|
* حجم الظاهرة :
فى دراسة للدكتور أحمد عبدالله (2006 ) تبين أن أكثر من 60% من الفتيات يذكرن أنهن قد تعرضن للتحرش بصورة أو بأخرى خلال حياتهن . وفى دراسة للدكتور على إسماعيل وآخرين (2006) على المرضى المترددين على عيادة الأمراض النفسية بمستشفى الحسين الجامعى تبين أن 9% من العينة قد عانوا من الإنتهاك الجنسى فى فترة من فترات حياتهم ( أو حياتهن ) . وفى دراسات تمت فى المجتمعات الغربية تبين تعرض الفتيات للإنتهاك الجنسى بنسبة 13% وتعرض الفتيان بنسبة 4% , والإنتهاك هنا يتراوح بين هتك العرض والزنا والإغتصاب .
* القيم الإجتماعية والتحرش :
يوجد فى بعض المجتمعات البدوية ما يعرف ب " صيحة الضحى " وهى تعنى أهمية صيحة أى امرأة فى وقت الضحى ( وقت الخروج للرعى وأداء المصالح ) وسرعة الإستجابة لهذه الصيحة من أقرب شخص يسمعها وهبته للنجدة , مع العقاب الشديد الذى توقعه القبيلة على من تعدى على حرمة المرأة . وفى التاريخ الإسلامى قام المعتصم بتجييش الجيوش لغزو الروم استجابة لصيحة امرأة قالت فى لحظة غبن " وامعتصماه " .
أما الآن فقد تراجعت هذه القيمة كثيرا ولم يعد الرجل ( أو المجتمع ) ينتفض لاستغاثة امرأة (اغتصبت فتاة فى ميدان العتبة فى القاهرة فى وضح النهار ولم يغثها أحد , وحدث تحرش جماعى بالفتيات فى يوم العيد فى شارع طلعت حرب فى وسط القاهرة ولم يتحرك أحد , أو تحرك القليلون متأخرا جدا ) , وربما يكون هذا راجعا إلى نظرة المجتمع المعاصر للمرأة على أنها مخلوق أدنى أو مخلوق شرير أو أنها خرجت إلى الشارع وإلى الحياة لتزاحم الرجل وتخطف منه فرص العمل والتفوق لهذا يتركها تواجه مصيرها , وربما يشمت فيها الرجل إن تعرضت لسوء . وقديما كانت الأسرة ترفض أن يعاكس ابنها فتاة فى الشارع أو عن طريق التليفون , والآن لا نجد مثل هذا الرفض بل أحيانا تساعد الأم ( أو تصمت ) على علاقات ابنها العاطفية أو تفعل ذلك أحد الأخوات دون حرج .
* طرق التحرش :
1 – لفظية : واللفظ هنا يختلف عن ألفاظ الغزل الرقيقة والمتوددة , فهو يميل إلى الفجاجة والصراحة الجارحة , ويميل إلى الدلالات الجنسية , وأحيانا يستخدم المتحرّش ألفاظا سوقية يعبر بهل عن أطماعه فى الضحية , وأحيانا أخرى تأخذ معنى المراودة بما تتضمنه من إغواء وإغراء وإثارة .
2 – جسدية : وجسدية هنا تتضمن النظرة الفاحصة المتفحصة , أو الإيماءة الفاضحة الجارحة , أو استعراض بعض أعضاء الجسم وخاصة الأعضاء الجنسية , أو أخذ أوضاع معينة ذات دلالات جنسية , أو اللمس أو التحكك أو الضغط , أو محاولة الإمساك بالضحية أو ضمها أو تقبيلها عنوة .
