رد: رحلة الأحلام في المغرب
الجديدة
ودعت الصويرة صباحاً، واتجهت بطريق الوطنية إلى الجديدة، كان البحر على طول الطريق عن يميني، كنتُ أمر على قرى صغيرة، أتوقف فيها أحياناً لأتزود بالوقود أو آخذ شيئاً من القهوة، كانت التضاريس الطبيعية تختلف قليلاً عما عهدته في رحلتي، كثبان رملية بشكلٍ شاسع، مررت بأسفي وتوقفتُ فيها قليلاً، ثم تجولت، بشكلٍ سريع بالسيارة، حتى وقفتُ عند سوبرماركت شهيرة وهي أسيما، اشتريت منها هدية لصاحبي الذي سألتقي به بالجديدة، بالإضافة إلى ماجلبته من تمرٍ وبخور من السعودية، أسفي مدينة متوسطة فيها شواطئ كثيرة، وفيها مصانع للفوسفات وغيرها، ثم غادرتها حتى وصلتُ إلى سكني في الجديدة، أخذتُ دشاً واستبدلت ملابسي، وقابلتُ صديقي عند الشاطئ بالقرب من الساعة الرابعة عصراً.
الجديدة مدينة متوسطة هي الأخرى ولكنها أكثر كثافة سكانية من أسفي، تشتهر فيها الشواطئ الخلابة، ويقضي فيها بعض أهل المغرب عطلاتهم وأوقاتهم فيها خصوصاً أهل كازا (الدار البيضاء) حيث تزدحم الجديدة بالناس في وقت الصيف، ذهبتُ مع صاحبي بعد أن أتفقنا أن نذهب لمطعم مشهور بالقرب من أزمور يبعد بضع كيلو مترات عن الجديدة، كان المطعم خاوياً، وهناك استعدادات لرمضان مع عروض متنوعة، أكلنا شيئاً يسيراً، ثم عدنا للجديدة ورحنا نسير على شواطها، حتى توقفنا عند شاطئ سيدي أبو زيد، لم يكن المكان عامراً بالناس، كوني أتيت فترة الربيع والناس مشغولون في مدارسهم، جلسنا على الشاطئ حتى حان الغروب وألتقطنا بعض الصور، حتى أظلم الليل وعدنا إلى الجديدة وتناولنا العشاء بأحد مطاعمها، ثم تجولنا في وسط مدينة الجديدة، الذي يبدو أن فيها اهتماماً جيداً بشوارعها وانارتها وشواطئها، بعد ذلك ونزلنا على شاطئ الجديدة، كان الشاطئ فسيحاً وشبه مليئ بالناس والشباب الذين يلعبون الكورة، كان الجو يميل إلى البرودة المقبولة التي لاتؤذي الجسم، كان الهواء الرطب يبعث نسماته علينا، حتى جاءات العاشرة فودعتُ صاحبي الذي سيذهب بالغد إلى الجامعة، بينما أنا سأزور المدينة القديمة بالجديدة، بالإضافة إلى أزمور.
