
أطفالك والجنس ..
لان الاطفال بطبعهم لديهم ميل فطري وطبيعي لاكتشاف الحياة بكل ما فيها، تأتي اسئلتهم المحرجة تعبيرا طبيعيا، الا ان الآباء يصفون مواجهة هذه الاسئلة بـ الورطة، فيعتمدون الكذب في محاولة التخلص من الحرج، في حين ان التعريف بالامور الجنسية شيء طبيعي، ونوع من انواع التربية التي لا تقتصر علي الاطفال بل تشمل حتي المراهقين، فما هي اذاً التربية الجنسية؟ متي تكون؟ وكيف تحدث؟
يلاحظ المرء بكل سهولة ويسر الاضطراب الذي ينتاب الاهل حينما يكتشفون فجاة ان عليهم الاجابة علي اسئلة الابناء المحرجة حتي ان بعض الآباء يصف مواجهة هذه الاسئلة بـ الورطة ويعتمد الكذب في محاولة التخلص من الحرج الذي تسببه له ويرجع هذا الارتباك اما الي ان معظم الاهل انفسهم تعرفوا علي الامور الجنسية عن طريق الصدفة، ولم يتلقوا اي نوع من انواع التربية الجنسية، او ان الوالدين يشعران بأن عملية التوعية والخوض في الموضوع قد يصل في آخر المطاف الي حياتهما الجنسية الخاصة، مما يثير لديهما الكثير من التحفظات. اما علي الجانب الآخر، فالانباء لديهم ميل طبيعي وفطري لاكتشاف الحياة بكل ما فيها، فتأتي استئلتهم تعبيرا طبيعيا عن يقظة عقولهم، وبالتالي ينبغي علي المربي الا تربكه كثرة الاسئلة او مضمونها، ولا يزعجه إلحاح الصغار في معرفة المزيد، بل علي المربين التجاوب مع هذه الحاجة، والاستعداد للتعامل مع هذا الفضول كواجب اساسي وليس هامشي، ولا بديل في هذا الامر، لانه يحدد موقف الابن والابنة من الجنس، وبالتالي يحكم علي حياتهما الجنسية المستقبلية بالنجاح او الفشل.
لذا كان لابد من رفع الالتباس لدي الاكثرية من اولياء الامور، بين الاعلام الجنسي والتربية الجنسية فالاعلام الجنسي هو اكسالب الفتي او الفتاة معلومات معينة عن موضوع الجنس، اما التربية فهي امر اشمل واعم، اذ انها تشمل الاطار الاخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسئول عن تحديد موقف الفتي والفتاة من هذا الموضوع في المستقبل.
إجابات اسئلة الجنس..محاذير وشروط
اتفق مجموعة من الاخصائيين النفسيين علي ان التهرب من الاسئلة مهما كانت محرجة او مربكة مرفوض مهما كان سن الابن / الابنة، صغيرا او كبيرا، ومهما كانت دلالة السؤال او فحواه، لان ذلك يشعر الابناء بأن ميدان الجنس، ميدان مخيف وآثم، فتتوالد لديه مشاعر القلق والاضطراب والرفض، وهذا ما يسميه البعض بـ الكبت وقد يتعدي الامر ذلك بالتأثير علي نظرة الفتي الفتاة الي الجنس الآخر.
وللكبت نتائج اخري كثيرة منها تأجيج الفضول الجنسي ليتحول الصغير الي مفتش عن الامور الغامضة، وعن اجابات في كل حديث، في كل مجلة، وفي المراجع وعند الاقران، واذا واجهه الفشل في الوصول الي اجابات مقنعة يفتقد الصغير ثقته في قدرته العقلية، وقد يؤدي ذلك الي تعطيل رغبة المعرفة لديه فيلجأ الي اللامبالاة المعرفية، فيبدو الفتي او الفتاة كالمتخلف عقليا، لان هناك عوامل انفعالية كبلت قدراته العقلية، كما يفقد الصغير ثقته بوالديه اللذين يفشلان في مواجهة اسئلته العفوية.
ويؤكد علماء النفس ان توابع الكبت هي الاضطراب السلوكي والعدوان، وفي بعض الاحيان عدم الانضباط بالمدرسة. هناك بعض الاباء او المربين الذين يقومون بتنجيس الجنس وتأثيمه او اعتبار هدفه الاوحد هو الانجاب والتكاثر، بيد ان هناك مرحلة من المراحل لابد ان يتم فيها تعريف الفتي والفتاة بمعني الجنس الذي من خلاله يعبر الزوجان عن الحب والمودة والرحمة التي تجمع بينهما والشوق الذي يشد احدهما الي الآخر، ويمكن تقريب هذا الامر من تصور الاولاد بالاستناد الي خبرتهم الذاتية، بحيث يقال لهم مثلا، الا يسركم ان تعبروا عن حبكم لاخواتكم بالمهاداة والكلمة الطيبة والابتسامة، الا تعبر الأم عن حبها لاولادها باحتضانهم وتقبيلهم، وكذلك الازواج يملكون وسائل اخري للتعبير عن مشاعرهم.
