منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - الى كل فتاة وزوجة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2004, 12:52 AM
  #1
عاشق البحر
عضو جديد
تاريخ التسجيل: May 2004
المشاركات: 10
عاشق البحر غير متصل  
الى كل فتاة وزوجة



من القضايا التي يتكرَّرُ طرحُها ومناقشتُها في أحيانٍ كثيرة : ما يتعلّق بعمل المرأة خارج بيتها ، وخاصةً عبر عدد من الوسائل الإعلاميّة في المجتمعات الإسلاميّة ، ومن خلال وسائل الإعلام الأجنبيّة ، وكذا المؤسسات الدوليّة التي ترى بحسب تصوّرات القائمين عليها أنها بذلك ترعى حقوق الإنسان أو تدافع عن حقوق المرأة ، وباتت هذه القضيّة من المعايير التي تقيس بها تلك المنظّمات مدى ما تحقق في المجتمعات الإسلاميّة من ( تطوّر ) و(إنصاف)ٍ للمرأة وإعطائها حقوقها ، وفق النظرة الغربيّة الماديّة للحياة.
وفيما يتعلّق بمجالات عمل المرأة فإنّ الأنظمة جعلتها محدّدة بالمنهجيّة التي سارت عليها البلاد، وقرّرتها أنظمتها العامّة ؛ بأنّ المرأة لها مجالاتها التي أفسحتها الشريعة حتى تخدم من خلالها في المواقع التي يُحتاج لها فيها ، بما يتحقّق معه التكامل في رعاية الجنس اللطيف ، تواكبًا مع متغيّرات الحياة ، وثباتًا على الأسس الشرعيّة التي تحفظ للمرأة طهرها وحياءها وحشمتها ، مترفعةً بها عن وهاد الاختلاط وسقطات الخلوة ومزلّة التبرّج .
ولاستيضاح الخيار الشعبي طُرحت هذه القضيّة على مائدة الحِوار الوطنيّ ، فقالت المرأة السعوديّة فيها قولها الفاصل ، مستنيرةً بهدي الشرع القويم ، ومعتبرةً بتجرِبة المرأة في هذا المجال في أصقاع شتّى من العالم .
ومع ذلك كله فلا بد أنْ يؤكّد المتخصّصون هذه الرؤى ، وأنْ يؤصّلوا هذا المنهج ، حتى نحافظ على مجالات عمل المرأة نظيفة من كل ما يكدّرها ، أو يسبّب اعوجاج مسارها . وقبل أنْ أستعرض بعض الأسس والقواعد في التعامل مع قضية عمل المرأة ، فمن الجدير أنْ نتوقف عند بيان جليل للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل- رحمه الله- عندما لاحظ بعض التوجّهات الساعية للإخلال بمسالك الحشمة والحياء لدى النساء ، فحرص على مدافعة هذه المسالك فأصدر بيانًا عامًا في عام ( 1356هـ/1937م ( يضع الأمور في نصابها الصحيح ، وهو بيانٌ له قدره الكبير ، لكونه من رجلٍ إذا تحدث أصغت له الدنيا ، لما حباه الله من الشخصيّة الفذّة ، والتمكين العظيم ، الذي وفّقه الله من خلاله لأنْ يعيد للمسلمين ولأرض الإسلام البكر أمنها وإيمانها وطمأنينتها في دينها وأخلاقها وحياتها بعد أنْ عانت من فقد ذلك لعقود متوالية من الزمان . ففي سياق حرص الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على أنْ يحقق لوطنه ولأمته الأمن الثقافيّ والأخلاقيّ في ضوء نصوص الوحيين، ومبادئ الشريعة الغرّاء يقول رحمه الله :
" وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وترقيتهن وفتح المجال لهن في أعمال لم يُخلقن لها ، حتى نبذن وظائفهن الأساسيّة من تدبير المنزل وتربية الطفل وتوجيه الناشئة ـ الذين هم فلذة أكبادهن وأمل المستقبل ـ إلى ما فيه حب الدين والوطن ، ومكارم الأخلاق ونسين واجباتهنّ الخُلُقية من حبّ العائلة التي عليها قوام الأمم ، وإبدال ذلك بالتبرّج والخلاعة ودخولهن في بُؤر الفساد والرذائل ، وادّعاء أنّ ذلك من عمل التقدّم والتمدّن . فلا والله ليس هذا التمدّن في شرعنا وعرفنا وعاداتنا ، ولا يرضى أحدٌ في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان أو إسلام ، أو من مروءة، أنْ يرى زوجته، أو أحدًا من عائلته أو من المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي ، هذه طريقٌ شائكة تدفع بالأمة إلى هوّة الدمار ، ولا يقبل السير عليها إلا رجلٌ خارجٌ من دينه ، خارجٌ من عقله ، خارجٌ من عروبته ؛ فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم ، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شَمم أنْ يُدافع عنها. إنّنا لا نريد من كلامنا هذا التعسّف والتجبّر في أمر النّساء ، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقًا يتمتعنَ بها لا توجد -حتى الآن- في قوانين أرقى الأمم المتمدّنة ، وإذا اتّبعنا تعاليمه كما يجب فلا تجد في تقاليدنا الإسلاميّة وشرعنا السّامي ما يؤخذ علينا ، ولا يمنع من تقدّمنا في مضمار الحياة والرقيّ ، إذا وجَّهنا المرأة في وظائفها الأساسيّة ، وهذا ما يعترف به كثيرٌ من الأوروبيّين من أرباب الحصافة والإنصاف ، ولقد اجتمعنا بكثيرٍ من هؤلاء الأجانب ، واجتمع بهم كثيرٌ ممن نثق بهم من المسلمين ، وسمعناهم يشكون مُرَّ الشكوى من تفكّك الأخلاق ، وتصدّع ركن العائلة في بلادهم من جرَّاء المفاسد ، وهم يقدّرون لنا تمسّكنا بديننا وتقاليدنا وما جاء به نبينا (صلّى الله عليه وسلّم ) من التعاليم العالية التي تقود البشريّة إلى طريق الهدى وساحل السلامة ، ويودّون من صميم أفئدتهم لو يمكنهم إصلاح حالتهم هذه التي يتشاءمون منها ، وتنذر ملكهم بالخراب والدمار والحروب الجائرة . وفي هذا السياق حول توظيف المرأة فلا بدّ من الاعتبار بالقضايا التالية :