* أماكن التحرش :
1 – خارج البيت : يمكن أن يحدث التحرش فى الشارع ويكون فى صورة كلمات بذيئة أو نظرات متفحصة أو اعتراض لطريق لضحية أو محاولة لمسها أو الإحتكاك بها , وقد يبدو هذا وكأنه غير مقصود بحيث إذا اعترضت الضحية ادّعى الجانى بأن هذا حدث صدفة دون قصد .وفى وسائل المواصلات يغلب أسلوب التحكك واللمس والضغط بحجة الزحام أو محاولة المرور من بين الناس , أو قد يظهر بعض الركاب أنه نائم فيلقى بيده أو رجله أو رأسه على أحد أجزاء جسد الضحية على اعتبار أنه ليس على النائم حرج , فإذا تقبلت الضحية أكمل مشوار التحرش أما إذا شكت أو تململت فإنه يبدى اعتذاره ويتعلل بنومه .ولهذا تم تخصيص عربات ترام للنساء ( حتى فى لندن ) لحمايتهن من التحرش ( ومع هذا نجد الكثيرين من النساء والفتيات يفضلن الركوب فى عربات الرجال رغم أنها أكثر اذدحاما !!!!!!! ) , وفى كثير من الأحيان يحرص من يقطع التذاكر فى القطارات أو الحافلات على أن يجعل النساء فى كراسى متجاورة حتى لا يعرضهن لمضايقات المتحرشين , وهذا تقليد جميل نرجو أن يقنن . وفى الأسواق حيث الزحام والصخب وانشغال الناس بالفرجة والمساومة على الأسعار تكثر اللمسات والإحتكاكات , ولذلك يقصد العابثون الاسواق بالذات لتحقيق أغراضهم . وعلى الشواطئ حيث تسود حالة من التراخى فى القيم والأعراف على اعتبار أن الشاطئ مكان للهو والمرح , تنطلق رغبات المتحرشين فى صورة تأمل وتفحص للأجساد العرية ثم تعليقات على صاحبات الأجساد وإذا أمكن محاولات الإقتراب فاللمس بدرجاته على غير رغبة من الضحايا .وفى حمامات السباحة حيث تتعري الأجساد وتقترب يجد المتحرشون فرصة للإقتراب أو الإصطدام الذى يبدو غير مقصود ولا مانع لديهم من التظاهر بالإعتذار , والإعتذار نفسه يعطى للمتحرش فرصة للإقتراب والحديث مع الضحية وتصويب النظرات إليها عن قرب . وفى السينما حيث الظلام والتجاور بين الناس من كل الجهات يجد المتحرش الفرصة للمس أو القرص أو الضغط بالإيدى أو الأرجل أو إصدار تعليقات سخيفة وخارجة وجارحة على مسمع من الضحية . وفى أماكن العمل المزدحمة أو المغلقة أو المعزولة خاصة إذا كانت هناك فرصة للخلوة الآمنة تستيقظ رغبات المتحرش ( أو المتحرشة ) وتخرج فى صورة نظرات ذات معنى أو كلمات ذات دلالة أو حركات أو لمسات أو همسات . وفى السجون حيث الحرمان الجنسى للجنسين والوحدة والعزلة وفقد الأمل والفراغ , كل هذا يوقظ الغرائز الدنيا فى الإنسان ويدفعه دفعا للتحرش وربما هتك العرض أو الإغتصاب , ولهذا تدعو جمعيات حقوق الإنسان إلى إتاحة الفرصة للمسجونين والمسجونات بالإلتقاء بزوجاتهم وأزواجهن لتصريف هذه الطاقة فى مساراتها الشرعية وذلك للتقليل من دوافع الإنحراف داخل السجون ولتلبية الإحتياجات الإنسانية الفطرية بشكل صحيح . ولا تخلو بعض الأماكن الراقية مثل النوادى من محاولات التحرش بأشكالها المختلفة . وفى الدروس الخصوصية تم رصد الكثير من حالات التحرش بالفتيات أو بالأطفال بعضها تم الإبلاغ عنه وبعضها يتم التغطية عليه اتقاءا للفضيحة أو تجنبا للمشاكل , وبما أن الدروس الخصوصية أماكن لالتقاء الشباب والرجال بالفتيات والأطفال فى أماكن مغلقة لا تخضع لأى رقابة حكومية أو أسرية لهذا تكثر حالات التحرش وماهو أكثر من التحرش فى هذه الأجواء الخفية والمعزولة .
وقد يحدث التحرش فى بعض العيادات أو المستشفيات حين تمتد عين أو يد الطبيب أو التمريض أو المساعدين إلى جسد المريضة فى غير ذات ضرورة . وفى مكاتب المديرين ورجال الأعمال حيث السكرتيرة الحسناء والمدير المتألق ينشط الطمع الذكورى لدى الرجل النرجسى فيرى أن جسد السكرتيرة وجمالها ملك يمينه , وربما تتحرش هى أيضا به فالجو فى داخل المكتب المغلق والتواجد الطويل والمريح معا يساعد كثيرا على ذلك .أما فى دور العبادة فربما يصعب تخيل وجود حالات تحرش حيث الجو الروحانى وحيث أن الناس تذهب إلى هناك لأداء العبادات وليس لإشباع الرغبات , إلا أن الواقع يقول بأن ثمة حالات تحرش تمت وتتم فى بعض دور العبادة حيث يأخذ المتحرش دور الواعظ أو المعلم أو المحفظ ويختلى بالأطفال أو (تختلى بالفتيات) وهنا يحدث المحظور وقد يأخذ شكل لمسات أو أحضان قد تبدو أبوية ثم تتطور مع الوقت إلى أشياء أكثر وضوحا , وقد يخشى أو يخجل الطفل من الإفصاح عنها لأبويه فيستمر الوضع لشهور أو سنوات والأبوين مطمئنين لوجود ابنهما أو ابنتهما فى أحد دور العبادة تحت رعاية شيخ أو واعظ أو محفظ يتظاهر بالتقوى والورع .
2 – داخل البيت : وقد يحدث التحرش من أحد المحارم كالأب أو الأخ الأكبر أو الأم أو الأخت الأكبر , أو من أحد الأقارب كالعم أو الخال أو غيرهم . والإيذاء النفسى الذى يحدث من تحرش أحد المحارم أو أحد الأقارب يفوق بكثير ما يحدث من الغرباء فهو يأتى ممن يتوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة , لذلك حين يحدث تهتز معه الكثير من الثوابت وتنهار الكثير من الدعائم الأسرية والإجتماعية وتدع الضحية فى حالة حيرة واضطراب .
يتبع |
|