احذروا !! أنتم صناديق
عندما كنت طفلاً كنت أحرص دائماً على الجلوس مع والدي , كنت أستمتع بالبقاء لساعات طويلة أستمع إليه ولبقية أصدقاؤة ورواد مجلسه , أجد متعة غير عادية في ذلك تشعرني بالسعادة وأيضاً بالكثير من الرضى فتراني هاشاً باشاً بمجرد البقاء بالقرب منه وهو يتحدث ويتحاور مع كل الحاضرين في ذلك المجلس بقضون الساعات في مناقشة مختلف أمور الحياة . هو أيضاً كان يحرص أشد الحرص على تواجدي المستمر قريب منه وفي كل جلساته وكان يشدد على كثيراً بعدم التخلف عن أي مجلس وبضرورة الحضور المستمر
وكان يسعد (( مثلي )) بمجرد أن يراني أدخل الى المجلس وأضع لنفسي مكاناً فيه حتى أنه وطوال مدة بقاء أصدقاءه وكلما أخذهم الحديث وأنهمك معهم في النقاش , بتوقف فجأة ليتأكد من تواجدي وأنني مازلت أجلس معهم عندها ترتسم على محياه ابتسامة(◠ ‿ ◠ )عريضة وأحس بأنه فخووووور بي وبتواجدي بينهم ... ولطالما كان يردد على مسامعي وهو يوجه الحديث لجلساؤه عبارة :
هذا ابني أفضل أشقاؤه وأذكاهم ... يا الله كم كان جميلاً (◠ ‿ ◠ ) أن أسمع كلمة ((أذكاهم))
كان وقع الكلمة يشعرني بأني المميز فيهم والأفضل وأن احد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين
ولكم شعرت لسنوات بالريبة والخشية من أشقائي وشقيقاتي الأحد عشر خوفاً من أن يطرحوني أرضاً أو أن يلقوا بي في غيابة الجب ثم لن أجد أي سيارة يلقون دلوهم فيخرجوني .
هكذا قضيت سنوات طفولتي بين العلم والذكاء والريبة والخوف , وعندما بدأت أدرُج مستقبلاً سنوات مراهقتي وبدأ يتفتق ذهني وبدأت حقيقةً أكتسب بعض الذكاء أكتشفت السر الأخطر والأعظم !!!
والذي غير مسار حياتي وهو أن والدي لم يكن يستبقيني في مجلسه ويشدد على ذلك حرصاً على أن أتعلم شيئاً مفيداً أو أن أكتسب علماً نافعاً
بل لأقوم بصب القهوة والشاي لجلساؤه طوال بقائهم في مجلسه !!!! ..
كانت المفاجأة عظيمة والصدمة كبيرة عندما أكتشفت أن والدي كان(( يستدلخني )) ويستغلني بدعوى الذكاء حتى يضمن أن لا أتسلل من البيت قبل بداية مجلسه كما يفعل أشقائي الأكبر سناً ليلعبوا كرة القدم في الحارة . كادت الصدمة_لولا لطف الله_ أن تفقدني النطق لكني تمالكت نفسي وأحتسبت الأجر عند الله و أدركت أن والدي سيلاقي وجه الكريم في يوما من الأيام , هذا ما منحني بعض الراحة وأدخل السلام والطمأنينة إلى قلبي , ولكن علي الاعتراف أن الصدمة ألقت بظلالها على عقلي وأفقدتني ذكائي ومعه الكثير من المعلومات والأفكار التي كنت أسمعها في ذلك المجلس المشؤم فتظافرت كل هذه الظروف مع (إستدلاخ) والدي واستغلاله لي فتحولت إلى مجرد أحمق لا يعي ولا يفقه أي شئ
ولم أعد أرى أحد عشر كوكباً ولا شمساً ولا قمرا لي ساجدين . وها أنا أكاد أن أنهي العقد الثالث من عمري ولم يبقى في رأسي من علم والدي غير جملةٍ واحدةٍ كنت أسمعها دائماً ولم أفهم ماذا تعني بل أنها كانت تشعرني بالخوف , فقد اعتاد والدي على ترديد (( الرجال صناديق )) فكنت كلما سمعته يرددها أشعر بالخوف أكثر لأني لم أفهم حينها كيف يكون الرجال صناديق , كيف يتحول البشري ابن آدم الى جماد وإلى صندوق أيضاً !! مربكة جداً هذه الجملة ومخيفة وتدفع بالعقل _أن وجد منه شئ_ الى كثير من التفكير حقيقةً أني قضيت سنوات طويلة في التفكير فيها وفيما يريده والدي منها وما الذي يدفعه لاستخدامها . فأدركت بعد سنوات طويلة وبكثير من الجهد_بسب ضياع دكائي في حادثة والدي الشهيرة_ أنه ليس الرجال فقط هم الصتاديق بل أن البشر كلهم كذلك !!
نعم كل البشر صناديق
أقفالها تحت ألسنتهم وفي أحبار أقلامهم وأن محتوى هذه الصناديق عصي على أي بشر معرفته أو الاطلاع عليه أو التحكم فيه وفرض فهمه عليه أو جرحه و تعاديله مالم نفتح الأقفال ونطلق المحتوى الى فضاءات النقد والجرح والتعديل وفرض الفهم البيئي والأجتماعي والثقافي عليه فبمجرد أن فتحت الأقفال عن هذا المحتوى لم يعد ملكاً لصاحبه بقدر ماهو ملك لمتلقيه يخضعه لفهمه الخاص وحتى العام , ويجرح ويعدل فيه وعليه كما يشاء
وليس لأحد الحق في مصادرة حق أحد في فهم ما يشاء كما يشاء وفي تقبل ما يشاء كما يشاء ويجب أن يسلم كل صندوق بملكية كل الصناديق الأخرى لأفكاره
متى ما أختار طوعاً أن يفتح الأقفال ▓►
يا الله كم أحب والدي
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••••••••••••••••••••••█ܓܨܓ التوقيع / صندوق ܓܨܓ█
التعديل الأخير تم بواسطة little dreams ; 13-10-2010 الساعة 03:23 PM
السبب: حذف الصورة