أولاً : التوافق والاختلاف في طبائع الذّكر والأنثى :
خلق اللهُ جلَّ وعلا الذَّكَرَ والأُنثى ، وجعل بينهما من الطّبائع المشتركة ما يتّفق فيها الناس ذكورًا وإناثًا في الجملة وفي الغالب . وخَصَّ كلاً منهما بطبائع يتميز بها عن الآخر ، وكثيرٌ من تلك الفروق يصل إلى الاختلاف التكويني : البدني والنفسي ، واللذين يتوافق كلٌّ منهما مع الوظائف الكبرى المنوطة بكل من الجنسين في هذه الحياة , ومن المقرر والثابت أنّ الشريعة قد أتت بأشياء ميَّزت فيها بين المرأة والرّجل في ميادين سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة ومدنيّة وغيرها ، لحِكَمٍ عظيمة وغايات سامية تتحقق بها مصالح كبرى لعموم البشر ، وفي التنزيل الحكيم ما يشير إلى ذلك في أكثر من موضع .ومن ذلك قولُ الله جلَّ شأنه : (... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى...) [آل عمران :36] وقد جاء الشرع الكريم المنَزّّل من الله ليُعمل به في أرضه بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي ، فجعل الرجل قائمًا عليها وجعلها مستندةً إليه في جميع شؤونه ، كما قال تعالىالرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء...ِ)[النساء: من الآية34 ]
فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة لا يمكن أنْ تتحقّق ، لأنَّ الفوارق بين النوعين كونًا وقَدَرًا أولاً ، وشرعاً مُنَزَّلاً ثانياً ، تمنع من ذلك منعًا باتًّا، ولقوّة الفوارق الكونيّة والقدريّة والشرعيّة بين الذكر والأنثى ؛ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه لعن المتشبّه من النوعين بالآخر .
والسعي لتسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين ، فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنسانيّ مالا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته؛ وذلك لأنَّ الله جلَّ وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصّةِ بها صالحةً لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنسانيّ ، صلاحاً لا يصلحه لها غيرها ، كالحمل والوضع والإرضاع وتربية الأولاد وخدمة البيت والقيام على شؤونه . وهذه الخدمات التي تقوم بها للمجتمع الإنسانيّ داخل بيتها في سترٍ وصيانة،وعفافٍ ومحافظة على الشرف والفضيلة والقيم الإنسانيّة ، لا تقلّ عن خدمة الرجل بالاكتساب .
وفي هذا يقول : الدكتور " ألِكسيس كاريل" :" إنّ الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسليّة ، ومن وجود الرَّحِم والحمل ، أو من طريقة التعليم … إنها ذات طبيعة أكثر أهميّة من ذلك ، إنها تنشأ من تكوُّن الأنسجة ذاتها ، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيماويّة محدّدة يفرزها المبيض ، ولقد أدَّى الجهل بهذه الحقائق الجوهريّة بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنّه يجب أنْ يتلقى الجنسان تعليمًا واحدًا ، وأنْ يُمنحَا سُلُطاتٍ واحدة ، ومسؤوليات متشابهة . والحقيقة : إنَّ المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل ، فكلُّ خليّةٍ من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها ، والأمر نفسه صحيحٌ بالنسبة لأعضائها ، وفوق كل شيء جهازها العصبي ، فالقوانين الفيسيولوجيّة غير قابلةٍ لِلِّين ، شأنها شأن قوانين الأفلاك والنجوم ، فليس في الإمكان إحلال الرّغبات الإنسانيّة محلها ، ومن ثم فنحن مضطرّون لقبولها كما هي . فعلى النساء أن يُنَمِّينَ أهليَّتَهُن تبعًا لطبيعتهنّ ، دون أنْ يحاولن تقليد الذكور ، فإنّ دورهنَّ في تقدّم الحضارة أسْمَى من دور الرجال ، فعليهنَّ ألا يتخلَّينَ عن وظائفهنّ المحدَّدة " وقد فصَّل الشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي المتوفى عام ( 1393هـ ) رحمه الله ، في كتابه الحافل " أضواء البيان " جوانب من الحكم العظيمة والمقاصد الجليلة في اختصاص الرجال ببعض الأحكام والتشريعات دون النساء ، مما فيه مصلحة العباد أجمعين ، وهو بحثٌ نفيسٌ جديرٌ بالوقوف عليه ومطالعته وتأمل نفائسه . أورده عند تفسير قول الله تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... )[الإسراء: من الآية9]

