عندما ينطق العقل
نزغ الشيطان بينها وبين زوجها إثر خلاف بسيط فنفخ ابليس في الجمرة حتى ركب كل منهم هوى نفسه فطلقها فارتحلت لبيت أهلها وعندما سكت الغضب وخرس لسان الهوى ونطق لسان العقل كتبت إليه بدموعها :
أنا أودك بأجزاء قلبي ، وأحبك من سواء نفسي . لا مرحباً بعيش أتفرد به عنك ، ويوم لا أكتحل فيه بك ، ووددت أن أضرب بحضرتك أطناب عمري ، وأنفق على خدمتك أيام دهري . لا أزال أحن إليك ، وأحنو عليك . يا ليت قلبي يتراءى لك ، فتقرأ فيه سطور ودي لك ، وتقف منها على رأيي فيك . إني لآسف على كل يوم فارغ منك ، وكل لحظة لا تؤنسها برؤيتك . يعز علي أن ينوب في خدمتك قلمي ، قبل قدمي ، وخطي دون خطوي ، ويسعد برؤيتك رسولي ، قبل وصولي ، ويرد مشرع الأنس بك كتابي قبل ركابي . أنت من لا يسافر ودي إلا إليه ، ولا يرفرف طير محبتي إلا عليه . قد ملت إليك فما أعتدل ، ونزلت بك فما أرتحل ، ووقفت عليك فما أنتقل ، مسكنك الشغاف وحبة القلب ، وخلب الكبد وسواد العين . أنا أتصبح باسمك ، وأتفأل بذكرك ، وأحلم بوجهك ، واحتلب ضرع الشعر بذكرك . ما في نفسي بقعة أعمر من محلك ، وأنضر من مسكنك ، ولا في قلبي مكان إلا موشي بذكرك ، مطرز باسمك . المحبة ثمن لكل شيء وإن غلا ، وسلم إلى كل شيء وإن علا . أنا والله أجتني قربك ، وأجتوي بعدك . عهدي لك أكرم العهود ، ووفائي لك وفاء العرق للعود . أسباب المودة بيننا موصولة ، وطرق الإخلاص عامرة مأهولة . فإن أردت أن ترد الغصن إلى دوحتك , ويتفيأ الطير بظلال شجرتك فهذا منتهى أملنا,
فقرأ الزوج ماكتبته زوجته والدمع ينهمر من مقلتيه فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وسارع إليها لما علم من صدق لهجتها وسلامة صدرها.