منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - قراءة يومية في السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-07-2016, 10:26 PM
  #14
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: قراءة يومية في السيرة النبوية

اللقاء الثاني عشر من لقاءات السيرة العطرة
الرسالة :
وأما رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم - فكانت لهم حولها شبهات مع معرفتهم واعترافهم بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمانته وغاية صلاحه وتقواه ، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أعظم وأجل من أن يعطى لبشر . فالبشر لا يكون رسولاً ، والرسول لا يكون بشراً ، حسب عقيدتهم ، فلما أعلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبوته ورسالته ، ودعا إلى الإيمان به تحير المشركون، وتعجبوا وقالوا(مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ) وقال تعالى -: ( بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ) ق - 2 . وقالوا ( مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ) .
وقد أبطل الله عقيدتهم هذه ، وقال رداً عليهم ( قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ) [ الأنعام : 91 ] . وقص عليهم قصص الأنبياء والرسل ، وما جرى بينهم وبين قومهم من الحوار ، وأن قومهم قالوا إنكاراً لرسالتهم : (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ) و( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)
[ إبراهيم : 10‘11]
. فالأنبياء والرسل كلهم كانوا بشراً . وأما أن يكون الرسول ملكاً فإن ذلك لا يفي بغرض الرسالة ومصلحتها ، إذ البشر لا يستطيع أن يتأسى بالملائكة ، ثم تبقى الشبهة كما هي ، قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) الأنعام : 9
وحيث إن المشركين كانوا يعترفون أن إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم السلام كانوا رسلاً وكانوا بشراً ، فإنهم لم يجدوا مجالاً للإصرار على شبهتهم هذه ولكنهم أبدوا شبهة أخرى قالوا : ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين ؟ ما كان الله ليترك العظماء الكبار من أشراف قريش وثقيف ، ويرسل هذا ، (لولَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) أي من مكة والطائف ، قال تعالى رداً عليهم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) الزخرف : 31 -32
يعني أن الوحي والقرآن والنبوة والرسالة رحمة من الله ، والله يعلم كيف يقسم رحمته ، وأين يضعها ، فمن يعطيها ، ومن يحرمها ، قال – تعالى – ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) . [ الأنعام : 124]
فانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى قالوا : إن من يكون رسولاً لملك من ملوك الدنيا يوفر له الملك أسباب الحشمة والجاه من الخدم ، والحشم ، والضيعة ، والمال ، والأبهة ، والجلال ، وغير ذلك ، وهو يمشي في موكب من الحرس والمرافقين أصحاب العز والشرف ، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش و يدعى إنه رسول الله ؟ ( لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً{7} أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً{8} ) [ الفرقان : 7:8 ]
ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أرسل إلى جميع أنواع البشر : صغارهم وكبارهم ، وضعافهم وأقويائهم ، وأذنابهم وأشرافهم ، وعبيدهم وأحرارهم ، فلو حصل له ما تقدم من الأبهة ، والجلال ، ومواكبة الخدم ، والحشم ، والكبار ، لم يكن يستفيد به ضعفاء الناس وصغارهم ، وهم جمهور البشر ، وإذن لفاتت مصلحة الرسالة ، ولم تعد لها فائدة تذكر . ولذلك أجيب المشركون على طلبهم هذا بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسول ، يعني يكفي لدحض شبهتكم هذه أنه رسول ، الذي طلبتموه له من الحشمة والجاه والموكب والمال ، ينافي تبليغ الرسالة في عامة الناس ، بينما هم مقصودون بالرسالة .
فلما ردً على شبهتهم هذه تقدموا خطوة أخرى ، وأخذوا يطالبون بالآيات عناداً وتعجيزاً ، فدار بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - نقاش وحوار ، وسنأتي على شئ منه إن شاء الله .

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس