وفي عصر نفس اليوم توجهت لمكة المكرمة لأداء صلاتي المغرب والعشاء ومن ثم كنت سأصل الطائف ليلا حيث مقر عملي المكلف به تلك الفترة وقد طفت بعد صلاة المغرب حول الكعبة المشرفة وكان أغلب دعائي أثناء الطواف ( اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ) وغيرها من الأدعية التي دعوت الله بها أسأله عز وجل أن يهديني إلى الحق وأن يعينني على إيصال ما أريد لهذه الفتاة وأن يرزقني الإخلاص في النية وأن يكفيني شر الفتنة بها ويكفيها شر الفتنة بي وأن يقينا الشيطان ، وأنا أهم بالخروج من الحرم بعد صلاة العشاء فإذا برسالة منها تسألني عن حالي ومافعلت ، المهم رديت عليها بأني خارج الآن من مكة المكرمة باتجاه الطائف وأن حالة الجو ممطرة والسفر خطير وطلبت منها بأن تدعو لي بسلامة الوصول . .
بعد ثلاث ساعات تقريبا كنت قد وصلت الطائف في أجواء ممطرة وباردة ودخلت شقتي واتصلت على والدتي وزوجتي وطمأنت أهلي على نفسي ثم جاءتني رسالة من الفتاة تسألني ( أين وصلت؟ ) فأخبرتها أني وصلت للطائف قبل قليل وأني أريد الاتصال بها والتحدث معها عند الساعة الحادية عشرة ، فقالت : الحمدلله على السلامة لكن لاأستطيع التحدث معك لأني أخجل منك ، فأرسلت لها بريدي الالكتروني وقلت لها : هذا عنواني على المسنجر سجليني عندك لأني أريد مناقشتك ، فردت : أصلا ما عندي كمبيوتر حتى يكون عندي انترنت أو مسنجر !! ، فتعجبت لهذه المفارقات ترسل النكت الجنسية وهي تخجل من التحدث معي وليس عندها كمبيوتر وجوالها باسم هندي !! أحسست بأنها تميل لتكوين علاقات لإشباع عاطفة معينة أو أنها تفتقد جانب من الحنان والعطف في حياتها ، المهم أرسلت لها : جهزي ورقة وقلم سأتصل لأملي عليك رقم بطاقة الشحن وبعدها سأتحدث معك قليلا ولا يشترط بل لا أريد أن أسمع صوتك فقط استمعي لما سأقول ، بعد قليل جاءني منها اتصال ثم أقفلت الخط مباشرة كإشارة على أنها جاهزة لتلقي الاتصال ، بعد تردد تشجعت واتصلت وأنا خائف وقد زادت نبضات قلبي وتسارعت أنفاسي فهذه أول مرة أتصل على فتاة لا أعرفها وأول مرة أتحدث مع غير محارمي !! ألقيت عليها السلام ثم أمليت عليها رقم بطاقة الشحن في البداية لأختبرها هل ستقفل الخط مباشرة وتتركني أم ستستمع ما سأقول إلى النهاية وفعلا عندما واصلت التحدث معها كانت تتابع وكنت أتحدث وكاني أتحدث مع نفسي وأنصح نفسي وكنت أشرب شيئا من الماء أرطب به حلقي كلما تحدثت لبضع دقائق من إحساسي بالخوف والرهبة من محادثة الأجنبية ، وبدأت بتذكيرها بأهمية الوقت واستغلاله وأن أوقاتنا هي صحائف أعمالنا نودعها الخير ونودعها الشر وكل ذلك نلقاه عند ربنا سبحانه وحدثتها عن العديد من الأمور التي تناسب الحال وكنت أسألها بعض الأسئلة التي تكون إجاباتها نعم أو لا وقلت لها إذا كان الجواب نعم اضغطي على أي رقم لمرة واحدة وإذا كان الجواب لا فاضغطي مرتين ومن خلال سماعي للصوت أعرف الجواب فكان مما عرفت عنها أنها والدها متوفى وهذا بنظري من الأسباب الرئيسية لسعيها إلى تكوين علاقة مع شاب فنصحتها بتكوين جسور العلاقات مع أهلها وإخوانها وأخواتها وأني أخاف عليها وأعتبرها مثل أختي ، وتأثرت وأنا أكلمها كثيرا حتى بكيت وكنت أسمعها تزفر بين فترة وأخرى وشعرت بتأثرها وأنها ارتاحت لما قلت خصوصا وأنها لم تغلق الخط لمدة ساعة وأربع دقائق !! وهذه قد تكون أطول مكالمة مرت علي في حياتي ، حتى زوجتي لا أتذكر أني حادثتها في مكالمة بهذا الطول

. .
