رد: رحلة الأحلام في المغرب
أكادير
في الحادية عشر صباحاً غادرت مراكش متجهاً إلى أكادير في رحلة تستغرق ثلاث ساعات، كان الطريقُ جميلاً وممتعاً الجبال والمكتنزة بالاشجار وبعضها تقل أشجارها ولكن حمرة تربتها تشدُ العين للأنتباه، في الطريق توقفت عند استراحة ومحطة كبيرة اشتريتُ قهوةً وشيئاً للأكل وأكملتُ سيري حتى بدت لي أكادير مدينة الهدوء والاستجمام، وصلتُ الشقة التي حجزتها عن طريق Airbnb ، استقبلتني إمرأة نمساوية في الخمسينيات من العمر، قالت أن هذه شقتها وأنها تقطن في المغرب منذ ثلاثين سنة وتتحدث الفرنسية والعربية والانجليزية والروسية، الشقة كانت جميلة جداً ونظيفة للغاية تحتوي غرفتان وصالون كبير وطاولة طعام ومطبخ عامر بالأواني وكل شي للطبخ حتى البهارات وغيرها من مستلزمات، بالإضافة إلى دورتين مياه، وثمنها معقول جداً.
كنتُ قد سكنت قريب من سوق الأحد المشهور أو كما ينطق في أكادير (سوق الحد)، كان هذا السوق أحد الأماكن التي يجب أن أزورها، يعتبر سوق الأحد سوقاً ضخماً له عددٌ من الأبواب، لايمكنك تغطيته في يومٍ واحد، هذا السوق يحتوي كل شيء ممكن أن يخطر ببالك، فهو متكامل كما لو كان سوبرماركتاً كبيراً، إلا أنه سوق أقرب إلى الأسواق الشعبية، هذا السوق يحوي الفواكه والخضار واللحوم بأنواعها، والملابس والأجهز الألكترونية وغيرها مما يخطر ومالا يخطر على البال، وكنتُ أتجول وأنا لا أصدق نفسي أني وقفتُ على هذا السوق الذي سمعتُ عنه كثيراً، كان مبهراً وممتعاً، لا أدري من أين أبدأ، ولكني بدأت مع باعة الخضار والفوكه، حتى أخذتُ طريقاً يبيع في الناس المكسرات بأنواعها، ثم سلكتُ طريقاً آخراً، فكان الطريق عامر بالناس الذين يبيعون المنتجات الأشهر في أكادير ونواحيها، على رأسها زيت الأركان، والعسل والأملو وزيت الزيتون وغيرها من زيوت ومنتجات طبيعية، وبالرغم من أن ثقتي ليست بالكبيرة بأولئك الذين يبيعون أشياءً يقولون أنها طبيعية، حتى وجدتُ نفسي داخل محل، فيه إمرأة كبيرة بالسن خلوقة في تعاملها ومعها بنتُ بالعشرينات لتوها انضمت إليها وخبرتها ضعيفة في البيع والشراء، أعطوني شيئاً من الأملو والزيت والعسل لأذوقه مع الخبز، وكان المقصد أني أذوق حتى نسيت نفسي ووجدتها قد شبعت، وأثناء جلوسي داخل المحل، جائت إمرأة يبدو عليها الوقار والتهذيب، وراحت تشتري منها، ولفت انتباهي أنها تعرف هذه المرأة جيداً وليست زبوناً جديداً، فراحت تطلب منها أملو وزيت الزيتون وزيت الأركان، فسألتها هل تعرفي هذا المحل؟ وقلتُ ممازحاً وبطريقة مقبولة هل كل مالدى هذا المحل صافياً ونقياً وطبيعياً 100% والمرأة الكبيرة البائعة تبتسم من شدة انتباهي، قالت المرأة الوقورة أن لها أكثر من 11 عام وهي تشتري من نفس هذا المحل، وأنها تأتي من مدينة صغيرة تبعد عن أكادير خمسين كيلو متراً، فقلتُ إذاً سأشتري منها رغم أني لا أثق غالباً بمن يبيع مثل هذه المنتجات، فقالت عندك الحق ولكن هذا المحل اشتري منه وأنت متطمن، المهم أني قلتُ إذاً سأتوكل على الله واشتري، فاشتريت هدايا لأهلي وأخواتي وأخي زيت أركان للطبخ أو الأكل وزيت الزيتون وعسل وأملو، فاشتريت بألفين درهم تقريباً، وعبئوا لي تلك الأشياء في قوارير وأوعية، وكان من المفترض أن أجلب زيت الأركان الخاص بالتجميل والبشرة لأخواتي ولكني نسيت لأنه نحن الرجال لانفكر إلا ببطوننا، ووعدتهن أن أجلب لهن في رحلتي القادمة، وزيت الأركان للأكل رائحته نفاثة وجميلة ترغب بأن تستنشق رائحته طول الوقت، فهو أقرب لرائحة اللوز.
في المساء ذهبتُ إلى الشاطئ، شاطئ أكادير الشهير وبساحاته الشاسعة الممتدة على طوله ومن خلفه الجبل الشهير الذي كتب عليه عبارة الله الملك الوطن، والمطاعم والمقاهي المكتضة تتكئ بجانبه، تجولت على الشاطئ حتى حل الظلام، ثم توجهت إلى أحد المطاعم وأكلتُ شيئاً من البيتزا والشوربة، وعدتُ إلى الشقة لأخلد إلى النوم...
في الصباح كان يجب أن أذهب إلى بردايس فالي بتوصية من مسك الليل، وكنتُ قد قرأتُ عن هذا المكان وإن كان لم أعثر على معلومات وافية وكافية، استقليتُ السيارة وبالطريق تناولت فطوراً خفيفاً، ثم استمريت بالسير، الطريق كعادة أغلب الطريق في المغرب والتي تقودكَ إلى الأماكن السياحية مثل الشلالات طرقٌ وعرة وضيقة فوق الجبال والخطأ في القيادة قد يكلفك حياتك إلا أن القيادة فيها ممتعة وأنتَ تلتف على الجبل كالثعبان وتشاهد من بعيد مساحات شاسعة وجميلة من الأشجار وقرى متناثرة هنا وهناك، ومياهٍ جارية تشق طريقها، ينسيكَ ذلك المشهد وعورة وخطورة الطريق، وصلتُ ذلكَ براديس فالي، واستقبلني الشباب الذين يعملون بالسياحة كمرشدين، وقال لي شاب هل تريد مرشداً، فقلت نعم، فقال أنا، قلتُ مرحباً بك، وما أسمك؟ قال عبدالإله، قلتُ له أنا عبدالله، وما أجرتك؟ قال الي بغيتي، ولاحظت في كل جولاتي أنهم لايحددون السعر، ويجعلون الزبون يعطيهم في النهاية مايجيد به، كان معي احذية عادية للتجول، وبنفس الوقت جزمات رياضية، فقلتُ له أي منهما استخدم، فنصحني بالجزمات لأننا سنسير مايقارب النصف ساعة على أقدامنا قبل أن نصل إلى تجمع المياه، ثم أننا سنصعد وننزل على الجبال والصخور، سرنا وأخذت قرعتي وفوطتي وحملهما عبدالمؤمن، ورحنا نسير، ويحدثني عن المنطقة وعن السواسة، وهو سوسي، ثم طلبت منه كما طلبت من عبدالمؤمن في أوريكا أن يعلمني كلمات الشلوح، فتعلمت منه الكثير، وسرنا والأشجار تحفنا من جانبنا والمياه تسير أسفل قدمينا، وأشجار النخيل تنتشر كالغابة هناك، بردايس فالي عبارة عن تجمع ماء على شكل وادي، وهناك ثلاث برك طبيعية كبيرة نسبياً، على طول واحد، ويبعد كل وحدة عن الأخرى مايقارب الخمسين إلى المئتين متر، كان المشي في ذلك الطريق ممتعاً فكل ماحوليك جميل، حتى اقتربنا من تجمع المياه الأول والناس وأطفالهم حوله يسبحون، وبعيد عنه بعض الأسر التي تجلس معاً حيث يتحلقون ويتحدثون أو يأكلون، جلستُ عن التجمع الأول نصف ساعة، ثم قلتُ لعبدالإله هيا بنا إلى التجمع الثاني، وجلسنا حاوله وشاهدنا الشباب يقفزون من علوٍ مرتفع، وكل واحد يستعرض مواهبه، حتى سرنا إلى تجمع المياه الثالث الذي يتوجب علينا أن نصعد جزء من الجبل ونكمل المشي لمدة سبع عشر دقائق تقريباً، حتى وصلناه وإذا به مكتظ وأكثر جمالاً من التجمعين الأولين، وجلسنا على علو ننظر إلى الناس وهي تعوم، حتى غيرت ملابسي ونزلت وبتُ أسبح وعبدالإله يلتقط الصور، وكان طوله مايقارب الخمسين متراً وعرضه عشرون متراً، وواصلت العوم حتى وصلت إلى الجهة الأخرى التي لم نستطع رؤيتها، وإذا بي أجد مجموعة شباب جاؤوا من كازا وقد نصبوا خيامهم منذ ثلاثة أيام بجانب هذه البحيرة الصغيرة، وسألتهم إذا كان يوجد هناك