رد : ابي وامي 70 عاما من الحب الكبير
أحسن الظن بأن الردود السابقة و اللاحقة سوف توفي موضوعك من ناحية " الحل " ،
أما أنا فإني من إعجابي بقصة و الديكِ أستمحيك العذر أن أجاريها بقصة أبي و أمي رحمها الله .
في أرياف ومزارع منطقة يلقب سكانها بـ"أهل الحاضرة " و أصولهم تنتمي لأعرق قبائل الجزيرة العربية
بلا شك لولا أنهم سكنوا القرى اشتغلوا بالزراعة و التجارة و الصناعة ،
من عوائل تلك المنطقة قد ولد جدي لأمي ، ...
و بينما في البادية قبائل عريقة تشتغل بتجارة ورعاية المواشي و تشد الرحال دوما حيثما وجد الكلأ والماء ،
ومن تلك قد ولد جدي لأبي .
القصة :
من الله على قلب جدي لأبي بأن زرع في قلبه حب العلم ، فاعتزل قبيلته البدوية حيث شاع الجهل ،
ثم شد رحاله مفرداً إلى أرياف الحاضرة ، فتعلم القرآن و حفظ منه و ربما بعض العلوم الأخرى ،
و حين رأى سكان تلك الحاضرة منه الخلق و العلم زوجوه ابنتهم التي هي جدتي لأبي ،
و بينما هي حبلى بالشهور الأولى بأبي مرض و توفى جدي لأبي ،
و قد كان لجدتي أم أبي أخت متزوجة من إحدى عوائل الحاضرة التي تحدثت عنها سلفاً وهو جدي لأمي ،
فالخلاصة أن جدتاي هما أختان و احدة زوجة بدوي و الأخرى حضري ، و رغم أن كلاهما ينتمي لأعرق القبائل
عدا اختلافهما في نمط الحياة ، بيد أن ...؟
قد نشأت منذ الأزل دعوة جاهلية مغلوطة تماما بين أهل الحاضرة و البادية ، فالحضري يرى البدوي بأنه " أعرابي " جاهل ،
و البدوي يرى الحضري بأنه " غير أصيل " في النسب .
قد كان لخالة أبي ابنة أحب اللعب معها وهي تصغر أبي بـتسع سنين ، نشأ هذا الحب طفولياً ينمو معهما ،
و حتى قبلها أبي مرة وهما طفلان فصفعته أختها الكبرى صفعة ليس ينساها ...
و كل القرية تشاهد هذا الحب العذري وتسره في قرارة نفسها ، وحتى إذا ما صارت ابنة خالته صبية ، اغترب أبي
للدراسة ليكمل كفاح الفقر و اليتم حيث كان وأمه العمياء يقتاتان على فلاحة صغيرة تدمي أيديهما تطعمهما وتكبر يوما عن يوم ، اغترب يعمل صباحاً ويدرس مساء ، و قضى بضع سنين لم يدع مهنة إلا و امتهنها حتى جمع مبلغا من المال و استقر بوظيفة حكومية مبدئية ، ...
خلال تلك الفترة كان جدي لأمي يزوج بناته من نفس عائلته ، وبعضهن من كبار التجار ،
وحينما تبقت تلك الابنة الصغرى و الوحيدة وحيث استنأف التجار خطبتها منه ، لم يستطع جدي تزويجها ،
فقد كانت ترفض أشد الرفض ، وحين يخشى أن يتم الضغط عليها كانت تبكي و تختبئ لساعات فتحكم إسقاط قفل عتبة دار طين ، حاول معها جدي كثيراً حتى بلغت السابعة عشر ، و في ذاك الزمان كأنما بدأ الجد يسمع أنها كبرت عن الزواج ، فقد
يفوت أوانها .
عاد أبي إلى القرية و معه مبلغ من المال ثم توجه إلى زوج خالته يخطب ابنته ، فرفض ...
ذهل من ذلك لأول مرة فالرجل لا يرد عليه طرف الحديث و لا ينظر إليه ، ولا حتى للمال التي بيديه،
فحاول بشتى الطرق إقناعه بالموافقة أو لسبب منطقي غير دعوى الجاهلية تلك فلم يجد .
كانت القرية بأكملها عاجزة عن نكران هذا الصراع الأزلي بين الحضر و البدو ،
بيد أنها في الوقت نفسه تدرك حبهما الذي شهد عليه كل ظل نخلة و ورقة سدرة و حوض ساقية ،
فبعد مرور أيام ...
تفاجئ أبي برجالات من القرية و شباب صبيان قد كانوا أصحابه ، و بعض العجائز و النساء الراشدات ،
تحلقوا حوله و سألوه أن يذهب إلى زوج خالته وكلهم سيذهبون معه عضدا وعونا ،
إلى أن وصل أبي إلى منزل زوج خالته و قد جلب معه نفر كثير من قريته ، فبدأ يسأله مرة أخرى ، وفي كل مرة يعارض الرجل يبدأ أهله وأصحابه من رجالات و نساء القرية بالضغط عليه ، وحتى بعد ليلة عصيبة
وافق زوج خالته إنما ...؟ بشرط تعجيزي ليتيم فقير مثله ...
طلب منه عدد رأس كذا من الأبل ، وكذا من المال ، وكذا من القمح و الشعير ، وو ...إلخ ،
حينها وحين كاد اليأس أن يتغلل إلى قلب أبي قام ثلة من أولئك الناس على معاونته بقرض أو بهبة سواء ،
فنقد فوق نقد جمع المال الكافي ، ثم ناقة من هنا وجمل من هناك ، وبعد أن أتم أبي الشرط ،
تقدم إلى زوج خالته ومعه أولئك الناس من أهل القرية الذين " شهدوا كلمته " ؟
فاضطر قسراً على الموافقة ، وتم زواج أبي بأمي عرساً قهر ظروف العرف و الفقر و اليتم .
استمر زواجهما خمساً و عشرين سنة حتى توفت أمي رحمها الله ، فلم يتزوج أبي إلا من بعد وفاتها ،
وبامرأة مسلمة مصلية نحسن الظن بها و لله الحمد - ماشاء الله تبارك الله - .
خارج النص :
ربما هذا الاختلاف العرفي و الاجتماعي الثقافي لا زالت آثاره تطلني أنا و أخواتي ،
لولا أحتسب أجره عند الله الرحمن الرحيم، و الآخرة خير و أبقى .
التعديل الأخير تم بواسطة فأل أخضر ; 06-10-2014 الساعة 02:47 AM