بعد نهاية المكالمة أحسست بأن ثقلا انزاح عن كاهلي واني أديت أمانة كنت أريد توصيلها منذ عشرة أيام وكنت أستعد للنوم فإذا برسالة منها تقول ( يا الله عليك ، ، والله اني معك في كل كلمة قلتها وادعيلي بالزوج الصالح والذرية الصالحة الله يسعدك ) فاطمأننت إلى الآثر المبدئي للمكالمة ونمت مرتاحا . .
في الليلة التالية أرسلت لي نكتة لكنها عادية ليست كالنكات السابقة !! فرديت عليها ( هل يوجد فرق بين الليلة والبارحة ؟ ) فقالت ( حاسة أني كبرت خمس سنوات!! لكن نفسي مرة كذا ومرة كذا والله يعيني عليها ) فقلت لها ( قال تعالى " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " يعني كل نفس بشرية فيها دوافع الخير ونوازع الشر والمطلوب منا البحث عن الطريق الصحيح . .
استمرت تراسلني وقد حللت استمرارها معي بأنها ارتاحت لي واقتنعت بما نصحتها به لكن الميل للعلاقة حتى لو كانت علاقة رسائل لم يفارقها وربما أنها أحست بشيء من الأمان تجاه نفسي الضعيفة الأمارة بالسوء فأرادت أن تشغل جزء من وقتها لمراسلتي وتصرف شيء من اهتمامها بي ، استجبت لها وكنت أرسل لها الأدعية والأذكار كلما راسلتني ، علما بأنها كنت ترسل لي النكت العادية ويدخل بينها بعض النكت البذيئة لكن قل عددها حتى مضى خمسة ايام على مكالمتي لها فكان ذات يوم أن أرسلت لي رسالتين متتاليتين كلاهما من النوع البذيء !! فرديت عليها بان هذا النوع من النكت لا يناسب الفتاة التي بمثل حشمتها وحيائها ، فتوقفت منذ ذلك اليوم عن هذه النوعية من الرسائل . .
عدت للرياض واستمرت الرسائل بيننا واقترحت عليها أن أبدأ معها برنامج ثقافي بأن أكتب لها اسم شريط معين وأعطيها أربعة أيام لاستماعه ثم تقوم هي بكتابة أربع فوائد ونقاط رئيسية من الشريط وترسلها لي ، وكان هدفي أن أقلل من تبادل الرسائل بيننا وأيضا أن تستفيد هي من الأشرطة التي سأختارها بما يناسب حالها وقد تجعلها هذه الطريقة تتوقف عن مراسلتي نهائيا خصوصا وأنها ردت وقالت ( أنا عارفه نفسي اني لعابة وحتى لو سمعت الأشرطة ماراح اتقيد بما فيها ) فرديت عليها بأني لن أختار لها أشرطة أو محاضرات عبارة عن أوامر وتعليمات حرفية تطبقينها أو لا تطبقينها لكن سأختار لها عناوين منوعة فيها الفائدة والمتعة فوافقت وأرسلت لها باسم أول شريط وكان رحلة غريب ، لكن للأسف كل مرة أسألها عن الشريط تقول أنها لم تحضره بعد وأنها أوصت أخاها ولم يحضره وكل يوم يقول غدا . .
