منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - جولة في اسمه تعالى الفتاح
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-04-2010, 05:42 PM
  #1
عبدالرحمن آدم
موقوف
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 12
عبدالرحمن آدم غير متصل  
جولة في اسمه تعالى الفتاح

http://www.wathakker.net/designs/images/broad3.gif
الحمد لله الفتّاح العليم، يمن على من يشاء من عباده بالفتح والفهم فيوفقهم ويهديهم, ويفتح لهم المغاليق, سبحانه وتعالى.

معاني اسم الله الفتّاح

ومعنى اسم الله (الفتّاح): كثير الفتح على عباده, وبيده مفاتيح الغيب ومفاتيح الرزق.

والفتّاح هو الحاكم والقاضي, يفتح مواضع الحق ويحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون, وهو خير الفاتحين عز وجل, وقد قال نوح عليه السلام يطلب الفتح من ربه بينه وبين قومه: { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }(سورة الشعراء: 117 – 118), وفي آية أخرى: { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (سورة الأعراف: 89), وهو الذي يفتح على عباده المؤمنين بالنصر كما قال سبحانه: { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} (سورة المائدة: 52), وهو الذي فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية الذي جاء من بعده الخير الكثير للمسلمين, فأنزل الله على نبيه: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (سورة الفتح: 1), وهو سبحانه يفتح أبواب الرزق لمن يشاء, { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(سورة فاطر: 2)

فتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة, وفتح لهم خزائن جوده وكرمه، فما يأتيهم من مطر، أو رزق، فلا يقدر أحد أن يمنعه, وما يمسك سبحانه وتعالى ويمنع، فلا يستطيع أحد أن يرسله, فعنده الخزائن وبيده الخير, وهو الجواد المنان الفتّاح, يفتح ما انغلق من الأمور والأحوال, فييسرها منه كرماً, ويتفضل بقضاء الحوائج وتفريج الكربات, ويذهب ضيق النفس وضيق الجهل وضيق الفقر, فبعنايته تنفتح المغاليق, وبهداه تنفتح المشكلات, وبتيسيره تنفتح الصعوبات والكربات.

يفتح بلطفه وتوفيقه بصائر الصادقين فيرون الحق, { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } (سورة هود: 88), فيسهّل لهم سبل الخير والطاعة, وييسرها عليهم, ويهديهم إليها ويسوقهم لها, وهكذا بحوله وقوته لا بحولهم وقوتهم, ومن أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم في التوراة وصفته فيها ما ورد بأنه: (( لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء, ويفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً)) رواه البخاري(2018)، فأشرقت الأرض برسالته بعد الظلمات, وتألفت به قلوب المسلمين بعد الشتات, صلوات الله وسلامه عليه.

كانت قلوب هي كالحجارة بل أشد, أشد قسوة فلانت, وعقول بها أنواع المغاليق من الشرك والكفر والجاهلية فاستنارت, وبقي أناس في الجاهلية لا يبصرون, { لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} (سورة الأعراف:179), فهم لا يفهمون الحق ولا يرون الحق, ولا يسمعون الحق, فجاء الله سبحانه للمسلمين بفرقان, قال المقداد: "والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي, ما يرون, -يعني أهل الجاهلية-, ديناً أفضل من عبادة الأوثان, فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان؛ ليعلم أنه قد هلك من دخل النار" (الأدب المفرد:87), وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.

ومن الفتوحات ما يفتح الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سجد تحت العرش يطلب الشفاعة من ربه في فصل القضاء بين العباد, وقد بلغ بالناس ما بلغ من الكربات في ذلك اليوم, قال عليه الصلاة والسلام: ((فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن, فأحمده بتلك المحامد، وأخر له ساجداً فيقول: يا محمد ارفع رأسك, وقل يسمع لك, وسل تعط واشفع تشفع))، رواه البخاري(7072)، فيفتح الله عليه من أسمائه ما لا يعلمه إنسان, ومن المحامد ما لم تدركه العقول, فيسأله بها فيعطيه, وذلك المقام المحمود الذي يحمده عليه كل الخلائق.

ومن الفتوحات ما يفتح الله به من البلاد على المسلمين, وينصرهم على أهل الشرك, وهكذا فتح للصحابة جزيرة العرب بأكملها, وكذلك فتح عليهم فارس والروم, فما أعظمه من فتح, وقد دخلت جيوشهم بلاد مصر ففتحتها أيضاً، وهكذا لا يزال المسلمون بعدهم من فتح إلى فتح حتى اتسعت رقعة مملكة الإسلام فصارت إلى ما ترى.

أنواع فتح الله على عباده

فتح على عباده ويفتح سبحانه وتعالى أبواب الطاعات، والتأمل في أسماء الله يا عباد الله أمر عظيم، ويغيب عن بالنا كثيراً، من معاني هذه الأسماء كثيراً فننسى ولا نتعبد ولا نسأل، ويذهل المسلم عن بعض أسمائه سبحانه ومنها الفتّاح.
يفتح على من يشاء من أبواب الطاعات والقربات على تنوعها وألوانها وصنوفها، على درجاتها، ومن الناس من يفتح عليهم في القرآن، والعناية به، وحفظه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وتلاوته، والقدرة على تعليمه، وبعضهم يختم القرآن في ليلة، ومن عباد الله من يفتح عليه في الصلاة فتكون أشد حلاوة من العسل، حتى إنه ربما يصلي في الليل مئات الركعات، ومنهم من يفتح له في الدعاء كما قال مالك: "ربما انصرف عامر من العتمة، فيعرض له الدعاء – يعني بعد العشاء - يخطر بباله، فلا يزال يدعو إلى الفجر" عنده قوة وصبر ولذة بهذه العبادة، وسجد موسى ابن جعفر سجدة أول الليل، فجعل يدعو في سجوده "عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة" فما زال يرددها حتى أصبح.

ومنهم من يفتح له في الصيام حتى إنه ليصوم يوماً ويفطر يوماً، وهو سهل عليه.
ومنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ويجمعهم، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا... يفتح عليه في باب الصلة والبر.

ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة اليتامى والمساكين والمعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا..
ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها، ويخيف أهلها، وهكذا... فيكون على يديه من الخير ما يكون.
ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيراً، ويحقن دماً، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلماً، ويقيم حقاً، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا.. ترد الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى زوجته بمثل جهوده.
ومنهم من يفتح له في باب العلم وما أشرفه، وفي تعليمه فيكون عنده من الحفظ والفهم والإتقان، والقدرة على التأليف والتدريس والتصنيف والتعليم ما يفتح له، قال مالك رحمه الله: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة – يعني في النوافل؛ لأن الكل في الفرائض مشتركون–، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، ثم قال: فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه" نقله الذهبي في السير.

فإذا فتح لك يا عبد الله في باب، فرأيت في صدرك انشراحاً له، وفي قلبك إقبالاً عليه، ورأيت تيسير أمورك فيه، فازدد منه، وانتهز الفرصة، قال حكيم بن عمير: "من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه".

إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون

ومنهم من يفتح له في باب التربية، وتنشئة الجيل والنشء فيتعاهدهم، ويسير بهم شيئاً فشيئاً إلى كمالهم، وهكذا يريبهم بصغار العلم قبل كباره، وبقواعده وأسسه قبل فروعة وتفصيلاته، وهكذا ينقلهم في منازل الإيمان منزلة بعد منزلة، وفي منازل العلم منزلة بعد منزلة بتوفيق من الله عز وجل، والحزم انتهاز الفرصة فيما يفتح لك يا عبد الله، فسر فيه، وتوكل على الله، فإذا جاء أجلك وأنت عليه فما أحسنك، قال عليه الصلاة و السلام: (( إذا أراد الله عز وجل بعبد خير عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح الله عز وجل له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه)) رواه أحمد(17784) وهو حديث صحيح.

والعسل: طيب الثناء، فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين الناس بالعسل، الذي يجعل هذا المطعوم حلواً فيطيب في مذاقه.

ومن أراد الله به خيراً فتح له باب التوبة باستمرار، قال ابن القيم رحمه الله: "إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له أبواب التوبة، والندم، والانكسار، والذل، والافتقار، والاستعانة به، وصدق اللجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكنه من الحسنات، ورؤية عيوب نفسه، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده وبره".
قال معروف: "إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شراً أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل".


والذين فتح الله عليهم في تعليم العلوم أنواع، فمنهم من فتح عليه في تعليم التوحيد، وعقيد الإسلام، ومنهم فتح عليه في تعليم الحديث، وتعلم فنونه، ومهاراته، ومصطلحه، وتمييز صحيحه من سقيمه، وتبويبه ومعاني غرائبه وألفاظه، ومنهم من فتح له في الفقه، ومذاهبه، وأقوال العلماء فيه، والتمييز بينها، ومعرفة الراجح منها، ومنهم من فتح له في التفسير، ومعرفة كلامه، ومعانيه، وما فيه من الأحكام والأسرار العظيمة.

يتبع