تمهلْ .. قبل اتخاذ القرار ..
كتبها محب الخير لك
محمد بن محمد الجيلاني
عفا الله عنه
ما أسعد الرجل حين يظفر ببنت الحلال = المرأة الجميلة التي حازت على غالب المحاسن والصفات المحمودة التي كان يرنو إليها .. ، فقد كلّتْ نفسه وأرهق تفكيره بحثًا عن امرأة تلائمه ؛ يسأل القاصِ والدانِ لعل وعسى .. .
ثم يجد تلك ( الجوهرة ) التي تمناها ماثلة بين يديه يوم خطبتها ، فيشعر بالفرح ، ويطفح السرور على وجهه ، وترتعش أعضاؤه ، ويكاد يطير فرحًا أن تحققت أمانيه .. خصوصًا بعد أن علم بموافقتها ، وتم الاتفاق ، ووضعت الشروط .. .
ثم بعد أن أجرى عقد نكاحه قبل الدخول بها ، بدأ في مرحلة جديدة ، مرحلة مليئة بالحب والغرام .. تزداد نبضات قلبه إذا اقترب منها وحادثها وحادثته ، وضاحكها وضاحكته ، وعذاب وهيام إذا تركها وفارقها لموعد آخر ..
ينتظر بفارغ الصبر ، ويجهَّز نفسه لموعد زيارتها في أبهى حلة ، وأجمل شذى ، وأحسن لقاء ، فهي الأثيرة لديه ..
في البداية ؛ يحرص كل واحد منهما على إرضاء صاحبه ، ويتقرب إليه بالغالي والنفيس .. .
هدايا .. ، كلمات كبار في الحب والعطاء .. ، نظرات ملؤها الرضا .. ؛ ليجد كل منهما طعم السعادة الحقيقي .. .
لا يصبر على فراقها .. ، لذا هو يسلي نفسه تارة بإرسال رسائل الهاتف المحمول ، وتارة بالحديث عبر الهاتف ؛ الذي يأخذ الأوقات الطوال ـ لطيب الأنفاس ـ وكأنها لحظات عابرة انقضت في لمح البصر .. .
ويمني الزوج نفسه بقرب حفل الزفاف البهيج ، ويعد الأيام والساعات ، بل الدقائق والثواني ، ويقلب بصره دائمًا بكثرة نحو أوراق التقويم ويخاطبه بلسان حاله : عجّل عجّل فقد طال عهد حفل زفافي فمتى يحين ؟! .
فيجيبه التقويم : ولماذا العجلة يا صاح ؟! فيجبيه : لأرفل مع عروسي في ثوب السعادة والهناءة .. فلا أريد أن تفوت على نفسي أي لحظة سعيدة مع شريكة حياتي !.
ثم يشاء الله وتتم مراسيم حفل زفافه السعيد ، ويأخذ عروسه في بهجة وحبور وسرور ، والأرض لا تكاد أن تسعه فقد ظفر بمحبوبته الغالية .. ، وقد خرج من قصر الزواج بعد ما ودع الأهل والضيوف والأصحاب ؛ وخصوصًا أم العروس التي فارقتها بعد بكاء الفرح لابنتها التي كانت لصيقتـهـا في البيت ، والآن تركتها لتقيم في عش الحياة الزوجية ويصبح لها صرحًا آخرًا مع شريك حياتها .. .
وسوف يقضي الزوجان أمتع اللحظات والأوقات مع بعضهما بعضًا .. .
وهكذا .. تدور عجلة الحياة بهما وكل واحد متعلق بالآخر ..
ما أجمل أيام الزواج الأولى وما أبهجها ! ـ عند الكثيرين من الأزواج والزوجات ـ لا كدر فيها ، بل كلها أيام سعادة وهناءة .. .
بعدها .. يحصل ـ كما يحصل في كثير من البيوت ـ بعض القصور ، فيغض أحدهما الطرف عن الآخر ، ثم يتكرر خطأ ثانٍ وثالثٍ ، ويبدأ العتاب ثم يصطلحا كما كان حالهما من الحب والوئام ، ثم ترجع نفس الأخطاء ويرجع العتاب من جديد ، ثم تختلف وجهات النظر ، وتحتد الأنفاس ، ويتطور الأسلوب إلى تراشق بالتهم والكلمات النابية ، وربما ذهبت المرأة إلى بيت أبيها وتوسعت الهوة ، وازداد ت المشكلات ، فأصبحت كثيرة لا حصر لها ؛ تغلق من جانب ، وتفتح من جانب آخر ..
أُغلقت لغة التحاور بالتي هي أحسن ، وحل مكانها سوء الظن ، وتصيد الأخطاء ، وقصور في الوظائف ، وقلَّ الاحترام .
كثرت المشكلات على الرجل فلا هو مستقر في بيته مكان راحته ، ولا هو مرتاح خارج بيته بل مكدود الخاطر ، ماذا يفعل إذا رجع إلى بيته أمام ذلك الركام من المشكلات ؟! ؛ خاصة مع مرور الأيام والشهور بل الأعوام ، ووجود الأولاد ، والأمر يزداد تعقيدًا .. فما الحل ؟ الحل ـ في نظر الكثير ـ هو الطلاق .. ! .
فأقول : رويدك يا أخي فما هكذا تعالج الأمور .. .
ابتداءً أقول : من أراد بيتًا لا يخلو من المكدرات فهو يطلب المستحيل ، حتى بيت نبيك × ما خلا من المشكلات .. ، والسنة النبوية حفظت لنا الكثير من مواقف النبي × مع زوجاته .
النساء قال فيهن النبي ×: « استوصوا بالنساء خيرًا ؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرًا » متفق عليه ، وفي لفظ لمسلم : « فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تُقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها » .
أخي الزوج العزيز : المرأة بطبيعتها عاطفية تحتاج من الرجل النزول إلى مستوى تفكيرها ومناقشتها بأسلوب يحاكي تفكيرها فهي في الغالب تتعامل مع الأشياء بعاطفتها لا بعقلها ، وأما طريقة الرجل في التفكير عقلية منطقية .
المرأة تريد رجلًا يتفهم نفسيتها ، يراعي أحاسيسها ، يبادلها الحنان والعطف والاحترام .
المرأة تحتاج من الرجل الحزم مع اللين .
ولا تنسَ أخي الزوج أن مسؤولية المرأة كبيرة وعظيمة تنوء بها الجبال الرواسي ، فهي تقوم بشؤون البيت بأكمله ، ولا يخفاك أن عمل البيت مضنٍ وكثير ؛ من غسل الملابس وكيها ، وطبخ الطعام وغسيل الصحون ، وكنس البيت ورعاية الأولاد طوال اليوم وغسلهم .. إلخ من أمور لا تنقضي .
فالزوجة تحتاج إلى من يقدر جهدها ويثني عليها وعلى عملها ، ولاشك أنه قد يحصل شيء من القصور فينبغي للزوج أن يغض الطرف عن ذلك ، خاصة أيام دورتها الشهرية فإن وضعها النفسي والجسدي سيء للغاية ، فتحتاج إلى من يقف بجانبها ويراعى حالها .. وهذا مما يجهله الكثير من الأزواج مع الأسف .. .
إذا كان الله I أسقط عنها عبادتين عظيمتين في حال دورتها الشهرية : الصلاة والصيام رحمة بها ، أفلا تخفف من طلباتك لها ، وتغفر تقصيرها في ذلك الحين ؟! ، وتخيل نفسك مكانها أما كنت تتمنى أن تُخفف عنك الأعباء حتى ترتاح ؟!.
ولا يُنكر أن كثيرًا من الأمور التي تصدر من كثير من الزوجات ـ هداهن الله ـ خطأ محض ، بل بعضها مخالف للشرع .
لكن ما دورك أنت أخي الزوج تجاه تقصيرها في حق الله أولًا ثم في حقك أنت وبيتك ثانيًا ؟
الله I وضع لنا منهاجًا للتعامل مع المرأة إذا وجد منها تقصير فقال :
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[النساء:34]
هل وعظتها بالتي هي أحسن فيما أخطأت فيه دون المساس بكرامتها وعزة نفسها ؟ ، أم جرحتها فزادعصيانها ؟
الخطأ لا يعالج بالخطأ أبدًا ، بل الخطأ يعالج بالحكمة والرفق .
انظر موقف النبي ×حينما قُذفت عائشة في حادثة الإفك [ اتهامها بالزنى ] ماذا قال لها النبي × ؟ قال لها :
« يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنتِ بريئة فسيبرئكِ الله ، وإن كنتِ ألممتِ بشيءٍ فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ؛ تاب الله عليه » .
الله أكبر .. ما أعظم هذا الأسلوب من هذا النبي
الكريم × وهو في أمر يختص بالشرف والعرض ، فما بالك فيما هو دونه ؟! .
ولا أظن أخي الزوج العزيز أن زوجتك وصل خلافك معها إلى مسألة العرض والشرف البتة .
__________________
محمد بن محمد الجيلاني
مهتم بالكتابة حول شؤون الأسرة