى أربع فقط، لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل، والقيام بحق الزوجية، ويسد حاجته إن احتاج إلى أكثر من واحدة.

قال الله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } [النساء:3].

وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم غيلان الثقفي، وعنده عشر نساء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا، ويفارق البواقي، وقال قيس بن الحارث: أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: اختر منهن أربعا.

فوائد تعدد النساء إلى هذا الحد

1- أنه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان: مثل: أن تكون الزوجة كبيرة السن، أو مريضة، لو اقتصر عليها لم يكن له منها إعفاف، وتكون ذات أولاد منه، فإن أمسكها خاف على نفسه المشقة بترك النكاح أو ربما يخاف الزنا، وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها، فلا تزول هذه المشكلة إلا بحل التعدد.

2- أن النكاح سبب للصلة والارتباط بين الناس، وقد جعله الله تعالى قسيما للنسب فقال تعالى : { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا } [الفرقان:54]. فتعدد الزوجات يربط بين أسر كثيرة، ويصل بعضهم ببعض، وهذا أحد الأسباب التي حملت النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعدد من النساء.

3- يترتب عليه صون عدد كبير من النساء، والقيام بحاجتهن من النفقة، والمسكن، وكثرة الأولاد، والنسل، وهذا أمر مطلوب للشارع.

4- من الرجال من يكون حاد الشهوة لا تكفيه الواحدة، وهو تقي نزيه، ويخاف الزنا، ولكن يريد أن يقضي وطرا في التمتع الحلال، فكان من رحمة الله- تعالى- بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم.

في حكمة النكاح

قبل أن نبدأ الكلام في خصوص تلك المسألة، يجب علينا أن نعلم علما يقينا بأن الأحكام الشرعية كلها حكم وكلها في موضعها، وليس فيها شيء من العبث، أو السفه، ذلك لأنها من لدن حكيم خبير.

ولكن هل الحكم كلها معلومة للخلق؟ إن الآدمي محدود في علمه، وتفكيره، وعقله، فلا يمكن أن يعلم كل شيء، ولا أن يلهم معرفة كل شيء، قال الله تعالى : { ويسالونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [الإسراء: 85].

إذن: فالأحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده، يجب علينا الرضا بها، سواء علمنا حكمتها، أم لم نعلم، لأننا إذا لم نعلم حكمتها، فليس معناه أنه لا حكمة فيها في الواقع، إنما معناه قصور في عقولنا، وأفهامنا عن إدراك الحكمة.

من الحكم في النكاح

1- حفظ كل من الزوجين وصيانته: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج »

2- حفظ المجتمع من الشر وتحلل الأخلاق، فلولا النكاح لانتشرت الرذائل بين الرجال والنساء.

3- استمتاع كل من الزوجين بالآخر بما يجب له من حقوق وعشرة، فالرجل يكفل المرأة، ويقوم بنفقاتها من طعام، وشراب، ومسكن، ولباس بالمعروف. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف » . والمرأة تكفل الرجل أيضا بالقيام بما يلزمها في البيت رعاية وإصلاحا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: « المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها »

4- إحكام الصلة بين الأسر والقبائل، فكم من أسرتين متباعدتين، لا تعرف إحداهما الأخرى، وبالزواج يحصل التقارب بينهما، والاتصال ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى الصهر قسيما للنسب كما تقدم.

5- بقاء النوع الإنساني على وجه سليم، فإن النكاح سبب للنسل الذي به بقاء الإنسان، قال الله- تعالى- : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } [النساء: 1].

ولولا النكاح للزم أحد أمرين، إما:

1- فناء الإنسان.

2- أو وجود إنسان ناشيء من سفاح، لا يعرف له أصل، ولا يقوم على أخلاق.

ويطيب لي أن أستطرد هنا قليلا لحكم تحديد النسل:
فأقول: تحديد النسل بعدد معين خلاف مطلوب الشارع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بتزويج المرأة الولد أي كثيرة الولادة، وعلل ذلك بأنه مكاثر بنا الأمم أو الأنبياء، وقال أهل الفقه: ينبغي أن يتزوج المرأة المعروفة بكثرة الولادة، إما نفسها إن كانت تزوجت من قبل وعرفت بكثرة الولادة أو بأقاربها، كأمها، وأختها، إذا كانت لم تتزوج من قبل.

ثم ما الداعي لتحديد النسل؟

هل هو الخوف من ضيق الرزق؟ أو الخوف من تعب التربية؟ إن كان الأول فهذا سوء ظن بالله- تعالى-، لأن الله- سبحانه وتعالى- إذا خلق خلقا فلا بد أن يرزقه، قال الله- تعالى: { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } [هود: 6]، وقال- تعالى-: { وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم } [العنكبوت: 60]، وقال- تعالى- في الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر: { نحن نرزقهم وإياكم } [الإسراء: 31].

وإن كان الداعي لتحديد النسل هو الخوف من تعب التربية، فهذا خطأ فكم من عدد قليل من الأولاد بأكثر ممن هم دونهم بكثير. فالمدار في التربية صعوبة وسهولة على تيسير الله- تعالى، وكلما اتقى العبد ربه، وتمشى على الطرق الشرعية، سهل الله أمره، قال الله- تعالى- : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا } [الطلاق: 4].