استمرت العلاقة من بعد المكالمة لمدة ثلاثة أسابيع كانت خلالها تلجأ لي وتسألني عن أشياء كثيرة فمرة من المرات قالت إنها مريضة فكتبت لها اسم علاج فأخبرتني في مساء نفس اليوم أنها اشترته وأخذت منه وشعرت بتحسن ، ومرة قالت بأن شاب كان يتصل عليها ويعاكسها !! وأنها تضايقت حتى طار النوم من عيونها !! فلم أرتح للجوئها لي دون أهلها وطلبت منها أن تخبرهم فورا خصوصا أخاها الكبير فقالت ( أخاف منهم أن يشكوا بي ) فحاولت معها وأقنعتها أن تخبرهم أفضل من المعاناة لوحدها بل وطلبت منها أن تتخلص من هذا الرقم وتطلب من أخيها أن يصدر لها رقم جديد باسمه هو وتترك بطاقة سوا ، وفعلا أخبرت أهلها بالذي حصل لها ووعدها الأخ برقم جديد . .
وعلى نهاية الأسابيع الثلاثة جاءتني منها رسالة تقول ( ودي أسألك سؤال وتجاوب بصراحة ، هل تتضايق من مراسلتي وهل أنا أجبرك على شيء أنت لا تريده ؟ ) فرديت عليها برد دبلوماسي ( مائة سبب تدعوني لمراسلتك ومائة سبب تدعوني للتوقف ، وش الحل؟ ) فقالت ( ليس معقول أن تجيب على سؤالي بسؤال لكن اجابتك مهذبة ومفهومة ) فرديت عليها بأني أعاني من صراع بين العقل والعاطفة وأني أريد توضيح هذا الصراع لها في مكالمة وحددت لها فجر الخميس الماضي 11/11 موعدا وفعلا اتصلت عليها ووضعت حدا لهذه العلاقة بطريقة الإقناع والمنطق بعد أن رتبت عناصر المكالمة وكتبتها في ورقة ، وكان مما قلت لها : ما هو موقفي لو مت أو جرى علي حادث لا سمح الله واخذ أهلي جوالي ووجدوا رسائلك فيه ؟ هل ترضين علي ذلك ؟ وماذا سيقولون عني وكيف ستكون نظرتهم لي ولخاتمتي ؟ وأيضا أني أريد التوقف عن مراسلتك لكن ليس شرطا أن تكون هذه نهاية العلاقة تماما فلا مانع أن تستمر علاقتنا علاقة أخوة في الله ودعاء في ظهر الغيب ولا يشترط الرسائل وكان هدفي من هذه الكلمات ألا تأخذ في خاطرها وتتوقع أني أطردها من حياتي طردا فتتكون لديها ردة فعل وتلجأ للعبث على الجوال من جديد ، ومنذ ذلك اليوم لم ترسل لي أي شيء مما أوقعني في حيرة وصراع نفسي جديد حول ردة فعلها ، هل اقتنعت بكلامي تماما أم أنها غضبت وتضايقت مني وأخذت تعبث مرة أخرى أم أنها تعلقت بي وفي نفس الوقت احترمت رغبتي بإيقاف الرسائل فبقيت تعاني ، كما عانيت أنا في أول ثلاثة أيام من فراقها حيث لا أستحي أن أقول لكم أني بنهاية المكالمة كنت سعيدا ومنتشيا حيث كنت أكلمها وأنا في السيارة لكن حينما وصلت للبيت واستلقيت على السرير فإذا بي أبدأ بالتفكير بها !! ولم أنم إلا بشق الأنفس وحينما استيقظت وذهبت لصلاة الظهر كانت تخنقني العبرة وأحس بألم كبير على فراقها وحبنما كنت أصلي لم أتمالك نفسي وبكيت وبعد الصلاة خرجت من المسجد متخفيا وبسرعة ركبت سيارتي وانطلقت على طريق سريع هادىء الحركة وأخذت ابكي وأنتحب في سيارتي لوحدي وفتحت لنفسي المجال لإخراج كل ما في خاطري ، وعاودتني نوبة البكاء عدة مرات خلال الثلاثة أيام الأولى حتى أني كنت مع زوجتي في السيارة في اليوم الثالث تقريبا وكنا نستمع للقاريء ناصر القطامي وفقه الله في شريط العرائس ( سورة ق وجزء الذاريات ) وحينما قرأ قوله تعالى من سورة الحديد ( ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) بكيت أيضا لسببين ، الأول الآية نفسها وعظمتها والثاني أنها ذكرتني ببداية علاقتي بالفتاة حينما كنت في الطائف وكنت أخرج من شقتي فقط لأستمع لمسجل السيارة خصوصا هذه الآيات حينما كنت في حيرة كبيرة في بداية العلاقة . .
