لم يكن يعرف أن عدم الأمان هو كرباج الضغط الذي يسلط الشماليين والذي يحولهم إلى متسلطين،
كانت الشمالية تفكر طوال الوقت في الإنهيار الذي أودى بحياة جارتها
وتنظر للقبيلة الجبانة التي ما حاولت يوما أن تجعل حياتها أكثر أمنا
وتساءلت أمام كل أفراد القبيلة:
لماذا لا تتركون المكان، لماذا لا ترحلون، ؟؟؟
لكن أفراد القبيلة الجنوبيين يخشون الرحيل في هذا الفصل من السنة
يتأنون كثيرا ولا يستطيعون السير إلى مسافة بعيدة
إنهم يعرفون حدود إمكانياتهم ....
لكن الشمالية لا تعلم....
ثم تقرر الرحيل مع زوجها وحدهما.........
كان الجنوبي يستمع إلى حديثها ويحدث نفسه بأن كلامها صحيح
فقط لو أنه يستطيع إقناعها بالتريث حتى يهدأ الجو
لكنها مصرة ...
فيحايلها التريث ..
لكنها مصرة ...
إنها عنيدة ومتسرعة .!!!
فيقول لها:
لا أستطيع ترك قبيلتي بهذه السهولة
إنهم يعلقون علي الأمال
أصبحت قائدهم
لا أستطيع التخلي عن مكانتي ومنصبي بسهولة
افهميني ...
تريثي قليلا لعلنا نجد حلا آخر
لكن الشمالية تعلم أنه ما أن يحل الربيع وتهدأ الأوضاع سيعود جميع أفراد القبيلة إلى اللهو واللعب
ولن تتمكن من السيطرة بعد ذلك على زوجها
لن تتمكن من إقناعه بالرحيل
عليها أن تفعل ذلك الآن بما أن المكان ينبأ بالكوارث
إنه أفضل توقيت للتأثير على زوجها ...
الجنوبي هذا الرجل المحب
لا يكاد يرفض لها طلبا
لكنه لا يستطيع الإنفصال عن الجماعة
إنه يعرف ماذا يحدث للإنسان حينما يبقى وحيدا
وقد جرب ماذا تعني الوحدة في الصقيع
لكن الشمالية لا ترى أنها وحيدة مادام هو معها
فهو كل حياتها
والقبيلة لا تهمها كثيرا
لكن الجنوبي يرى أن كل القبيلة هو
إن القبيلة هي زاده في هذه الحياة
وهي أساس سعادته وراحة باله
لكن الشمالية لا تكاد تفهم ..
إنها تصر على اقتلاعه من جذوره
إنها تصر على فصله عن رحم الراحة
فيحاول الضغط عليها فيقول:
لكني لن أرحل معك ستضطرين للرحيل وحدك
فتصاب الشمالية بالرعب
فهي لا تكاد تعيش بدونه
فتحاول من جديد بكل الطرق لإقناعه
ولأنه طيب القلب محب ودود
يقبل أخيرا
وهكذا ترحل الشمالية ويتبعها الجنوبي غير مقتنع
وفي قلبه حزن عميق على تركه أحبته في القبيلة
وبمجرد أن تركا القبيلة ...
بات كل أفراد القبيلة يفكرون في الرحيل
فالشمالية حركت لديهم الأمل والحماس لذلك
لكن الشمالية وزوجها المحب قد غادرا مبكرا
وتجاوزا مسافة كبيرة .
كان الجنوبي قد بدأ يشعر بالإرهاق والتعب ..
وكانت الشمالية تقوده ..
وكان يتمنى لو أنها تتوقف قليلا ليتبادلا الحب
فهو يشعر بالبرودة تكاد تقتلع روحه !!!
لكن الشمالية في الغابة ...
ولا تشعر سوى بالخوف والوحشة من المكان
وترغب في الوصول سريعا إلى وجهتها
وفجأة وبينما هي تسير ...
التفتت للخلف لترى جنوبيها ( زوجها ) وقد سقط أرضا
أسرعت إليه وبدأت تحتضنه وتبكي،
لكنه بقي في غيبوبته ..
فشعرت وبشكل مفاجئ أي فاجعة أصابتها
كانت طوال الوقت تؤذي صاحبها
حملته بين ذراعيها وضمته بشدة
وهي تبكي وترجوه أن يفيق
وتعده أنها ستتوقف في المرة التالية ولن تتركه يموت بردا
وبينما هي على حالها سمعته يهمهم ...
ففتح عينيه وطلب منها أن تضمه أكثر فعلت ...
وفي اليوم التالي بات الجنوبي أفضل
وصارت صحته بخير
لكنه لا زال منهكا
فطلب منها الإسترخاء لبعض الوقت
لكن الشمالية نظرت حولها فرأت أن المكان لا يشجع على البقاء
وقالت: لم يبقَ الكثير
الغابة في الجوار
وصارت تفكر:
لم كل هذا !!!
لماذا يتعب الجنوبي سريعا !!!
أليس هو الرجل وعليه أن يكون أكثر نشاطا مني !!!
وكان الجنوبي يفكر:
ما هذه المرأة القاسية !!!
كيف لها أن تفعل بي هذا !!!
ألا تشعر بالبرد !!!
ألا ترغب في الدفء !!!
لماذا لا تقترب مني أثناء السفر !!!
لماذا تصر على المشي أمامي وغرس الغصن الناشف في الأرض !!!
فسألها:
لماذا تغرسين غصنا ناشفا في الأرض أمامك كلما سرت.؟؟
قالت:
لكي أتأكد بأن الأرض أمامي صلبة
فلا أقع في هوة وأتركك ورائي
لأني وجدتك متردد وخائف ... !!!
شعر الجنوبي بالإعجاب بها أكثر
لكنه لم يعد يحبها كما السابق
فهي في نظره شيء مختلف
هي ليست امرأة بمعنى المرأة التي كان يعرفها
فنساء القبيلة مختلفات ...
إنهن دافئات...
ملتصقات...
فاتنات...
أمهات الحب فعلا .. !!!
لكن هذه المرأة ليست سوى عقل يسير على الأرض ، إنها كرجل..!!!!
وبينما هما مستغرقان في التفكير ....
شاهدا القبيلة تقترب منهما
فشعرت الشمالية بالخوف والضيق
إنها تخشى أن تؤثر القبيلة على زوجها فتمنعه من السفر
أو أن يعطلون الرحلة بكثرة الإسترخاء
لكن الجنوبي ما أن رآهم حتى شعر بالفرح
شعر بالسعادة الغامرة
وكأن الحياة عادت إليه من جديد
إنه بحاجة إليهم ...
فقد شعر بالوحدة والبرد القارص عندما تركهم
الشمالية التي علق عليها الآمال لم تعوضه شيئا
فقط عذبته..
وتركته يتألم بردا ..
إنها قاسية لا تشعر به ..
إنها جونكر لا تكاد تتعب ..
إنها مخيفة في الوحشة ..
فهي لا تقترب ولا تحب ولا تود ... !!!
إنها لا تفكر سوى في نفسها ..
تريد العودة إلى موطنها .. إلى عالمها ..
حتى ولو كان على حساب حياتي أنا الجنوبي المسكين ..
إنها مجرد وحش كاسر يختبئ تحت هذا المظهر الأنيق !!!