منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلة الأحلام في المغرب
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-06-2017, 04:18 AM
  #64
Neat Man
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية Neat Man
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 4,683
Neat Man غير متصل  
رد: رحلة الأحلام في المغرب

طنجة

طنجة كانت حاضرة في الذهن منذ زمن، كانت تترئ لي كثيراً، لطالما قرأتُ عنها منذ بدايات سن المراهقة، وكان المفكر العظيم صاحب أفكار النهضة مالك ابن نبي رحمه الله حين يصف العالم الاسلامي ويشخص مشاكله ويضع أصبع على الخلل ويصف الحل دائماً مايردد من طنجة إلى جاكرتا باعتبرهما أبعد نقطة في الغرب الاسلامي والشرق الاسلامي، كانت طنجة نبض ينبض بقلبي كلما جاء أسمها، كان لها موقع اخترقني لا أدري لماذا، ربما كانت هي بالذات نقطة انطلق منها المسلمون إلى أوربا، ربما قرأنها في التاريخ كثيراً، المهم كانت كثيراً ماتداعب خيالي، خلال السنوات الماضية تعمقت أكثر بالقراءة عنها وبمعرفة بعض تفاصيلها وطبيعة سكانها والمناطق التي حولها.
كانت من ضمن أهداف رحلتي أن أجد أفضل مكان يمكن أن تتوق له نفسي في المغرب، فقد يكون لي مقراً حين أزور المغرب وأشتري فيه شقة أو أستأجرها حتى إذا أتيت استقريت فيها، هذا التفكير على المدى المتوسط إذا شاء الله وقادتني الظروف إلى ذلك وتحسنت الأحول المادية بشكل أكبر، وكنتُ أتوقع أن طنجة هي من ستأسرني، كيف لا وهي تحوي الكثير من الأماكن الجميلة وهي تقع على المحيط الهادئ والبحر الأبيض المتوسط، والطبيعة تلفها، فموقعها استراتيجي، وفوق هذا سمعتُ من الناس أن أهل طنجة أكثر أهل المغربِ لُطفاً.

