منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - ظاهرة القلق .. الأعراض والعلاج
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-03-2010, 01:18 PM
  #3
الرماني
عضو نشيط جدا
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 419
الرماني غير متصل  
القلق كما ورد في القرآن : والقرآن الكريم يصور حال هؤلاء القلقين في معرض المدح لهم ، قال تعالى : [ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ]( الزمر : 9 ) ، وقال تعالى : [ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ]( المعارج : 27 ) ، إذاً فقد كانوا يقلقون ويهتمون ، لكن شتان بين من يهتم لآخرته ، وبين من يهتم لدنياه ؛ فالأول عبد لله حقاً ، والآخر عبد لنفسه ، عبد للدرهم والدينار ، عبد للخميصة والخميلة ، إن أُعطي رضي ، وإن لم يُعط سخط : [ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ]( هود : 24 ) .
كذلك من أنواع الهموم الأخروية همُّ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فكل من سلك سبيل الدعوة فلا بد أن يقلق ويغتم ؛ لأنه يدعو الناس إلى أمرٍ أكثرهم معرضون عنه ، فهو يحزن لأجل إعراضهم ، وهو يتألم لأذاهم ، وهو يخاف على مستقبل الدعوة ، وقد كان الأنبياء يعانون من هذا النوع من القلق أكثر من غيرهم ؛ لأن حياتهم كلها كانت في سبيل الله ، وكل همهم كان في إصلاح الناس ، ولنتصور مقدار معاناة بعضهم حين يبذل وقته ونفسه وماله وأهله من أجل دعوة قومه ثم لا يؤمن له إلا القليل ، بل بعضهم لا يجد من يؤمن له ، قال صلى الله عليه وسلم : « عُرِضَتْ عليَّ الأمم ، فرأيت النبيَّ ومعه الرهط ، والنبيَّ ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد » [11] ، و نوح عليه الصلاة والسلام يمكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ثم إذا ركب السفينة لم يركب معه إلا القليل : [ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ]( هود : 40 ) .
إن قلق الأنبياء كان شديداً للغاية ، وقد صوَّر القرآن لنا كثيراً من أوجه هذه المعاناة التي كانت تطوف بنبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال تعالى : [ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِِىْ الْمُرْسَلِينَ * وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ]( الأنعام : 33-36 ) وقال تعالى : [ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً ]( الكهف : 6 ) ، أي مهلك نفسك حزناً عليهم ، فمن شدة ما يصيبه من ألم وقلق بسبب إعراض قومه كاد يهم ويترك بعض ما يدعوهم إليه خشية أن يكذبوه ، قال تعالى : [ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ]( هود : 12 ) ، لكن القرآن كان يخفف عنه ، ويدعوه إلى التقليل من الحزن والأسف .
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : [ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ]( فاطر : 8 ) ، ويقول سبحانه : [ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ]( النحل : 127 ) ، وكم من آية في القرآن تبين للرسول الكريم أن مهمته البلاغ لا الهداية : [ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ]( القصص : 56 ) ، [ إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ ]( الشورى : 48 ) ، وكم من قصة قصها الله في القرآن من أخبار الأولين من أنبياء ومرسلين تسلية له على ما كان يصيبه من حزن وقلق جراء تكذيب قومه له ، والله يذكِّره أنه ليس بدعة في هذا الأمر ، ويعده بالغنيمة والفتح القريب ، ويذكر له أنواع النصر الذي أنزله على المؤمنين : [ حَتَّى إِذَا اْسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ]( يوسف : 110-111 ) .
علماؤنا والموقف من القلق : إن موضوع القلق كان محل عناية العلماء ؛ فقد اعتنى بعضهم بجمع الآثار التي تسلي الإنسان وتذهب همومه ، نجد ذلك في كتب الأذكار كالأذكار للنووي ، وبعضهم أفرده بكتاب خاص ، كتاب : « عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين » و« الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي » لابن القيم ، وبعضهم أفرد بعض أسباب القلق بمؤلف خاص مثل كتاب : « برد الأكباد عند فقد الأولاد » لمحمد بن ناصر الدين الدمشقي ، ومن الكتب التي اعتنت بعلاج القلق كتاب : « دع القلق وابدأ الحياة » للمؤلف الأمريكي دايل كارنيجي[*] ، وهو كتاب جيد في الجملة ، اعتنى بالطرق العلمية والعملية لعلاج القلق ، وهي طرق استفادها من تجاربه الخاصة وتجارب غيره في الحياة ، لكنَّ في الكتاب عيباً لا يخفى على مسلم ، هو أن مؤلفه كافر ، وقد قلنا إن أساس الانشراح هو التوحيد ، وأساس القلق هو الشرك والكفر ؛ فكيف لكافر أن يخط للناس طريق السعادة ؟ ! هذا مستحيل ، فهذا الكاتب حشد في كتابه عشرات القصص والتجارب الحقيقية المفيدة لعلاج القلق ، إلا أن كل تلك العلاجات كانت أشبه ما يكون بالمخدر الموضعي الذي يطغى على الألم بقوته لكنه لا يعالج المرض ، فإذا زال أثر التخدير عاد الألم ، وهكذا كان يفعل هذا المؤلف ، فكل آرائه ونصائحه في علاج القلق كانت سطحية خالية من العلاج الناجع القاطع لأسباب القلق .
ولعلكم لا تستغربون بعد هذا أن تعلموا أن هذا المؤلف الذي كتب كتابه هذا الذي يدعو فيه إلى التفاؤل والأمل قد مات منتحراً ، قال تعالى : [ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ]( آل عمران : 85 ) ، فأي طريق لعلاج القلق مهما كان جميلاً وتجربة صحيحة فإنه يبقى علاجاً مؤقتاً ما لم يخالطه الإيمان بالله والتحلي بدين الإسلام .
والمسلم هو أوْلى من يتصدى لهداية البشر إلى السعادة ونبذ القلق ؛ فأين هو عن هذه المهمة النبيلة التي هي من أهم الواجبات المنوطة به ؟ تلك هي أهم أسباب القلق وأنواعه وعلاجه ، أرجو أن أكون وُفِّقت فيما قدمت وبينت ، والحمد لله رب العالمين .

________________________

(1) رواه البخاري ، ح/5210 .
(2) رواه الترمذي ، ح/2320 .
(3) رواه أحمد ، ح/1858 .
(4) رواه مسلم ، ح/4797 .
(5) رواه أبو داود ، ح/4426 .
(6) رواه أبو داود ، ح/1304 .
(7) رواه الترمذي ، ح/3427 .
(8) رواه الترمذي ، ح/3446 .
(9) رواه ابن ماجه ، ح/4595 .
(10) سير أعلام النبلاء ، 11/336 .
(11) رواه البخاري ، ح/5311 .
(*) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله كتاب قيم بعنوان : (جدد حياتك) من خيرة ما ألف وهو قراءة جديدة وإعادة لما كتبه (كارنيجي) في كتابه المذكور لأصوله الإسلامية ، وهو كتاب جيد في بابه . - البيان -

التعديل الأخير تم بواسطة الرماني ; 13-03-2010 الساعة 01:22 PM