قمتُ بالصباح من نومي، وحزمتي حقيبتي، وتوجهتُ مباشرة إلى المدينة القديمة، كانت مدينة قديمة ومرتبة وشوارعها فسيحة نسبياً مقارنة بالمدن القديمة في بقية مدن المغرب، هذه المدينة بناها البرتغاليون سنة 1514، وتتضح بصمتهم فيها على نواحي عديدة من ناحية البناء، زرتُ أشهر معلمٍ فيها وهو المسقاة، والمسقاة عبارة عن مبنى عظيم أسفل الأرض، صمم على الطريقة البرتغالية في البناء من الداخل حيث تنتشر الأقوس في طريقة البناء، والطريقة مذهلة وجميلة حيث تنحني الاقواس من منتصف الأعمدة لتلقي بالاقواس الأخرى القادمة من الأعمدة القريبة منها، فتشكل منظراً جمالياً، هذه المسقاة بنيت ليتم فيها تخزين الأسلحة لاستخدامه ضد أي هجوم من قبل المقاومين المغاربة على المدينة التي بنيت بجدار حصين، وكانت المدينة أيضاً محاطة بالماء من الجهات لكي يصعب على أي مقاوم الهجوم عليها، بعد ذلك تحولت السقاة إلى مخزنٍ للماء، بحيث يتجمع به ماء المطر، ثم يتم الاستفادة منه لأهل المدينة، وبعد أن اشتدت ضراوة الهجوم من قبل المقاومين المغاربة قبل أكثر من 250 سنة تقريباً بقيادة السلطان محمد بن عبدالله، وهربَ البرتغاليون بسفنهم وأغلقوا هذه المسقاة، ودمروا كل شيء من أسلحة وغيرها، وأخذوا ما استطاعوا أخذه، دخل المغاربة هذه المدينة ولم ينتبهوا لشيء حتى هذه المسقاة لم يكونوا يعرفوا بوجودها، بعد مضي أكثر من مائة وخمسون سنة في القرن الماضي، كان هناكَ يهودياً يسكن في الملاح، وله محل وأراد توسعة هذا المحل فراح يحفر من خلف محله حتى تفاجئ بالماء ينفجر وينهمر على محله ليعم المدينة، وتسائل الناس من أين جاء الماء، وبعد أن خرج أكثر مافي الماء ودخلوا هذه المسقاة، عرفوا أنها من صنع البرتغاليين، وتم الاهتمام بها من بعد وأصبحت معلماً يزوره الناس، ولما زرت هذه المسقاة وجدتُ بعض البرتغاليين السياح، كان هناكَ رجلاً طاعناً بالسن وظيفته أن يشرح للناس قصة هذه المسقاة، خرجت من المسقاة وكان بجانبها عرض وسومات للمدينة القديمة، والعديد من المدافع والمقذوفات التي صنعت من الحجر وتخرج من فوهة المدافع، وهي مقذوفات ومدافع متبقية من البرتغاليين.
رحتُ أتجول بقدمي على المدينة، وصعدتُ السور وتجولت به، وذهبتُ إلى المبنى المرتفع على امتداد السور الضخم وبزاوية المدينة مطلاً على البحر، حيث يحوي غرفاً وأماكن وفتحات تطل منها المدافع لمواجهة وصد أي هجوم يأتي من البحر.
انتهت جولتي من المدينة القديمة، ثم ذهبتُ إلى أزمور، وهي مدينة قديمة جداً أيضاً، كان للبرتغاليون بصمة بها، ويمر من خلال وادي أم الربيع، الذي ينبع من عيون أم الربيع التي زرتها أثناء رحلتي في وسط المغرب فيصب في المحيط الأطلسي، تجولت قليلاً داخل هذه المدينة الصغيرة، ثم ذهبتُ لمدينتها القديمة، وسلمتُ على وادي أم الربيع الذي لازلتُ أتلذذ بنقاء وطعم ماءه من منبعه، ودخلت المدينة القديمة بشكلٍ سريع، وإذا بي أقف على قبر رجلٍ يهودي داخل مبنى أو بيتٍ صغير، يأتي إليه اليهود المغاربة أو من خارج المغرب لزيارته والتبر به، كان جميع الحضور من النساء وكان يمنع دخول الرجال في ذلك الوقت، ورأيته من الخارج، ثم عدتُ إلى سيارتي، وخرجتُ من أزمور، ثم زرت منتجع مزكان الشهير، ومزكان كلمة برتغالية تعني الجديدة إن لم تخني الذاكرة، المنتجع كان رهيباً فسيحاً جداً لايمكن وصف حجمه، جميل للغاية يضم فنادقاً وفللاً وغير ذلك من أماكن ترفهية وخاصة للاستجمام، سعره غالي جداً، ومناسب لشهر العسل أو للمناسات الفريدة، بعد أن تجولت في هذا المنتجع، اتجهت إلى كازا، التي سأختم بها زيارتي للمغرب وستكون هي المدينة الأخيرة، قبل أن أعود مرة أخرى لفاس تلبية لطلب الشباب الفاسيين الذين تعرفت عليهم بعيون أم الربيع، ولأجل أن أذهب إلى الجمامات الكبريتية بمولاي يعقوب بالقرب من فاس والتي لم يسعفني الوقت للذهاب إليها حين توقفتُ بمكناس وفاس.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..