شيئاً من الآتاي وبالفعل كانوا قد صوبوه فوق الجمر، وشربتُ منه، وبهذه المناسبة في المغرب لايمكن أن أخجل أن أطلب من مجموعة شباب في مكان منهم الآتاي لثقتي أنهم غالباً يعطونك بصدر رحب، بل ويستمتعون بالعطاء، وعدتُ عائماً إلى حيث بدأت، ثم رحتُ أتقلب في الماء وأنسى ذاتي المغطاه داخل الماء عدا رأسي، انتهيت من السباحة وصعدت للأعلى، حيث أن الصعود يتطلب أن تتسلق الجبل بواسطة الحبل الذي يساعدك على الصعود، ومن دونه لن تقدر، صعدت وأخذتُ فوطتي وغيرتُ ملابسي في مكان لايراني فيه أحد، ثم عدتُ وعبدالإله إلى المكان الذي بدأنا منه جولتنا، حتى توقفنا على ماءٍ يجري وفوقه طاولات طعام، ثم سألته ماهذا قال هذا مطعم، يأتي بالأكل من هذه الغرفة والناس تجلس على الكراسي أمام الطاولات والماء يداعب أقدامهم وهم يأكلون، قلتُ إذاً لنجلس هنا ونأكل طاجناً، وبالفعل طلبنا الطاجين وكان غالي الثمن مقارنة بغير من الأماكن حيث كان ب 120 درهماً، ثم طلبنا شيئاً من الآتاي، حتى أكلنا وانتهينا وغسلنا أيادينا بالماء العذب الذي يجري من تحتنا، وبمناسبة الماء فإن أعذب المياه التي ذقتها هي مياه عيون أم الربيع ثم مياه أقشور ثم مياه أوريكا ثم مياه بردايس فالي وهي أقل عذوبة بكثير، فسألت عبدالإله عن ذلك، فقال بالفعل الناس الذين زاروا أوريكا وعيون أم الربيع يقولون أن الماء في براديس فالي أقل عذوبة، ورحتُ أتكلم مع صاحب المطعم ببعض الكلمات الأمازيغية، وانبهر، وإذا برجل وزوجته بجانبنا، فلفت انتباهم حديثي بالأمازيغية، فقالت المرأة أن لها في أكادير أكثر من 12 سنة ولم تحفظ حتى كلمتين، أما أنت تبارك الله وليت تهدر بحال السواسة، انتهينا من الآتاي وواصلنا المسير لمدة ربع ساعة والتقطنا بعض الصور، حتى وصلتُ سيارتي، وأعطيت عبدالإله 100 درهم، فعدتُ إلى أكادير بالعشية، أرتحت في الشقة قليلاً ثم ذهبتُ إلى الشاطئ وكان مكتضاً ورحتُ أسير وأتكلم مع السواسة ببعض الكلمات التي حفظتها فكانوا منبهرين كيفاش تعلمتي؟ مين الي علمك هدرتنا؟ وكل من واجهته انبهر بذلك، وحدث أن مررت بفتاتين خجولتين تصوران بعضهما، ولما أردت أن أقطع مابينهما، توقفت حتى تنتهي من التقاط الصورة، فقالت تفضل، فمشيت وقلت لها كمي تفولكيت ، فقالت شكراً والخجل يملؤها، بعد أن حل الظلام عدتُ إلى الشقة، ومررتُ بماكدونالدز وأخذتُ منه وجبةً بالرغم من أنه من عادتي لا آكل من المطاعم السريعة، إلا أنني أخذتُ على كل حال.
في الصباح صحيتُ من نومي، وأخذتُ دشاً وغيرتُ ملابسي، واتجهت إلى الصويرة.
بعض الكلمات الأمازيغية السوسية التي حفظتها
امكس سيمك = شوي شوي < لما كنت أسير مع عبدالإله فكان مسرع بالمشي فقلتُ له شوي شوي لاتسرع، فطلبت منه أن يعلمني كيف انطقها بالشلحة
انفتوا = نمشي << لما نكون جالسين أو واقفين أقوله انفتوا
اغراس = الطريق
عزندراي شلوح = أحب الشلوح
تايري= الحب
انوري= نرجعوا
تعزيت داري باهرا = إذا وحدة كتتسطى عليها
زود تافوك= أنتي مثل الشمس
تانمريت= شكراً
اشوان مدن غي = الناس هنا طيبيون
كمي تفولكيت= أنتي جميلة
ازول= مرحبا
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..