منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - جيفارا الذي لا يعرفه أحد ( دقات بقلم : محمد سنجر )
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-04-2009, 11:51 AM
  #5
محمد سنجر
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 9
محمد سنجر غير متصل  
( الدقة السابعة )


( تسللت أنا و رفيقي آخر النهار من بين الأشجار الكثيفة ،
كانت الشمس تميل إلى الغروب ،
عائدان كنا بعدما نصبنا بعض الفخاخ هنا و هناك ،
نغطي أجسامنا و نلف رؤوسنا بالأغصان و الأوراق الخضراء حتى لا يلحظنا الأوغاد ،
منذ أيام خرجنا و ها نحن عائدان في اتجاه قريته القابعة بين الغابات ،
أخذ يحدثني عما يفعله المجرمون من تمشيط لجميع القرى و القبض على جميع الشباب القادر على حمل السلاح و رميهم بالرصاص أمام ذويهم ،
أخذت أحدثه عن صديقي ( جيفارا ) الذي أطوف العالم بحثا عنه ،
حدثته عن حلمي أن أجده هنا ب ( فيتنام ) ،
حدثته عن أقواله التي سجلت على كل حائط أو جدار في هذا العالم :

" إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في هذا العالم "

" إذا لم تحترق أنت و أنا فمن ينير الطريق "

عندها قال رفيقي :
ـ إذا كنت هنا لتبحث عن صديقك ، فأنصحك أن تعجل بالرحيل .
ـ و لماذا ؟
ـ لأن صديقك لن يأت إلى هنا أبدا يا رفيقي .
( ابتسم ابتسامة سخرية ، عندها بادرته )
ـ لا يا رفيقي ، أنت لا تعرفه جيدا ، فهو الذي قال :
" أينما يوجد الظلم فذاك وطني "
ـ لن يأت .
ـ إنه أكثر أهل الأرض كرها لأمريكا ، لابد أنه سيأتي إلى هنا حتما لا محالة ( نظر إلي نظرة استنكار ، بادرته ) لا يوجد مكان آخر في العالم أحق بالذهاب إليه أكثر من هنا .
ـ أقول لك ، لن يأت .
ـ ما أكثر المظلومين و الفقراء و الضعفاء و البؤساء ،
هنا المواجهة الحقيقية ضد الرأسمالية التي يمقتها ،
سيأتي لا محالة .
ـ لن يأت ،
لن يأت ،
لن يأت .
ـ و ما الذي دعاك لأن تقول هذا ؟؟؟؟
ـ إنما يدعم و يقف بجانب من يتفقون معه في أفكاره و عقيدته و مبادئه فقط أيها الأبله .

( عندما اقتربنا من القرية توقف رفيقي فجأة ،
أشار بإصبعه على فمه تنبيها ،
عندها حبسنا أنفاسنا ،
أخذنا نتحسس بأطراف أقدامنا الطريق بين الأعشاب و الصخور ،
رفت ذبابة تقف على وجهي ،
تبعتها أخرى ،
فجأة زكمت أنوفنا رائحة عفنة ،
صم آذاننا أزيز المزيد و المزيد من الذباب ،
وجدناه يتزايد و يتجمع بين الأعشاب الطويلة ،
أمسكت بأنفي بينما قفز رفيقي مسرعا يستبين الأمر ،
و إذا بجثة طفلة عارية مصابة بطلق ناري بظهرها ، أدار رفيقي الجثة وفإذا به يصرخ صرخة أخذت تتردد بين أرجاء الغابة )
ـ وا أختاااااااااااااااااااه .