وإذا تبين أن تحديد النسل خلاف المشروع، فهل تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من ذلك؟

الجواب: لا. ليس تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من تحديد النسل في شيء. وأعني بتنظيم النسل، أن يستعمل الزوجان أو أحدهما طريقة تمنع من الحمل في وقت دون وقت فهذا جائز، إذا رضي به كل من الزوج والزوجة، مثل: أن تكون الزوجة ضعيفة، والحمل يزيدها ضعفا أو مرضا، وهي كثيرة الحمل، فتستعمل برضا الزوج هذه الحبوب التي تمنع من الحمل مدة معينة فلا بأس بذلك، وقد كان الصحابة يعزلون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينهوا عن ذلك، والعزل من أسباب امتناع الحمل من هذا الوطء.

في الآثار المترتبة على النكاح

يترتب على النكاح آثار كثيرة نذكر منها ما يلي:

أولا: وجوب المهر:

والمهر [هو الصداق المسمى باللغة العامية: (جهاز)]، فالمهر ثابت للمرأة بالنكاح، سواء شرط أم سكت عنه، وهو (المال المدفوع للزوجة بسبب عقد النكاح)، فإن كان معينا فهو ما عين سواء كان قليلا أم كثيرا، وإن كان غير معين بأن عقد عليها ولم يدفع جهازا، ولم يسموا شيئا، فعلى الزوج أن يدفع إليها مهر المثل، وهو ما جرت العادة أن يدفع لمثلها.

وكما يكون المهر مالا أي عينا، يكون كذلك منفعة، فلقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة برجل على أن يعلمها شيئا من القرآن.

والمشروع في المهر أن يكون قليلا، فكلما قل وتيسر، فهو أفضل، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتحصيلا للبركة، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، وروى مسلم في صحيحه « أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني تزوجت امرأة. قال: "كم أصدقتها؟" قال: أربع أواق (يعني مائة وستين درهما) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه »

وقال عمر رضي الله عنه : "لا تغلوا صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، والأوقية أربعون درهما".

ولقد كان تصاعد المهور في هذه السنين له أثره السييء في منع كثير من الناس من النكاح رجالا ونساء، وصار الرجل يمضي السنوات الكثيرة قبل أن يحصل المهر فنتج عن ذلك مفاسد منها:

1- تعطيل كثير من الرجال والنساء عن النكاح.

2- أن أهل المرأة صاروا ينظرون إلى المهر قلة وكثرة، فالمهر عند كثير منهم- هو ما يستفيدونه من الرجل لامرأتهم، فإذا كان كثيرا زوجوا، ولم ينظروا للعواقب، وإن كان قليلا ردوا الزوج، وإن كان مرضيا في دينه وخلقه!.

3- أنه إذا ساءت العلاقة بين الزوج والزوجة، وكان المهر بهذا القدر الباهظ، فإنه لا تسمح نفسه غالبا بمفارقتها، بإحسان بل يؤذيها ويتعبها، لعلها ترد شيئا مما دفع إليها، ولو كان المهر قليلا لهان عليه فراقها.

ولو أن الناس اقتصدوا في المهر، وتعاونوا في ذلك، وبدأ الأعيان بتنفيذ هذا الأمر لحصل للمجتمع خير كثير، وراحة كبيرة، وتحصين كثير من الرجال والنساء.

ولكن مع الأسف أن الناس صاروا يتبارون في السبق إلى تصاعد المهور، وزيادتها، فكل سنة يضيفون أشياء لم تكن معروفة من قبل، ولا ندري إلى أي غاية ينتهون؟

ولقد كان بعض الناس- وخصوصا البادية- يسلكون مسلكا فيه بعض السهولة، وهو تأجيل شيء من المهر، مثل: أن يزوجه بمهر قدره نصفه حال، ونصفه مؤجل إلى سنة أو أقل أو أكثر. وهذا يخفف عن الزوج بعض التخفيف.

ثانيا: النفقة:

فعلى الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، طعاما وشرابا، وكسوة، وسكنى، فإن بخل بشيء من الواجب فهو آثم، ولها أن تأخذ من ماله بقدر كفايتها، أو تستدين عليه، ويلزمه الوفاء.

ومن النفقة: الوليمة، وهي (ما يصنعه الزوج، من الطعام أيام الزواج، ويدعون الناس إليه) وهي (سنة)، مأمور بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، وأمر بها. ولكن يجب في الوليمة أن يتجنب فيها الإسراف المحرم، وينبغي أن تكون بقدر حال الزوج.

أما ما يفعله بعض الناس من الإسراف فيها كمية، وكيفية، فإنه لا ينبغي، ويترتب عليه صرف أموال كثرة بلا فائدة.

ثالثا: الصلة بين الزوج وزوجته وبين أهليهما:

فقد جعل الله سبحانه وتعالى بين الزوج وزوجته مودة ورحمة، وهذا الاتصال يوجب الحقوق المترتبة عليه عرفا، فإنه كلما حصلت الصلة وجب من الحقوق بقدرها.

رابعا: المحرمية:

فإن الزوج يكون محرما لأمهات زوجته وجداتها، وإن علون، ويكون محرما لبناتها، وبنات أبنائها، وبنات بناتها، وإن نزلن، إذا كان قد دخل بأمهن الزوجة.

وكذلك الزوجة تكون من محارم آباء الزوج وإن علوا، وأبنائه، وإن نزلوا.

خامسا: الإرث:

فمتى عقد شخص على امرأة بنكاح صحيح، فإنه يجري التورارث بينهما، لقوله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } إلى قوله: { توصون بها أو دين } [النساء:12]. ولا فرق بين أن يدخل بها، ويخلو بها أم لا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.