اجل لقد أبصرته لأول مرة ، و قد وقف بجواري يمشط شعره هو الأخر ، و قد بدا حلو التقاطيع ، جذاب الملامح ، طويل القامة ، متين البنيان ، و أحسست بفرحة لا توصف ، ثم ألتفت اليه فلم أجد شيئا و أعدت النظر الي المرآة فوجدت الصورة قد ذهبت أيضا .
ثم أعتدت أن أبصره بعد ذلك .. هو و أبنه . ووجدتني أكن لهما حبا عجيبا . أجل ! لقد احببت هذين ( الشبه كائنين ) أكثر مما أحببت أي ( كائن ) في هذه الحياة .
وحاولت أن أتحدث إليهما .. و لكنهما لم يسمعاني .. و حاولت أن أنظر في أعينهما فلم يبصراني .. و عندما كنت أتقدم لألمسهما كانا يتطيران في الهواء .
وحدث ذات يوم و قد جلست في أحدي الحجرات أن رأيت الطفل يدخل الي الشرفة و يمد رأسه من فوق الحاجز . و تذكرت القصة التي سمعها من أمرأة البواب و كيف سقط الطفل من الشرفة فدق عنقه .. فصحت به ناهرة اياه كيلا يطل من الشرفة ، وكم كانت دهشتي شديدة عندما رأيت الصبي يسمع صيحتي فيلتفت الي ثم يعود الي داخل الحجرة
ومنذ ذلك الوقت و الصبي يعرفني تمام المعرفة و يبصرني كما ابصره و يذدجر اذا ما زجرته و يطيع اذا أمرته .. بل أكثر من ذلك كان يناديني ( ماما ) و يا المتعة العجيبة التي كنت احس بها وقتئذ .
و لم تمضي فترة قصيرة حتي بدأ الرجل نفسه يحس بوجودي و يراني كما أراه و كان ذلك في حدي الأمسيات و قد جلس في الحديقة في سكون الليل ، و شرد ذهنه ، فراح في تفكير عميق و خيل الي أني ألمح في قسماته حزنا و لوعة لم اشك في أنه يفكر في أمراته الهاربة و أحسست نحوه حنينا و تمنيت لو أستطعت أن أنسيه اياها و أن أعوضه عن حبها بما يخفف من لوعته و يذهب من حزنه
و رغم معرفتي أن صوتي لا يمكن أن يصل اليه و أنني لو لمسته لتطاير و تحلل ، فقد وجدتني أندفع اليه بقوة الحنان الذي يجيش في صدري و لمست ذراعه قلم يتطاير هذه المرة بل أنتفض و رفع الي رأسه في دهشة .
ومددت يدي الي رأسه أتحسسه برفق فرأيته قد أستراح الي وزالت عنه تلك الدهشة و نظر الي كأنني امراته المحبوبة التي ما فارقته و ما هجرته
و في الصباح سمعت امرأة البواب تطرق الباب و ترددت برهة قبل ان افتح لها فقد كنت لا أريد أن أري أحدا .. و كنت أحس كراهية شديدة للناس ، و لكن المرأة المجنونة ألحت في طرقها فقمت الي الباب غاضبة و سألتها عما تريد و نظرت الي المرأة و قد بدا عليها الفزع كأنما قد ابصرت شبحا مخيفا و توسلت الي ان ارحم نفسي و ازور طبيبا و لكني صحت بها ان تغرب عن وجهي و أغلقت الباب خلفها بشدة و عادت المراة أدراجها ووصل الي صوتها وهي تقول لزوجه ( مسكينة .. لقد أصبحت مجنونة )
مجنونة ! مجنونة ! أيها الحمقي .. اليكم عني . أتركوني حيث أنا .. ماذا يهمني منكم .. ومن دنياكم .. بعد لحظة أو بعد يوم .. أو بعد عام .. ستكفون عن الحياة .. و سأكف أنا كذلك .. و بعد حين من الدهر ، ستكف الحياة نفسها عن أن تسري في هذا الكون و سنصبح كلنا كهؤلاء الذين أعيش معهم و الذين اعطوني ما حرمتموني و منحوني ما بخلتم به علي
ماذا أخشي و لم أعد بعد محرومة ..؟ و ماذا تخشون علي شرا من الحرمان الذي كنت فيه .. هبوني كما تقولون مجنونة ماذا يضيرني من الجنون و قد وهب لي ما حرمت ، وهب لي الزوج و الأبن .. لو كنت حقا مجنونة كما تقولون ..
" فأنعم بالجنون و طوبي للمجانين "
منقــــــــــــــــــــــول
__________________
انا
منتدي عالم الأسرة و المجتمع