( حملها بين يديه يضمها لصدره ،
رحلنا في اتجاه القرية ، و إذا بجثة أخرى هناك ،
مستحيل جثتان عن اليمين ،
غير معقول ، جثة أخرى بين الأعشاب هناك ،

على مرمى البصر وجدنا بيوت القرية و قد تحولت إلى رماد ،
مازالت بعض الأدخنة تتصاعد من بين المنازل المهدمة ،
بعض الجثث تكومت فوق بعضها ،
بعضها بلا رؤوس ، بعضها بلا أطراف ،
الكثير من جثث الأطفال و النساء و الشيوخ ،
حتى هؤلاء لم يرحمهم الأوغاد ،
سمعنا صوت بكاء يأتي من إحدى الخنادق ،
رفعنا الغطاء المصنوع من أفرع الأشجار ،
وجدنا طفلة ترتعد خوفا ،
عندما رأت رفيقي صعدت و ارتمت بين أحضانه ،
سألها بلهفة )
ـ ماذا حدث ؟؟؟؟
( حاولت الفتاة لملمة الحروف التي تبعثرت من شدة هلعها ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيها)
ـ بعدما ... بعد رحيلكم جاء الأوغاد ..
أخرجونا جميعا ،النساء و الأطفال و الشيوخ ...
لم يتركوا أحد .. و قاموا بإضرام النيران بمنازلنا ... حتى خرج أخي الذي كان مختبئا ....
أمسكوا به ... قيدوه إلى الشجرة هناك ...
تباروا على من يصيبه دون أن يقتله...
أطلق عليه أحدهم النار و لما لم يصبه ....
ضحك رفاقه ...
ثم اقترب منه آخر و أطلق النار .... و أصاب قدمه ...
أخذوا يضحكون ....
( أخذت ترتعد )
بعدها اقترب ثالث ... وضع ماسورة بندقيته في رأسه ( أشارت بإصبعها إلى رأسها )
و ... طراااااااااخ ..... عندها هربنا ......
أخذنا نركض كالخراف هنا و هناك ...
أخذوا يتبارون في إطلاق النار علينا و يضحكون .... يطلقون النار و يضحكون .
( عندها لم أستطع السيطرة على نفسي ،
أمسكت بكلتا يداي بقميصي الذي رسم عليه وجه جيفارا باللون الأحمر ، شققته إلى نصفين ،
صرخت بكل ما أوتيت من قوة :
ـ جيفارا ، أين أنت أيها الحقيييير ؟؟؟؟
لماذا لست هنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أيها الخائــــــــــــــــن ،
ألست انت الذي تدعي أنه أينما يوجد الظلم فذاك وطنــــــــــــــــــــي ؟؟؟؟
هل يوجد من هم أكثر تعاسة و شقاء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
جيفارااااااااااااااا ،
تبا لك و لكل من صدقك و صدق ما تدعيه أيها الكاذب الأفاااااااااااااااق .

( يتبع )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

( الدقة الثامنة )


( صخب يلف المكان حولي ،
أشباح تتحرك بين أدخنة الحشيش المنتشرة بالمكان ،
رائحة نتنة تزكم الأنوف ،
أوقدوا بعض أغصان الأشجار الجافة للتدفئة بمنتصف القاعة ،
إضاءة النيران تسقط على الوجوه ،
أخذت أتفحص وجوه الرجال المنحوتة حولي ،
ينفثون أدخنة السجائر بقوة ،
كل منهم منهمك في عالمه الخاص ،
وجدت أحدهم يمسك بسكينه يحلق لرفيقه لحيته ،
البعض يلعب الورق ،
و آخر يتابع إناء على النار تفوح منه رائحة القهوة ،
انتبه الجميع لصوت آلة موسيقية وترية ،
عندها التفت الجميع لمصدر الصوت ،
وجدت رجلا أشعث الشعر ، ذو لحية خفيفة متناثرة ،
سيجار طويل يتدلى من فمه ، تفوح من ملابسه الرثة المهلهلة رائحة عرق نتنة ،
و قد أمسك بكلتا يديه آلة أشبه ب ( الجيتار ) ،
و أخذ يغني بصوت أجش ،
و إذا برجل آخر بجواره يمسك ب (الهارومنيكا ) يضمها إلى فمه ،
ركض بناظري شريط الصور المخزنة بالذاكرة ، و إذا به يتوقف عند ( جيفارا) ، نعم إنه ( جيفارا ) هذا الذي يغني ،
أخذت أستمع مضطرا ،
بينما أخذ ينشد أشعاره )