خرجتُ من العرائش وأنا مبتهج، حيث كانت المدينة جميلة وقريبة إلى القلب، مقبلاً على طنجة وأنا اجتازت كل متراً باتجهها، اتنفس هوائها بشوق كلما أقبلتٌ عليها أكثر، دخلتُ طجنة سرت بالطريق مستخدماً الجي بي أس ليقودني إلى شقتي التي أستأجرتها من Airbnb في ثمنٍ رخيص اقتنصته قبل أن آتي لطنجة بثلاثة شهور، الشقة لاتبعد عن كورنيش طنجة سوى 100 متر، ومطلة على البحر وكان منظراً جميلاً وأنا أنظر إليه من البلكونة.
قبل مغيب الشمس كنت أتفق مع أحدهم على أن نذهب إلى المنار بارك وهو جبل مرتفع يطل على البحر مليئ بالاشجار ومن بضع كيلو مترات تترأى لكَ طنجة مضجعة على ساحلها، كانَ منظراً بديعاً وجميلاً، إلا أن الجو كان بارداً، فمكثنا داخل المقهى الذي يحوي نوافذ كبيرة تتيح لنا النظر لذلك المنظر الجميل ونحن في دفءٍ مستمر.
توادعنا بعد أن غابت الشمس وأرخى الليل سدوله وتناولنا العشاء، في الغد كنتُ قد رتبت رحلتي على أن أنطلق إلى أشهر مقهى في المغرب في وسط طنجة وبالقرب من المدينة القديمة وسورها، تأسس هذا المقهى عام 1921، ولازال يعمل منذ تلك السنة وهو مطل على البحر، وهو مقهى الحافة ، تجلس فيه لوحدك أو من معك ولا تأبه للوقت إذا الجلسة جميلة في تلك الكراسي البلاستيكية المتواضعة إذ البحر أمامك يستعرض جمالها وبجانبك كوب الآتاي الذي ملئ نعناعاً، وتدخل مع من بجانبك أو مع نفسك بحديث طويل وشعور جميل لاينقطع.
بعد ذلك توجهت إلى الصخرة أو الحصاة وهي، حصاة كبيرة مستلقية على الجبل يذهب إليها الناس ويجلسون فوقها ويمضون الوقت بالحديث مستمتعين بمنظر البحر وجمال طنجة، هذه الصخرة لاتبعد عن مقهى الحافة سوى 200 متر.
ذهبتُ بعد ذلك إلى مقهى نصحني الكثيرون به اسمه صالون بلو، وأكدوا عليّ كثيراً بأن أذهب إليه حيث أن إطلالته تأسر الشخص، كان المقهى يقع في القصبة وكانت فرصة لزيارتها، ذهبت من مقهى الصخرة إلى القصبة على قدماي حتى وصلت أعلاها، فسألتُ عنه وأشاروا إليه، ولما هممت بالدخول إذ كان خلفي شاباً مغربياً ومعه شخص أسباني، وإذا بنا نتفاجئ ثلاثتنا برجل مغربي مسن هادئ الطباع، فقال أن المقهى مشدود منذُ أسبوع يعملوا فيه بعض الاصلاحات، لم نطمئن إلى كلامه حتى دخلنا فانفسنا فوجدناه كذلك، قال لنا هناك مقهى أسمه بانوراما إذا أردتم أن تذهبوا إليه فمرحباً بكم، قلنا هيا، ( كان هذا الرجل المسن ذكياً، واقف عند باب ذلكَ المقهى الذي يدرك أن الناس والسياح سيردونه، وما أن يفيدهم بإغلاقه، ثم يعرض عليهم خدماته، وهو رجل متقاعد ويخبر مدينته واثارها جيدا) ذهبنا إلى بانوراما، وتعرف على بعضنا نحن الأربعة، كان الشاب المغربي يدعى خالد، مهندس يعمل في المارينا الجديد الذي شارف على الانتهاء، كان يبدو عليه أنه شاباً واعياً مثقفاً، لسانه فصيحٌ تطرب له الأذن، انبهر أكثر بكمية المعلومات التي أملكها عن المغرب، وما أن يتحدثو عن أي قصية أو مجال أو مدينة إلا وأزيدهم علماً ومعرفةً بذلك، أدركَ خالد الخلفية الكبيرة التي أملكها عن المغرب، وعرفَ فيما بعد خطتي، تناولنا الآتي في هذا المقهى الذي أخبرنا أن لا شاي عندهم، ولما وجدنا نتداول الأحاديث في أعلى المقهى المكشوف على المدينة باطلالة لابأس بها، قال لدينا آتاي هل نحضر لكم، قلنا نعم، وفعلاً أحضروا لنا الأتاي وكان أسوأ آتي شربته، كاد أن يجعلني أقلع عن شربه، قمنا من مكاننا وإذ بخالد يسبقنا ليحاسب عنّ الجميع.
قال لي خالد ياعبدالله سأخذكَ إلى المارينا الجديد الذي هو في نهاية لمساته، وأنتَ ستكون أول شخص يدخل هذا المارينا قبل افتتحه من الناس، حيث أنه يمنع دخول أي شخص سوى العاملين به، شكرته كثيراً على ذلك، وتبعته بسيارتي مع المهندس الأسباني الذي وصل من الأمس ليقوم بعمل تقرير، حيث أن المارينا بالشراكة بين شركة اسبانية ومغربية، أخذني إلى المارينا وكان يشرح لي كل التفاصيل والتصاميم، ولم أقصر بدوري بطرح الكثير من الأسئلة الفنية المتعلقة بالبناء أو التصميم أو الهندسة.
منذ أن دخلت المغرب، والله يسخر لي الكثير من البشر لعرض خدماتهم أو أجد منهم الكثير من الاهتمام، وهذا بفضل من الله جزء من طبيعة الشعب المغربي الذي جُلبَ على العطاء ويستلذ به.
بعد ذلكَ ودعتُ خالد، وذهبت إلى شقتي لأخذ حماماً وأغير ملابسي وأنزل إلى الكورنيش الذي يحوي الممشى الجميل والطويل.
تناولت الحديث مع خالد، وتكلمنا عن المغرب وتنوعه وتعدده وطبيعة سكانه وأعراقه، وذكر لي شيئاً عن مدينة وجدة، وقال لي أنك حينما تستمع إلى كلامهم فإنك كأنك تستمع إلى معزوفة أدبية تطرب لها، إن حديثهم عبارة عن أغنية لذيذة لاتود أن تنتهي، هذه هي طبيعة كلامهم إنه كلام موزون ومنحوت بتسلسل ابداعي كما يرى.

سأتوقف هنا، ويجب علي أن أذهب إلى النوم، وغداً سأكمل الحكاية، مرفقاً الكثير من الصور
سأتطرق لزيارتي لبعض معالم طنجة ومنتزه الرميلات، وربما أصيلة ومغارة هرقل، وبعد ذلك سيتبع زياراتي للمدن القريبة من طنجة.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..
رد مع اقتباس