ثانياً : إنّ الأصل في النساء قرارهن في البيوت .
قال الرَّبُّ جلَّ شأنه : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )[الأحزاب: من الآية33] والمعنى : الزمن بيوتَكُنَّ ، فلا تخرُجْنَ لغير حاجة .وإذا قامت الحاجة لذلك فإنّها تخرج بما شرع من الشروط والآداب . حتى ولو كان خروجها ذلك لبيت من بيوت الله جلَّ وعلا . وأهل العلم بكتاب الله وهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يقرّرون أنّه ليس المقصود من هذا الأمر للمرأة بالقرار في البيت ما يصوره بعض مَنْ في قلوبهم مرض وفي تصوراتهم خَطَل ، مِنْ أنَّ الإسلام يفرض على المرأة إقامةً جبريّةً في البيت ، بحيث تكون مُكَبَّلةً فيه لا تبرحه إطلاقًا ، كلا وحاشا . و لكنّما ذلك إيماءٌ لطيفٌ إلى أنْ يكون البيت للنساء هو الأصل في حياتهن ، وهو المَقَرُّ ، وما عداه فهو استثناءٌ طارئ ، ليست له صفة الاستقرار أو الاستمرار ، إنّما هي الحاجة تقضى وتقدَّر بقدرها . ثم تأمل هذا الإيماء اللطيف في كلام الربِّ سبحانه ؛ حين أضاف البيوت للنّساء في أربع آيات مُحْكَمَاتٍ من كتابه الكريم ، مع أنَّ الغالب أنَّ البيوت في ملكيّتها للأزواج أو لأوليائهن ، ولكن أُضيفت البيوت إليهن ـ والله أعلم ، كما يقرره بعض العلماء ـ مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت وقرارهنَّ بها ، فهي إضافة لزوم للمسكن والقرار به ، لا إضافة تمليك .
وتلكم الآيات هي :
1ـ قول الله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب : 33]
2ـ قوله جلَّ شأنه : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)[الأحزاب: من الآية34]
3ـ قوله عزَّ وجل : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)[الطلاق: من الآية1]
4ـ قوله سبحانه ـ في شأن امرأة عزيز مصر وما كان منها نحو يوسف عليه السلام ـ : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا )[يوسف: من الآية23]

ثالثاً : إنّ الأصل في النساء أن يُكْفَين مؤونة الخروج من بيوتهنّ مما تستدعيه أمور المعيشة :
وهذا ما تتابع عليه أهل الإسلام جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا ، وهو أنَّ النساء مكتفيات عن الخروج لطلب المعيشة والتسبّب في الرّزق ، بل إنّ هذا هو الذي كان في الأمم السابقة ، كما تبيّنه النصوص الواردة في هذا الباب . ومن هذا ما يظهر للمتأمّل في قول الله جلَّ شأنه في سياق قصة رسوله موسى عليه السلام (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )[القصص:23و24]
) فقولهما : ( وأبونا شيخٌ كبير ) أي ما لنا رجلٌ يقوم بذلك ، فأبونا شيخٌ كبيرٌ قد أضعفه الكِبَرُ فلا يصلح للقيام به ، فهذه الحال ألجأتنا إلى ما ترى .



خالد الشايع
موقع الاسلام اليوم