حسبي أن أستهل هذا المقال بما استهللت به مقال (الشهيدة الملبية) وذلك لتكرر الحدث والمأساة بصورة أشد وأنكى في يوم الأربعاء22/2/1432ه ، حيث أحدثت رعباً في نفوس الصغار والكبار .. الذكور والإناث ، فأقول والله على ما أقول وكيل:
(إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولن نقول إلا ما يرضي ربنا .. إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.
ففي صبيحة الأربعاء الثامن من شهر ذي الحجة لعام 1430هـ, حلّت بمدينة جدة - عروس البحر الأحمر - فاجعة الفواجع وأم المواجع.
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ### بكى له أحد وانهدّ ثهلان
أمطار غزيرة تبعتها سيول جارفة جعلت العمار دماراً, والأحياء أمواتاً, بيوت هُدِّمت, وأنفس أزهقت, وأموال أتلفت, فأمست العروس في تلك الليلة حزينة حيث فقدت الكثير من أهلها وخيم الحزن على من بقي منهم, وإلى الله وحده المشتكى) أهـ .
سأقف مع هذا الحدث وقفات أسال الله أن ينفع بها:
1) (مطرنا بفضل الله وبرحمته) هذا هو حال المؤمن عند نزول الأمطار كما جاء ذلك في حديث خالد بن سعيد رضي الله عنه وهو مخرج في الصحيحين، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال (رحمة) رواه مسلم.
قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وقال { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ }وقال{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
ويروى أن عمر بن عبد العزيز كان في سفر مع سليمان بن عبد الملك فأصابتهما السماء برعد وبرق وظلم وريح شديدة حتى فزعا لذلك, وجعل عمر يضحك . فقال له سليمان: ما يضحكك ياعمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال: هذه آثار رحمته سبحانه وتعالى فيها شدائد كما ترى فكيف بآثار سخطه وغضبه؟
2) لما استسقى النبي صلى الله عليه وسلم من على منبره وأمطرت المدينة أسبوعاً (هلكت المواشي، وانقطعت السبل، وتهدمت البيوت) قال أنس رضي الله عنه (فمطرنا فما كدنا أن نصل إلى منازلنا) وفي رواية (ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي إلى أهله). وهذا مطابق لحالنا في جدة مع المطر بيوت هدمت وسيارات أتلفت وأناس احتجزتهم الأمطار فما رجعوا إلى بيوتهم إلا في اليوم التالي وغير ذلك من صور المأساة.
قال الإمام ابن حجر رحمه الله: (من أنعم الله عليه بنعمة لاينبغي أن يتسخطها لعارض يعرض فيها، بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة) [فتح الباري2/588].
فينبغي أن نحمد الله على نعمته ورحمته مع المطالبة بإزالة أسباب الضرر حتى لا تتكرر المأساة مرات وكرات ونصبح كمن يدور في حلقة مفرغة.
ولا يجوز أن نتشاءم من الأمطار أو من يوم الربعاء فنقول الأربعاء المشؤوم أو الأسود.. الخ.
3) عزاؤنا فيمن مات في هذه السيول أنهم نالوا الشهادة! لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله)). قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها, وأن المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء. [شرح النووي على صحيح مسلم14/69].
وأخيراً أسأل الله أن يرفع الضر عن المتضررين وأن يرحم الموتى وأن يعوض كل من فقد شيئاً في هذه السيول خيراً.
والحمد لله رب العالمين.
أبو ناصر22
ليلة الأربعاء29/2/1432هـ - 2/2/2011م.