مواقف عابرة .. ( الجزء الثاني )
مواقف عابرة .. الجزء الثاني
الموقف الثاني
بعد صلاة عشاء يوم الخميس الموافق 5/8/1429هـ كنت مع صديقي أيمن في سيارته فقال لي : طعام العشاء عليك ، وذلك بعد أعمال لي وله قضيناها . فقلت له : أبشر أين تحب أن نتعشى فقال : عند أبو خالد في مطعم الأسماك الموجود بقربنا في شارع الميناء في حي الثعالبة بمدينة جدة فقلت له : توكلنا على الله ، وهناك دخلنا المطعم وطلبنا السمك ثم قال لي : أرغب في أكل الجمبري لكن سوف يكون على حسابي لأنني أعرف أنك لا تحبه وسوف يرهقك سعره مع السمك ، فأنت تولى السمك وأنا أتولى أمر الجمبري !!..
وعندما جئت لأجلس على الطاولة وجدت أمامي شخصًا أعرفه منذ قرابة العشرين عامًا .. أنه معلم التربية الإسلامية في ثانوية الصديق التي كنت فيها وهذا المدرس رغم أنه لم يدرسني إلا فترة قصيرة جدًا إلا أنني أعرفه بخلقه الجم ، ورغم أنه كذلك لم يكن ملتزمًا كثيرًا فلحيته يأخذ منها وثوبه به إسبال لكنه خلوق ومؤدب ومحترم إلى أقصى غاية زد إلى ذلك اعتناءه بنفسه وملبسه الجميل .. .
حينما رأني جلس يحدق بي النظر وأنا أسارقه النظر لكنني نسيت اسمه ، فانتقلت أنا وصديقي أيمن إلى غرفة طعام مجاورة وقتها اتصلت بصديق لي كان يُدرّسُ في تلك الثانوية فقلت له : ما اسم زميلك المدرس الهوساوي الذي يدرس التربية الإسلامية ؟ فقال لي : اسمه علي وأخبره أنني أقرئه السلام فقلت له : أبشر .. حينها كان الطعام قد حضر ، فقلت لصديقي سوف أذهب أسلم على معلمي قبل أن أبدأ العشاء .. لأنني أعتبر هذا الأمر من البديهيات أن أسلم على من علمني حرفًا وأعرفه بنفسي واستحضر في هذا قول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم : (( ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)) رواه الحاكم من حديث عبادة بن الصامت وحسن إسناده الألباني في الترغيب والترهيب للمنذري .
لأنني مع الأسف أجد كثيرًا من الشباب ينكرون الجميل فلا يسلمون على من أسدى إليهم معروفًا بل بعضهم يعرض بوجهه عن معلمه ، بل بلغت السفالة ببعضهم أن يتحرش وربما أراد مقاتلة مدرسه .. وقد وقع لي ولغيري ممن درسناهم في حلقات القرآن في المساجد من ذلك شيء ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
مع أنه أيضًا هناك جوانب مشرقة من بعض الطلاب بارك الله فيهم وفي خلقهم الجم ..
وبالفعل أتيت أمام مدرسي وسلمت عليه وقلت : له كيف حالك يا أستاذ علي ؟ فوقف من فوره وقال لي : بخير ثم قال لي : أنا حينما رأيتك قلت هذا الوجه ليس بغريب عني .. ربما زميل في مدرسة أو ربما .. فقاطعته قائلاً : بل طالب من طلابك حفظك الله . فقال : منذ متى ؟ فقلت : تخرجت من عندكم سنة 1410هـ أي منذ تسعة عشر عامًا ! فعانقني وقال لي : يا سبحان الله .. أهل ومرحبًا أنتم أهل الوفاء الله يبارك فيك ما نسيتمونا .. تعال أنت ورفيقك وتعشىا معي فقلت : العشاء موضوع على الطاولة وهو ينتظرني لكي نتعشى .. فقال : والله سوف يكون العشاء على حسابي أنتم مدعوون عندي ، قلت : قد دفعنا الثمن فلا داعي لذلك ، فقال : والله تأخذوا ما دفعتم وأحاسب أنا !! ، وبالفعل صمم مدرسي وأرجع ما دفعناه وجعل ثمن عشائنا على حسابه !! .
طلبت من مدرسي رقم جواله فأبى فشددت عليه وقلت : أريد أن أتواصل معك فأعطاني إياه وضربت على رقمه وقلت له : هذا رقمي ..
موقف عجيب والله من مدرس فاضل ، حفظه الله وغفر له على بره وإحسانه من تعليم وإكرام ..
فقلت لصاحبي أيمن ممازحًا بعد الانتهاء من العشاء : ينبغي إذا دخلت أي مطعم أن انظر فيه هل أعرف أحدًا ليتولى دفع الحساب بعد السلام عليه ..!.
__________________
محمد بن محمد الجيلاني
مهتم بالكتابة حول شؤون الأسرة