ومنذ ليلتين حينما سمعنا انفجار الرياض وأنا أفكر فيها وهل حصل لها مكروه وكدت أرسل لها رسالة مساء الأربعاء ( قبل ليلتين ) لكني تحاملت على نفسي ومسحت الرسالة في آخر لحظة حينما لم يتبق سوى ضغط زر الإرسال لأني خفت أن تفهم الفتاة أن سؤالي عن حالها سيكون خرقا للاتفاق الذي اتفقت معها عليه بطلب مني بإيقاف المراسلة رغم أني افترضت أنها وافقتني في وجهة النظر . . وياليتها أخبرتني بوجهة نظرها الحقيقية . .
الدروس والفوائد والعبر:
1-أخي وأختي لا تعبثوا بالجوال ولا تستسلموا لتكوين علاقة مهما كانت حتى لو بالرسائل بل من وجهة نظري ان الرسائل رغم غياب جانب الصوت منها إلا أنها لا تقل خطورة عن المكالمات لأنها ستصل للجوال حتى لو كان مغلقا ولأن الشخص يستطيع إرسالها أو قراءتها حتى وهو بين أهله أو بجانب شريكه على فراش الزوجية !!
2-أخي وأختي احرصوا على أبنائكم وابنوا بينكم وبينهم جسور الثقة والحب والحوار لا تضطروهم إلى تكوين علاقات خارج نطاق الأسرة للبحث عن الحنان والحب وهو متوفر لديكم .
3-أخي وأختي أوقات الفراغ شبح يهدد الشخص مهما كان جنسه أو عمره أو ثقافته ولولا وجود وقت فراغ لدى هذه الفتاة لما عبثت بجوالها حتى وقعت على رقمي ولولا وجود وقت فراغ لدي وأني أسكن لوحدي وفي سفر لما استجبت لها ولا تواصلت معها بل إنني بعد الذي حصل تذكرت أني دائما ما كنت أجد مكالمات لم يرد عليها من بطاقات سوا ومن غيرها في أوقات متفاوتة ولم أكن ألقي لها بالا .
4-أخي وأختي كل منا يحمل جوانب نقص في حياته الزوجية فلا تجعلوها تضايقكم وتنغص عيشتكم فانظروا بارك الله فيكم إلى الجوانب الإيجابية وطوروها ونموها وأقنعوا أنفسكم أنه لو خلا بيت من المشاكل الزوجية لخلا منها بيت محمد صلى الله عليه وسلم .
5-أخي وأختي لنعش على التفاؤل ومحبة الخير ومنح الحب للجميع والعطف والشفقة للناس بدءا من الأسرة فالعائلة الأكبر ثم المجتمع وهكذا .
هذا ما كان عندي وأتمنى من الجميع أن يدعو لي بالثبات وأن يقينا جميعا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن والله الموفق . .
(( فارس الحب ، الجمعة 19 ذو القعدة 7:50 صباحا ))
__________________
أعلل النفس بالآمال أرقبها ^^^ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
<( أبوفراس الحمداني )>