وبما ان الاسئلة سوف تتيقظ وفق سرعة النمو العقلي لكل طفل، ووفق الظروف التي تحيط به، فولادة طفل تثير تساؤل الصغار (3 و 4 و 5 سنوات) كذلك مناظر الحب في التلفزة، تثير نوعا آخر من الاسئلة، سماع آخر اخبار: (قضية تأجير الارحام) يثير اسئلة الاطفال بدءا من سن الثامنة..).
المطلوب التجاوب مع اسئلة الابن الابنة في حينها، وعدم تأجيلها لما له من مضرة تتمثل اساسا في فقدان الثقة بالسائل، واضاعة فرصة مواتية للخوض في الموضوع، حيث يكون الابن متحمسا ومتقبلا لما يقدم له بأكبر قسط من الاستيعاب والرضي، ولا داعي اطلاقا حسب الاخصائيين النفسيين لاعلامه دونما دافع منه، لانه في هذه الحالة سيكون استعداده للاستيعاب والتجاوب اقل بكثير، ولذا تكون الاجابة منطلقها هو تصور الطفل نفسه، والذي علي الآباء والمربين في هذه الفترة توضيح تلك الاجابات وتصحيحها واكمال النقص فيها وبلورتها.
ويؤكد هؤلاء الاخصائيون ايضا علي ان لا تقتصر التربية الجنسية علي المعلومات الفسيولوجية والتشريحية، لان فضول الابن يتعدي ذلك، بل لا بد من ادراج بعد اللذة، فالابن عادة يدرك في سن مبكرة جدا اللذة المرتبطة باعضائه التناسلية وما يحتاجه هو الشعور بالامان، الشعور باعتراف الاهل بوجود هذه الطاقة الجنسية.
ومن الضروري الا تعطي التربية الجنسية عن طريق المعلومات دفعة واحدة، وينتهي الامر، لكن يجب اعطاء المعلومات علي دفعات بأشكال متعددة (مرة عن طريق كتاب او شريط فيديو او درس..) كي تترسخ في ذهنه تدريجيا ويتم استيعابها وادراكها بما يواكب نمو عقله.
والمناخ الحواري من اهم شروط التربية الجنسية الصحيحة، فالتمرس علي اقامة حوار هادئ مفعم بالمحبة، يتم تناول موضوع الجنس من خلاله، كفيل في مساعدة الابناء للوصول الي الفهم الصحيح لابعاد الجنس والوصول الي نضج جنسي.
الاسئلة الجنسية..تختلف باختلاف المراحل
** الفترة من 3 الي 6 سنوات: تتركز الاسئلة في هذه الفترة حول الحمل والولادة، والفارق بين الجنسين، وهنا يمكن ببساطة شرح مراحل تطور النطفة والعلقة والمضغة عن طريق الكتب او شرائط الفيديو، ويكون السؤال المتوقع من الطفل خلال هذه الفترة: من اين جاءت البذرة التي تنبت في رحم الأم؟
هنا يقول الاخصائيون انه لا داعي للكذب او للاحراج، فعلي المربي ان يجيب ببساطة: الاب لديه جزء معين يعطيه للام فيكبر ويكبر حتي ينمو الطفل ثم يولد.
ويتبلور ادراك الفارق بين الجنسين بداية في سن الثانية والنصف، وهنا تجدر الاشارة ايضا الي ضرورة افهام الابناء ان قضية وجود جنسين هي قضية اختلاف نوعي، يعطي لكل من الجنسين دوره المتميز المكمل لدور الآخر، فلا بد ان تدرك الابنة انها لا تملك شيئا اقل من الولد، ولكن الاعضاء المختلفة التي تملكها بداخل جسدها وهي الرحم، يجعلها تحمل وتلد وهذا ليس بمقدور الولد، ومن ناحية اخري لا بد من تربية الابنة منذ الصغر بدءا من 7 سنوات علي اشعارها بأن الولد لا يتميز عليها بأي شيء وهي كذلك ولكن لكل واحد دوره.
** الفترة من 6 سنوات الي المراهقة: في هذه المرحلة يبدأ الوالد مرحلة الوصول الي النضج الجنسي والنفسي وتهدأ حياته الانفعالية وتتزن وتنمو مشاعر هادئة كالرغبة في تحصيل المعلومات وتنمية المهارات المدرسية، وهي مرحلة ˜الكمونŒ بلغة علماء النفس.. فنري كيف ان تساؤلاته تطورت وفقا لنموه العقلي واتساع خبرته، واصبحت اكثر دقة، وقد يعتقد البعض انه لا يجهل شيئا بسبب غزو الفضائيات والفيديو والانترنت.
الواقع ان الفتي / الفتاة، يظهر تحفظا اكبر حيال الموضوع (الجنس) وذلك لعدة اسباب، اولها ان شخصيته بدأت من الاستقلال عن الأهل، كما انه اصبح اكثر تحسسا للموانع الاجتماعية وصمت التكتم الذي يحيط بالعلاقة الحميمية، كما انه في هذه الفترة يجد راحة اكبر في التحدث عن هذه الامور الدقيقة مع اناس لا تجمعه بهم علاقة حميمية كالوالدين.