منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - وداعاً أيها الإنسان النادر !
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-2015, 07:58 AM
  #1
أميرُ البيَان
قلم وفي
 الصورة الرمزية أميرُ البيَان
تاريخ التسجيل: Jul 2004
المشاركات: 847
أميرُ البيَان غير متصل  
وداعاً أيها الإنسان النادر !



نبيل: أخٌ كريم وصديقٌ عزيز ذهب إلى لقاء الله قبل بضعة أسابيع.





نبيل ! يا نبيل !

يكذب من قال أنك مُت

أنتَ رحلت .. لتحيى في فؤادي

وذهبت .. لتسكن في وجداني

ما زلتُ أراك هنا .. وهنا .. وهناك

ما زلتُ أمرّ منزلك .. لنذهب سوياً .. كعادتنا

ما زلتُ أرى يدك .. تفتح دولاب سيارتي

لتسكب عطري المفضل على ثيابك

ما زلنا نتسامر .. في استراحتنا

أتعلم منك " القانون الدولي "

وتسرق مني الكلمات .. والأشعار

ما زالت مسودة روايتي الأولى معك

وقد ملأتها بملاحظاتك .. وانتقاداتك

ما زالت ضحكتك ترن أصداؤها في أذني

عندما طلبت مني أن أبحث لك عن عروس

قلتُ لك على الفور: " صبّوحة "

وفي اليوم التالي .. اتصلت بي ضاحكاً

تخبرني أن خطيبتك المقترحة ماتت !

يكذب من قال أنك مُت !

وتعود بي الذاكرة العجيبة .. إلى الوراء

إلى أول لقاءٍ جمعني بك

على ضفاف القدر .. على جناح الخيال

ما علمتُ أن السعادة ستهديني صديقاً حميماً

لقاؤنا الأول .. في محكمة الخبر !

عندما ترافعت عن قضية رفعها موكلي ضد موكلك

بُهرتُ من فصاحتك .. وسامتك .. أخلاقك

ومن مجيئك للسلام .. والتعرف

وتصادق المحاميان .. رغم خصومة موكلينا

وانتهت تلك القضية بالصلح .. من مجهودٍ كبيرٍ بذله كلانا

وأصبحنا أصدقاء .. وربما إخوة

الذين لا يعرفونك .. كرهوا منك حزمك

قوة شخصيتك

صرامتك

ربما حسدوك .. حفروا لك الحفر

لتقع فيها

وضعوا في طريقك الشوك .. ليُدمي قدميك

لم يفتحوا قلبك .. مثلي

رأوْا العطاء .. والإيثار .. والخير .. والحب .. والتواضع

على عكس ما يتصور الناس عن المحامين

من بلادة الحس .. وحب المال

كان قلبك كبيراً .. يتسع لكل الناس .. بما هم خصومك

كانت يمناك تجود بما لا تراه يسارك

حدثتني سيدتي الوالدة

أن في مجلس العزاء

أتت امرأةٌ بكتك كثيراً

ذُهِل أمك وأخواتك من بكاء امرأةٍ لا تعرفك

فقالت قصتها العجيبة

أنها حُرِمت رؤية أولادها من طليقها

ولم تملك المال الكافي لتوكيل محامٍ لرفع قضية ضده

بقدرة قادر .. وبلطف عزيز .. وبرحمة رحيم

ولعلها دعت دعاءً مستجاباً

وقعت عيناها أثناء مرورها صدفةً بالشارع على لوحة مكتبك

وزارتك .. وتطوعتَ بالقضية كلها مجاناً

حتى رأت أولادها .. بعد عناءٍ طويل

والتقت الأم بأولادها في حفلة بكاءٍ جماعية

قصة فاجأت الكثير .. لكنها لم تفاجأني

لأَنِّي أعرف أخلاقك .. سريرتك .. دون أن تحكي لي

تظهر لي في عينيك الصافيتين .. في وجهك المشع بالضياء

في قلبك المليء بالحب .. والخير

وأنا أجزم أن مثل هذه القضايا الكثير .. ممن لم تحكِها لي

في الصين .. عندما سافرنا سوياً

كنتَ أتقلب على فراش الاتكالية .. والاعتماد على الغير

كما عشتُها طيلة عمري

عشتُ مخدوماً .. مكفياً

وكنتَ تغسل ملابسي .. وتكويها

حيث لا تنتشر المغاسل هناك .. كما هنا

تفعل ذلك .. وأنت إبن أسرةٍ ثرية

تعيش في فيلا مليئة بالخدم والحشم

تفعله لأجلي .. وأنا الكسول الجاهل .. الذي لا يتدبر شؤونه وأموره

في الرحلة نفسها

شكرتني بحرارة السكرتيرة وزوجها السائق

لأننا ندعوهما بأن يشاركونا كل وجباتنا !

وأن يرونا كيف نؤدي صلواتنا !

وأخبرونا بأنهما عشقا الطعام العربي للذته

أخبرتها صادقاً أن هذا ليس مني

بل من صديقي نبيل " النبيل "

الذي كان يحرص في الخارج أن يعكس صورة رائعة عن دينه ووطنه

في أيامه الأخيرة .. في العيادة التلطيفية

وهي تسميةٌ تلطيفية لمن ينتظره الموت .. وفشلت في برءه الأدوية

أناديه .. وأناديه .. وأناديه .. وأناديه

يفتح بصره قليلاً .، ثم يعود إلى اللاوعي

أبكي كثيراً .. وأجهش بالبكاء .. وأنا أقبّل رأسه ويده

لا أحب أن أرى الموت .. حيث كانت الحياة

ولا أحب أن أبصر الخمود .. حيث كان العنفوان

كيف تحول الشاب الوسيم إلى شابٍ هزيل جداً ؟

لماذا تحيط كل هذه الأجهزة المرعبة بسريره ؟

أين الصبا ؟ والمال ؟ والجرأة ؟ والفصاحة ؟

أين تخطيطنا للسفر إلى المدينة المنورة فور خروجه من المستشفى ؟

أين رغبته الملحة بالزواج بعد أن وجد من كان يحلم بها ؟

كل شيءٍ أصدقه .. إلا أنك ذهبتَ

وتركتني وحيداً .. حزيناً

أوَ لسنا أصدقاء ؟!



رد مع اقتباس