ـ ماريا العجوز ، ستموتين ،
أحدثك بجدية.
كانت حياتك مسبحة من الصعاب
لا محبوب هناك ، ولا صحة ولا مال ،
لا شيء سوى الجوع يشاركك الحياة.
أود الحديث عن آمالك
الآمال الثلاثة المختلفة
التي نسختها ابنتك دون أن تدري.
خذي هذي اليد الرجولية الطفلة
بين يديك الملطختين بالأصفر
وامسحي رسغيك البارزين و"القشف" اليابس
في الخزي الناعم ليدي الطبيب
اسمعي أيتها الجدة البروليتارية
( وقف بينما علا صوته أكثر فأكثر )
ـ فلتؤمني بالإنسان الآتي
فلتؤمني بالمستقبل الذي لن ترين
( أشار لرفاقه ليشاركونه الغناء )
ـ لا تصلي لرب قاسي
أنكر عليك حياة الأمل
ولا تطلبي الموت رحمة
فالسماء صماء والظلام يلفك .....
( أخذ رفاقه يرددون وراءه بينما بدأ البعض يتراقص )
ـ لا تصلي لرب قاسي
أنكر عليك حياة الأمل
ولا تطلبي الموت رحمة
فالسماء صماء والظلام يلفك ......
( أخذ يردد بينما أخذ رفاقه يتراقصون على وقع صوته الأجش ، عندها اختلط الحابل بالنابل )
ـ لا تفعليها
لا تصلي لرب
أنكر عليك حياة الأمل
ولا تطلبي الموت رحمة
فالسماء صماء والظلام يلفك ......
( عندها تسللت خارجا ،
وكزني أحدهم بقبضته )
أغتصب سمعي صوته الغليظ :
ـ دورك .
ـ أي دور ؟
ـ ألن تأخذ نصيبك من إرغام هؤلاء البوليفيات المقيدات بالغرف على الاعتراف؟
ـ إرغامهن ؟ كيف ؟
ـ أنت و شطارتك ( غمز بعينه و عض على شفتيه ) .
ـ اغتصاب ؟؟؟؟ أعوذ بالله ، أعوذ بالله .
ـ ويحك ، الله ؟
لا تتكلم بهذا الكلام هنا و إلا .... ( أشار إلى رقبته بالذبح )
ثلاث و ثلاث مثلما يقول ( جيفارا ) .
ـ أي ثلاث و ثلاث ؟؟؟؟
ـ يجب هنا ألا تؤمن إلا ب ( ماركس و لينين و ستالين )
و تكفر ب ( الله و الدين و الملكية الخاصة )
( أخذ الرجل يضحك ثم انصرف يدعو الآخرين لاغتصاب البوليفيات المسكينات بحجة إرغامهن على الاعتراف ،
نظرت إلى النجوم التي تتلألأ بالسماء ،
ترقرقت النجوم بعيني حزنا على مصيرهن ،
أهذه هي الإنسانية في نظركم ؟؟؟؟
أهذه هي الرحمة و العدل و الرأفة ؟؟؟؟
أينما يوجد الظلم فذاك وطني ؟؟؟؟
تمنيت لو أنه كابوس لاستيقظ منه سريعا ،
و لكن لا فائدة ،
يبدو أنها الحقيقة المرة أيها التعس ،
حاولت استنشاق نفسا عميقا من الهواء النقي ،
أحاول استعادة شيء من حريتي و آدميتي مرة أخرى ،
و لكن من أين لي بها و قد جنيت على نفسي بالتواجد بين هؤلاء ،
لااااا غير معقول ، هل أنا هنا فعلا ؟؟؟؟
وجدت من يهزني بقوة ،
نعم أنت هنا بين هؤلاء ، نعم ،
إنها الحقيقة أيها الغبي الأحمق ،
أحاول جاهدا كبت هذه الصرخات التي تغلي بصدري ،
وجدتني انفجر غاضبا ،
صرخت عاليا ، شقت صرخاتي سكون الليل البهيم ،
تتردد بين الغابات و الجبال :
ـ وا إنسانيتاااااااااااااااه .

( يتبع )
رد مع اقتباس